Aa
اكتر- تحقيقات : هي جريمة كادت أن تبقى لغزاً، وأن تُقيّد ضد مجهول، إذ اختفى فيها القاتل، وغاب معه أمل القصاص، فأعادته الأدلة في مسرح الجريمة إلى دائرة التحقيق بعد 16 عاماً.
يوم الثلاثاء 9/6/2020، اعتقلت الشرطة دانيال نيكفيست، المتهم بجريمة قتل مزدوجة، شكلّت صدمة في السويد عام 2004، راح ضحيتها الطفل محمد العموري ذو الثمانية أعوام، ومعلمة اللغة آنا- لينا سفينسون البالغة من العمر ستة وخمسين عاماً. وبالاستناد إلى آثار الحمض النووي للمجرم، وبالاستعانة بعلم الأنساب، كان لدى الشرطة الدليل الحاسم، ليعترف المجرم بفعلته بعد ساعات فقط من اعتقاله.
مسرح الجريمة
في صباح يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2004، وقبل الساعة الثامنة بقليل، كان الطفل محمد العموري متجهاً إلى مدرسته الواقعة في أوسجاتان ضمن مدينة لينشوبينغ، حين تعرض لعدة طعنات بالسكين أدت إلى مقتله. وكانت آنا- لينا شاهدة على الحدث فهبت لإنقاذ محمد، لكنها تعرضت أيضاً للطعن حتى الموت.
رمى القاتل سكينه وهرب، وفيما بعد وجدت الشرطة قبعته في المكان، وهذه الأدلة كانت تحمل آثار الحمض النووي «DNA»، فقادت الشرطة للوصول إلى القاتل في نهاية المطاف.
تقول إيمان، أخت محمد العموري، التي كانت تبلغ من العمر 12 عاماً عندما قُتل شقيها الأصغر، وكانت أيضا في طريقها إلى المدرسة، لكنها غادرت المنزل بعد أربع دقائق: "رأيت شخصاً ملقى على الأرض.. بكيت وركضت إلى المنزل، وشاهدت الكثير من الشرطة وسيارات الإسعاف. أخبرت أمي أنه ربما صبي انزلق على الثلج. لقد تعرفت على حذائه، لكنني لم أرغب في التصديق".
العثور على المتهم
لما يقرب من 16 عاماً، قام القاتل المزدوج بخداع الشرطة. كان حمضه النووي في مسرح الجريمة، لكن المحققين لم يتمكنوا من العثور على مصدرها. وعلى مر السنين، حافظ القاتل على تخفيه، ولم يرتكب مخالفات تستدعي ظهوره، ومع ذلك تتبعت الشرطة حوالي خمسة آلاف شخص للوصول إلى القاتل.
وبمساعدة مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي، وعلم الأنساب الذي خلص، من خلال إنشاء شجرة عائلة، إلى أن الحمض النووي يمكن أن ينتمي إلى شخصين لا يزالان على قيد الحياة. اُعتقل نيكفيست وأخيه صباح يوم الثلاثاء 9/6/2020، في عملية نفذتها قوة التدخل الإقليمي، ووصفها مكتب المدعي العام في بيان صحفي، بالهادئة. وبعد أن أجرى مركز الطب الشرعي الوطني السويدي، تحليلاً أولياً سريعاً، أشارت النتيجة لارتباط آثار الحمض النووي بالمتهم دانيال نيكفيست البالغ من العمر 37 عاماً.
وقد تم إرسال ملف الحمض النووي للقاتل في البداية إلى قاعدتي بيانات الحمض النووي Gedmatch وFamily Tree، والأخير هو الأكثر استخداماً بين السويديين.
