اكتر-أحبار السويد : رغد (اسم مستعار) مراهقة من أصول عربية، في السابعة عشرة من عمرها، تعاني مشكلة صحية أفقدتها قدرتا السمع والنطق. انتزعها مكتب الشؤون الاجتماعية في أوبسالا من أهلها عنوة بدعوى إيلائها الرعاية المناسبة التي افتقدتها، بناء على شكوى قلق، من إحدى معلماتها في المدرسة، تنفي عائلتها بشكل قاطع صحة جميع الادعاءات الواردة فيها وتصفها أنها "محض افتراءات لأخذ الفتاة وتنصل المدرسة من مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية تجاه سلامة طلابها". لكن سلوكيات الفتاة، حسب ما تؤكد والدتها، تبدلت كلياً بأشكال مفرطة الخطورة، تزامناً مع نقلها للإقامة في مركز خاص بالقاصرين يتبع البلدية المذكورة، بلغت في بعض الأحيان حد تعاطي المخدرات وبيع الجنس، الأمر الذي لا يتسق بتاتاً مع مزاعم مكتب الشؤون الاجتماعية بكونه أسند حق وصاية رغد إلى نفسه بغرض حمايتها ورعاية جميع مصالحها وحقوقها. أيضاً تتهم والدة رغد موظفي مكتب الشؤون الاجتماعية بالإهمال وعدم الكفاءة في رعاية القاصرين وتعمدهم تحريض الأبناء ضد آبائهم، من خلال حشو عقولهم بالأكاذيب والأفكار المغلوطة ودعوتهم للتمرد على كل القيم الأخلاقية والدينية التي تحملها ثقافاتهم الوافدة، ما يساهم بشكل مباشر في نشأة جيل طالح، يؤدي إلى زيادة تنامي تلك العصابات الإجرامية المنتشرة حالياً في شتى أرجاء البلاد، على حد وصفها. تعاطي العائلة مع مشكلة رغد الصحية تحكي أم رغد شخصياً، لمنصة "AKTARR" الإلكترونية، تفاصيل صراع عائلتها مع بلدية أوبسالا على حق رعاية ابنتها، فتقول: "تعاني ابنتي رغد ضعفاً شديداً في السمع وعدم القدرة على النطق. لذا فهي لا تتواصل معنا إلا من خلال إشارات خاصة ابتكرتها بنفسها، حيث لم تتح لها سابقاً فرصة تعلم لغة الإشارة المعتمدة للصم والبكم في بلدنا الأم. كما أن عجزها عن التواصل بصورة طبيعية مع الآخرين، خلَّف لديها حالة شديدة من السذاجة وتأخر النضج العقلي مقارنة مع بقية أبناء جيلها، ما جعلها دائماً فريسة سهلة للكذب والخداع والاستغلال من ذوي النفوس غير السوية. عندما لجأنا إلى السويد سنة 2014، التحقت الفتاة أولاً في مدرسة للصم والبكم بمدينة أوروبرو، تعلَّمَت فيها لغة الإشارة السويدية، ثم انتقلنا بعدها للإقامة خصيصاً في مدينة أوبسالا لدى علمنا بوجود مدرسة مماثلة أفضل سمعة هناك. هكذا راحت رغد ترتاد مدرستها الجديدة بانتظام، يرافقها أحد أفراد العائلة دوماً في طريق الذهاب والعودة. كما أوصيت معلميها جميعاً أن يبلغوني مباشرة في حال تأخرها أو تغيبها يوماً عن حضور إحدى الحصص حرصاً على سلامتها. اختفاء الفتاة من المدرسة وإلقاء إدارتها اللوم على الأهل أمام البلدية ذات نهار، أثناء ذهابي لاصطحابها من المدرسة حسب جدول دوامها المعهود، فوجئت