أما الحالتان المُسجلتان في إيطاليا، فهما زوجان صينيان سافرا معاً من ووهان إلى ميلان، ثم انتقلا بأنحاء البلاد في جولةٍ بالحافلة مع 100 سائح صيني آخرين على مدار الأيام الـ5 الماضية، مثيرَين الرعب في البلاد، إذ حذَّرت السلطات جميع من في المحطات التي سيمران عليها في رحلتهما، وضمن ذلك استراحات الطرق السريعة. وقد طُوِّق الفندق الذي نزلا فيه، وهو قريب من الكولوسيوم، برجال الشرطة المسلحين يوم الجمعة 31 يناير/كانون الثاني، وهو ما جعل المارة يتساءلون عما إذا كان هناك تهديد إرهابي.
المشهد يجعلك تعتقد أن الوباء وصل إلى معدلات طاعونية
يوم الجمعة، أعلنت سلطات الحماية المدنية الإيطالية «حالة طوارئ» تمتد إلى 6 أشهر،ـ على أثر الكارثة الصحية؛ وهي المرة الأولى من نوعها في تاريخ البلاد. ويخضع 12 شخصاً على صلةٍ بالحالتين المسجلتين، للرقابة بمستشفى لازارو سبالانزاني للأمراض المعدية في روما. لكن المطاعم الصينية، والمتاجر التي يملكها صينيون، وحتى المقاهي التي يعمل بها صينيون، كانت خالية تماماً هذا الأسبوع. وفي إقليم توسكانا، حيث تضم مدينة براتو أعلى نسبة تركز للسكان الصينيين بالبلاد، توقف الإيطاليون عن إرسال أطفالهم إلى المدارس؛ خوفاً من إصابتهم بالعدوى.
يزور إيطاليا كل عامٍ نحو 5 ملايين سائح صيني، ليصبوا ملايين اليوروهات في اقتصاد البلد، لكن هيئة السياحة في روما صرحت لموقع The Daily Beast، بأن عدداً كبيراً من المرشدين السياحيين ألغوا الجولات الجماعية للصينيين «إلى أن تهدأ الأمور»؛ خوفاً من أن مجرد وجودهم سيضايق السياح الآخرين.
وثمة 300 ألف مقيم صيني آخرين، يعيشون ويعملون في أنحاء إيطاليا، وكثير منهم يعملون بمجال الخدمات والأزياء، وقد أدى نقص التوجيهات الحكومية في التعامل مع الوباء إلى إغضاب المجتمع الصيني بأنحاء إيطاليا، ويشعر كثيرون منهم بالخيانة؛ لكون الحكومة تبدو كأنها تقدمهم كبش فداء، وفقاً لرئيس مجتمع الصينيين في روما، خلال مقابلاتٍ له بوسائل الإعلام الإيطالية.
قالت امرأة صينية تدير متجراً صغيراً في حي تراستيفيري الصاخب، لموقع The Daily Beast، إنها بدأت ببساطة ترتدي أقنعة الجراحة والقفازات المطاطية، لأن الإيطاليين لم يكونوا يدخلون متجرها. قالت: «لم أذهب إلى الصين منذ أكثر من 10 أعوام، لكنهم خائفون منا للغاية، ولذا يبدو الأمر منطقياً أن أريهم أنني أتبع تدابير السلامة». وأضافت: «إما هذا وإما أن أخاطر بفقد عملي».
اليمين المتطرف دخل على الخط
لم يفوِّت ماتيو سالفيني، زعيم حزب رابطة الشمال اليميني الكاره للأجانب في إيطاليا، أي فرصة ممكنة لاستغلال الموقف. وقال مؤخراً في مظاهرة: «في كل يوم تصل عشرات الرحلات إلى إيطاليا قادمة من الصين. نريد عمليات فحص؛ بل المزيد منها».
وفي مؤتمر صحفي للحماية المدنية عُقد بروما يوم الجمعة، أصرت هيئة الأطباء التي أرادت تهدئة خوف المواطنين، على أن الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض المرض فقط هم الناقلون للعدوى، رغم صدور تأكيدات في نهاية الأسبوع الماضي، بأن العكس صحيح.
وكانت هناك أيضاً تقارير مقلقة عن وجود حالات تنمر وعنصرية صارخة في الصحافة الإيطالية، تشمل صبياً إيطالياً ذا أصول صينية يلعب في مباراة كرم قدم مدرسية في ميلان، قال له منافسه: «أتمنى أن تُصاب بالفيروس أيضاً».
عوقب روبرتو جولياني، مدير معهد سانتا سيسيليا المرموق في روما؛ بعد أن قال لطلبة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية إنهم يحتاجون شهادة طبيب لحضور الصفوف الدراسية، حتى إن لم يكونوا قد سافروا للصين مؤخراً.
وفي فرنسا: «أنا لست فيروساً!»
وأشعل ذلك الذعر نفسه نقاشاً عرقياً في فرنسا، حيث ثبتت إصابة 6 حالات بالفيروس. وقد بدأ السكان الصينيون في فرنسا يستخدمون وسم #JeNeSuisPasUnVirus أو (أنا لستُ فيروساً)، بعد أن كتبت الصحيفة الإخبارية الفرنسية Le Courier Picard عناوين استفزازية عنصرية على غرار «الإنذار الأصفر» و «الخطر الأصفر»، على صورة لامرأة صينية ترتدي قناع جراحة أبيض.
ولا يمارس الفرنسيون الوصم مع الصينيين فقط، ولكن مع جميع الآسيويين، على ما يبدو. إذ قالت شانا تشينغ، مواطنة من أصول فيتنامية وكمبودية (17 عاماً)، لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، إنها تعرضت لمضايقات بحافلة في باريس، الأسبوع الماضي. وأوضحت أنها سمعت راكبَين يقولان: «إنها صينية، سوف تلوثنا.. عليها العودة إلى ديارها». ثم قالت إنهما نظراً إليها «باشمئزاز، كأنني أنا الفيروس!».
وكتبت امرأة أخرى على تويتر: «ليس جميع الآسيويين صينيين، ولا جميع الصينيين مولودون في الصين، وبعضهم لم يذهب إلى هناك قط. المريض الذي يسعل ليس مصاباً بفيروس كورونا. وإهانة شخص آسيوي بسبب الفيروس يشبهتإهانة شخص مسلم بسبب التفجيرات».
ألمانيا ليست أفضل حالاً
أما في ألمانيا، البلد الأوروبي الوحيد الآخر الذي سُجلت فيه حالات مرَضية -6 حتى الآن مرتبطون بشركة توريد السيارات Webasto في شتارنبرغ- فالأمور ليست أفضل حالاً. كان ألمانيٌ يبلغ من العمر 33 عاماً ويعمل في الشركة، هو أول حالة عدوى من بشر إلى بشر في أوروبا، وذلك بعد أن حضر دورة تدريبية أقامها زميل صيني زائر، عاد بعدها إلى ووهان. وقد عُلقت كل الدورات التدريبية المشابهة مع الزوار الصينيين من ذلك الحين.
وبينما يرتفع عدد الحالات التي تسجَّل في أنحاء أوروبا، سينتشر الذعر بلا شك. إذ إن استمرار انعدام التوجيهات من جانب السلطات حول كيفية انتقال الفيروس ومن هم ناقلو المرض المحتملون، سيغذي بكل تأكيد، العنصرية وكراهية الأجانب، وهما أمران قد يمثلان وباءً أشد خطراً من المرض نفسه.