الدافع: كره الأجانب
اعترف دانيال نيكفيست بعد ساعات من اعتقاله بأنه قتل محمد وآنا لينا في عام 2004، وعندها تساءل الجميع: لماذا؟
وفي الإجابة على هذا السؤال، قال المحامي، يوهان ريتزر، الذي تم تعيينه كمدافع عام عن القاتل، إن موكله أعطى تفسيراً لارتكابه الجريمة، وهو رُهاب الأجانب، وأنه عبّر عن ارتياحه بعد الاعتراف. بينما قال المدعي العام، بريت لويز فيكلوند، في مؤتمر صحفي: "لقد قدم القاتل تفسيراً للجريمة، لكنني لا أنوي الخوض في التفاصيل. علينا مواصلة التحقيق، ومعرفة ما إذا كان التفسير الذي قدمه صائباً". في نفس الوقت، ذكر نيكفيست في الاستجواب أنه لا يعرف الأسرة، وبحسب الشرطة والمدعين العامين، لا توجد علاقة معروفة بين المشتبه به وأي من الضحايا.
وقت وقوع الجريمة، كان دانيال نيكفيست يبلغ من العمر 21 عاماً، ويعيش مع والديه في منزل في بلدة صغيرة خارج لينشوبينغ. كان طالباً في المرحلة الثانوية لكنه ترك المدرسة قبل أربعة أشهر من وقوع الجريمة. في السنوات التي تلت الجريمة لم يكن لدى نيكفيست وظيفة حقيقية. وفي عام 2009 ساعده مكتب العمل في الحصول على وظيفة في محطة إطفاء، وانتقل إلى شقة داخل لينشوبينغ حيث عاش منذ ذلك الحين.
وفقًا للسجلات المتاحة، فإن دانيال نيكفيست غير متزوج وليس لديه أطفال. ولديه أخ واحد، بينما والديه متوفين. كما يبدو أنه غير نشط في وسائل التواصل الاجتماعي. وليس لديه أي مخالفات أو ديون. ويصفه صديق الطفولة بأنه كان شخص خجول وانعزالي، ويحب السباحة وألعاب الفيديو.
بعد الاعتقال، خضع نيكفيست لاختبار نفسي، وأظهرت النتيجة أنه ربما كان يعاني من اضطراب عقلي، وقت ارتكاب الجريمة. وهذا يعني أنه سيخضع لفحص الطب النفسي الشرعي لمعرفة إن كان يجب أن يُحكم عليه بالسجن أو العلاج النفسي.
وتصف الشهادة الطبية من وكالة الطب الشرعي دانيال نيكفيست على النحو التالي: "رجل لم يعاقب من قبل، يبلغ من العمر 37 عاماً، يشتبه في ارتكابه جريمة قتل مزدوجة وقعت قبل 16 عاماً. عاش حياة مسحوقة اجتماعياً، ولم يثبت نفسه أبداً في سوق العمل".
عائلة محمد العموري سعيدة وحزينة
كانت عائلة محمد تبكي ولدها منذ 16 عام تقريباً، دون معرفة من قتله أو لماذا. وصباح يوم الثلاثاء، تلقى والده حسن العموري محادثة طال انتظارها بشأن اعتقال الجاني المشتبه به.
يقول والد الطفل: "نحن سعداء وحزينون في الوقت ذاته، لكنها خطوة جيدة لأمن الجميع في السويد". وأضاف: "اعتاد محمد أن يذهب هو وأخوته إلى المدرسة قاطعين الطريق ذاته لمدة ثلاث سنوات متتالية دون التعرض لأي موقف غريب يثير الريبة، ولم نشعر يوماً بقلق على سلامة الأطفال، لا أستطيع أن أفهم لماذا أراد هذا الشخص قتل ابني".
وقال إيمان، أخت محمد: "كان هناك الكثير من العواطف في وقت واحد، الحزن والغضب والفرح".
وكانت عائلة محمد اللبنانية قد استقرت في لينشوبينغ، لأنهم أرادوا العيش في مدينة هادئة وصغيرة. وبعد الحادثة بوقت قصير، انتقلت عائلة الضحية إلى مدينة خيرهولمن، حيث لا زالوا يعيشون.
يقول حسن العموري، والد محمد: "لقد فقدنا ابننا، ونعلم أنه لن يعود. لكن أن تأخذ العدالة مجراها هو أمر جيد للجميع".
اعداد: فريق تحرير Aktarr