بالمعلمين يخبرونني في ارتباك أن الفتاة غادرت على غفلة منهم ولا يعرفون مكانها. انفجرت بهم لوماً وتقريعاً، مذكرة أنني سبق وأوصيتهم ضرورة إبلاغي فور إقدامها على أية تصرفات من هذا النوع، ثم انطلقت باحثة عنها عقب طلب المساعدة من الشرطة ومكتب الشؤون الاجتماعية (سوسيال). بعد 4 أيام تقريباً من البحث المضني، عثرت عليها تقيم سراً عند إحدى صديقاتها وكانت تعاني حالة نفسية سيئة جداً لسبب لا أعلمه، فأودعتها مصحاً نفسياً بنية إجراء الفحوصات اللازمة لها. لكن المدرسة، على ما يبدو، خشيت تبعات تحملها مسؤولية الإهمال والتقصير في رعاية طلابها أمام البلدية، فسارعت معلمة رغد تملأ رأسها بالأفكار المشوهة والأكاذيب عن كوننا نعنفها ونجبرها قسراً على ارتداء الحجاب ونسعى لتزوجها من رجل مسن، ثم قدمت شكوى قلق رسمية باسم المدرسة إلى مكتب الشؤون الاجتماعية في الخصوص. انتزاع مكتب الشؤون الاجتماعية حق وصاية رغد من ذويها طبعاً لم يكذب هذا الأخير الخبر كعادته وأسرع في اليوم التالي مباشرة يجلب البنت من صفها أثناء وقت الدوام، ثم استدعانا بدورنا لاجتماع عاجل داخل مقره، حيث أبلغنا أنه قرر انتزاع وصايتها منا بناء على ادعاءات المدرسة، سالفة الذكر، ضدنا. استنكرت تلك التهم التي لا تستند إلى أي دليل أو نصيب من الصحة، مؤكدة أنني قضيت إجازة طويلة الصيف الماضي في بلدي، حيث كنت أملك آنذاك تزويج الفتاة بسهولة أو تركها هناك مع أقاربها إذا ما أردت دون علم السلطات السويدية، لكنني لم أفعل بكل بساطة لأنني لم أكن أعتزم ذلك أصلاً. حاولوا اتهامنا بالتقصير في رعايتها الصحة، فألجمت ألسنتهم بتقديم كافة التقارير الطبية التي تنسف افتراءاتهم من أساساتها، سواء من المراكز الصحية، أو عيادات الأسنان، أو المستشفيات، أو العيادات التخصصية. غير أن هذا النوع من الاجتماعات حسب ما تبين لنا لاحقاً، ليس سوى إجراء روتيني شكلي، يستكملون به معاملاتهم البيروقراطية، أما القرار النهائي، فتم صدوره غيابياً حتى قبل لقائنا وسماع دفاعنا. هكذا في التاسع عشر من شهر فبراير/شباط 2020، جرى إيداع رغد سكناً للقاصرين يتبع مكتب الشؤون الاجتماعية. مساعي رغد المتكررة للفرار وإغراءات مكتب الشؤون الاجتماعية لحثها على البقاء عنده في الأسبوع الأول من شهر أبريل/نيسان التالي، هاتفتني رغد سراً وصارحتني باكية أنها تريد العودة إلى البيت. عقب تلك المكالمة، أقدمت الفتاة على الهرب من مسكنها ثلاث مرات واللجوء إلى منزلنا من تلقاء نفسها، فلم يجرؤ أفراد مكتب الشؤون الاجتماعية والشرطة على الاتصال لإبلاغي بالأمر في كل مرة إلا بعد عجزهم تماماً عن إيجادها، حرصاً على عدم مصارحتي برغبتها في العودة تحت وصايتنا. كما ما انفكوا يحاولون إغرائي دائماً عبر تأكيدهم أن قيامي بإعادتها لهم طوعاً فور قدومها عندي سيساهم في حل مشكلتها وعودتها بشكل أسرع إلى حضني مستقبلاً. لذا كنت أتصل بالشرطة فعلاً وأطلب منهم الحضور لاستلام رغد ما إن تدخل البيت، حرصاً على عدم مخالفة القانون وعدم تعريض بقية أولادي إلى خطر أخذهم بعيداً عني كذلك، لا تصديقاً لوعود الشرطة ومكتب الشؤون الاجتماعية بشأن غلق ملف قضية رغد. وكان ما أكد صحة ظنوني هذه، أن رغد ظلت بمجرد عودتها إلى سكن الشؤون الاجتماعية، تتعرض لعملية غسيل دماغ ممنهجة من مسؤولها، سرعان ما تعود بعدها لتعرب عن رغبتها في البقاء نزيلة السكن حتى تبلغ سن الثامنة عشرة، طمعاً أن توفر البلدية لها آنذاك منزلاً مستقلاً، حسب ما وعدوها. نقل الفتاة إلى مركز رعاية للقاصرين وتغيرات سلوكية سلبية تطرأ عليها اقترحت على مكتب الشؤون الاجتماعية وضعها تحت رعاية قريبة لها مقيمة أيضاً بالسويد، ما سيوفر للبنت ألفة أسرية تؤنس وحدتها وتجعلها غير مضطرة إلى الفرار والقدوم لمنزلي الممنوعة من التواجد فيه، فأعجب الجميع بالحل ووعدوني دراسة إمكانية تنفيذه قريباً. إلا أن مسؤولها وضع العصا في الدولاب ورفض الحل شكلاً وموضوعاً بدعوى أنه "غير مناسب"، دون تكليف نفسه مشقة تقديم أسباب واضحة واتخذ بدلاً من ذلك قراراً يقضي نقلها إلى مركز (HVB)، مشيراً أنها ستحظى هناك بقدر أكبر من الحرية وتتحرك دون قيود. لكنها لن تتمكن من التجول خارجه إلا مع موظف بالغ يراقبها. مع مرور الأيام، تجلت أولى معاني تلك الحرية ضيقة الأفق والمفاهيم، في إقناعهم رغد بخلع حجابها، أما قانون عدم تجول الفتيات خارج المركز إلا بمرافق فاتضح أنه محض أكذوبة أخرى، إذ أكد عديد من معارفنا أنهم قابلوا ابنتي شخصياً تتنقل وحدها بين المدن المختلفة دون رقيب أو حسيب. بيد أن الأمر كان لا يزال محتملاً ويمكن تداركه مستقبلاً مع قليل من النضج والتربية والوعي. اتجاهها لبيع الجنس وتعاطي المخدرات في ظل انعدام رقابة البلدية لكن الطامة الكبرى وقعت فعلياً عندما اتصلت بي إحدى صديقاتها أواخر شهر سبتمبر/أيلول المنصرم، لتبلغني أن رغد ومجموعة من زميلاتها في المركز يبعن الجنس علناً على صفحة خاصة بهن عبر فيسبوك مقابل 1000 كرون سويدي لليلة. ثم سرعان ما جاءت الصدمة الثانية على هيئة مقطع فيديو وصلني عن طريق بعض أصدقائنا السويديين تظهر فيه ابنتي تدخن الحشيشة مع ثلة من صديقاتها داخل باحة أو حديقة منزل ما. لقد قدمت مقطع الفيديو المذكور سريعاً إلى الشرطة، كما أبلغت مشرفاً عاماً بمكتب الشؤون الاجتماعية ومسؤول ملف قضية رغد عن محتواه ولا تزال الحادثة قيد تحقيق، لا أدرى بم ستفضي مساعيه، وإن كنت لا أتوقع أن النظر فيها معها بالجدية المطلوبة". تساؤلات مشروعة وشكوى من تربص مكتب الشؤون الاجتماعية ببقية الأبناء القُصَّر وأضافت: "مضى اليوم على سحب رغد مني 7 أشهر تقريباً، لم أرها خلالها بشكل رسمي إلا مرتين فقط، عقبتا حوادث هروبها مباشرة، الأولى مدتها ساعة واحدة والثانية 90 دقيقة، يحيط بنا 5 موظفين، كل هذا بذريعة أنني قصرت في رعايتها. وإنني لأسأل كل ذي عقل أن يجيبني بمنطق وحيادية، بعد اطلاعه على تفاصيل مأساة عائلتي: من الذي قصر حقاً في رعاية ابنتي القاصرة؟ لنفرض جدلاً، أنني، كما زعموا، أجبرتها على ارتداء الحجاب وخططت لتزويجها عندما كانت تحت وصايتي، فهل ذلك أفضل أو أسوأ بمراحل من ممارستها الجنس لأجل المال وتعاطيها المخدرات تحت وصاية البلدية؟ إذا كانوا انتزعوها مني مراعاة لمصلحتها كما يزعمون أيضاً، فلماذا لم يقوموا بواجبهم وتركوا حالها يتردى إلى هذه الدرجة الخطيرة؟ لماذا لم يردوها إلي ما داموا لا يكترثون لأمرها مثقال ذرة؟ حين كنا نتلقى محاضرات عن كيفية تربية أولادنا من مكتب الشؤون الاجتماعية، أخبرونا بحقنا في معاقبة الطفل إذا ما أخطأ أو رفض الانصياع إلى توجيهاتنا، لا من خلال التعنيف الجسدي وإنما عبر حرمانه من استعمال أو تناول شيء يحبه. لذا لما بدأت رغد تستعمل هاتفها بشكل سيء وجعلته أداة لإقامة العلاقات مع الشبان، أخذته منها. لكن مسؤولها قدم هاتفاً ذكياً جديداً لها، كأنما يقصد بذلك حرماني حق تربية ابنتي وفق ما يلائم ديننا وعاداتنا. وعلى الرغم من كون ملف قضية رغد يفترض أن يُغّلَق حسب وعود كثيرة سابقة، إلا أن نفس مسؤولها ظل يماطل في خبث، بانتظار بلوغ الفتاة سن الثامنة عشرة، حتى أفقد أية وصاية عليها قانوناً. كما أصدر قراراً يمنع بموجبه الفتاة من السفر، خوفاً من محاولتي الفرار بها خارج البلاد. اليوم تعقد رغد الصداقات مع شبان مختلفين وتقيم معهم العلاقات، معتقدة أنها بهذا تمارس حريتها وتنال الاهتمام حقاً. بينما شرع مسؤولها يشن حرباً جديدة علينا ويطلب إجراء مقابلة مباشرة عبر الإنترنت مع أولادي القاصرين الثلاثة الأخرين، العالقين حالياً في بلادنا منذ زيارتهم لها بسبب أزمة كورونا، بدعوى قلقه من أن أكون قد أجبرتهم قسراً على الهرب خارج السويد، وربما لارتيابه أنني أحاول تزويج ابنتي الثانية ذات الخمسة عشر ربيعاً هناك، مع أنه سبق وأغلق قضاياهم منذ زمن عندما لم يجد فيها أية مبررات تستدعي انتزاعهم أيضاً. ألم يكن الأجدى بهذا المسؤول أن يلتفت أولاً إلى أوضاع شقيقتهم التي ضاع مستقبلها عبثاً حرفياً تحت رعايته، بدلاً من أن ينشغل في إحداث مزيد من الصدوع داخل أفراد عائلتي لتمزيقها؟ وختمت: "كل ما أصاب ابنتي من ضر، هو نتاج وضعها في أماكن غير آمنة أو ملائمة لحضانة القاصرين بشكل صحيح، كما أن الموظفين هناك ليسوا مؤهلين أبداً لتحمل هذه المسؤولية الجسيمة، ما سينشئ مستقبلاً جيلاً مشوه القيم والأخلاق يهدد سلامة المجتمع بأسره". تقرير: عمر سويدان