أخبار السويد

«سويديون ضد العنصرية» بات ضرورة وطنية

Aa

«سويديون ضد العنصرية» بات ضرورة وطنية

بقلم: محمد أبو ناهية - باحث وصحفي

أثارت اتفاقية "تيدو" - التي رسمت خارطة الطريق للحكومة السويدية الجديدة، واتفقت على بنودها الأحزاب اليمينة الأربعة المُشكِّلة لهذه الحكومة - الكثير من الخوف والهلع في أوساط مواطني السويد لا سيما من أصول مهاجرة. حيث اعتبرت هذه الاتفاقية بداية التغيير في قيم المجتمع السويدي التي بنيت على التنوع والتعدد والمساواة وعدم التمييز، وبأنها اتخذت من المهاجرين خصماً للمجتمع السويدي الجديد الذي تريد أن تؤسس له، باعتبارهم سبباً للمشاكل المجتمعية في هذا البلد. وفي قراءة لهذه الاتفاقية يجد المراقب أنّ:  

  1. أغلب بنودها هي امتداد لقوانين أو مشاريع قوانين أو مقترحات أقرها الحزب الاشتراكي الديمقراطي ونادى بها في حملاته الانتخابية، حيث جاءت هذه هذه الاتفاقية لتجمعها وتؤكدها وتشددها. فالإشتراكي هو من غيّر الإقامة الدائمة إلى مؤقتة، وشدد في إجراءات لم الشمل، وفي الحصول على الإقامة الدائمة، وهو من اقترح وضع شروط اللغة والعمل ومعرفة المجتمع للحصول على الجنسية السويدية.  بل إنّ الاشتراكي ذهب إلى أبعد من ذلك؛ ففي البند المثير للجدل في هذه الاتفاقية الذي ينص على " وضع حواجز في مناطق المهاجرين لمنع الجريمة"، عندما صرّحت ماجدالينا أندرشون بأنها لا تريد " صومال تاون"، ووعدت بتطبيق التجربة الدانماركية في حال فوزها في الانتخابات؛ هذه التجربة التي تقوم على هدم مناطق المهاجرين لتغيير تركيبتها الديموغرافية؛ ليتمكنوا من السيطرة على الجريمة فيها. والكثير الكثير من القرارات التي أصدرها الاشتراكي ووصفت بأنها أشد عنصرية من بنود هذه الاتفاقية.
  2. إن بنود هذه الاتفاقية هي عبارة عن تفاهمات وخارطة طريق بين الأحزاب المتحالفة في الحكومة، وليست قوانين ملزمة، ولكي تصبح قوانين تحتاج لمراحل قانونية؛ تبدأ بالنظر بمدى توافقها مع القانون والدستور السويدي ومع الاتفاقيات الأوروبية و الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، ثم تقوم لجان مختصة بدراستها ومدى إمكانية تطبيقها، وفي حال توافقها تصبح مشروع قانون يُعرض على البرلمان، ويبدأ التصويت عليه. هذه العملية تحتاج إلى وقت قد يصل إلى صيف 2026 أي قبل الانتخابات القادمة، بحسب تصريح أحد نواب اليمين، ناهيك عن وجود معارضة قوية قد تعرقل وصول هذا المشروع إلى قانون.
  3. المجتمع السويدي مجتمع ديمقراطي، فيه مؤسسات مجتمع مدني عريقة ومتجذرة، تؤمن بالتنوع وتعدد الثقافات، وبالتالي لن تسمح بتغيير صورة السويد وقيمه الديمقراطية بهذه السهولة وبتلك الطريقة.

ولكن هل كل بنود اتفاقية "تيدو" غير جيدة؟ 

هناك بنود في اتفاقية "تيدو" لايختلف عليها المواطنون من أصول مهاجرة، بل هم أول من ينادون بها ويطالبون بتحقيقها، ولعل أهمها:

إيقاف الجريمة:

من قال أنّ المهاجرين هم مع انتشار الجريمة؟ ومن قال أنّ المهاجرين مع فقدان الأمن في مناطقهم؟ ومن قال أنّ المهاجرين سعيدون بفقدان أبنائهم كل يوم هنا وهناك؟ وعليه فإنّ المهاجرين هم أول من يطالب بإيقاف الجريمة لأنهم المتضررون الأساسيون منها، ويطالبون بشدة بمحاسبة تلك العصابات المنظمة والمعروفة عند الجميع وعند الشرطة، هذه العصابات التي قتلت أبناءهم وشوّهت مناطقهم.

الاندماج الحقيقي في المجتمع: 

إنّ عدم اندماج المهاجر في المجتمع وعدم تمكنه من امتلاك اللغة بشكل كاف لا يتحمله المهاجر لوحده، وإنما يتحمل الجزء الأكبر منه هو واضع سياسة الاندماج، هذه السياسة التي أثبتت فشلها في الفترة الماضية، التي فشلت بدايةً بتعريف الاندماج فضلاً عن فشلها في تحديد احتياجات المهاجر الأساسية ليتمكن من الاندماج، ولم تعطه الأدوات المناسبة المتوافقة مع ثقافته وقدراته وإمكانياته ليكون مواطناً فاعلاً في مجتمعه. فالمهاجر أول من يطالب باندماج حقيقي ومدروس وواقعي يمكنه من امتلاك الأدوات كاللغة لفهم ثقافة المجتمع وقوانينه، وعلى العمل ليكون إنساناً منتجاً وفاعلاً ومستقراً في مجتمعه الجديد.

توفير فرص العمل وعدم الاعتماد على المساعدات الاجتماعية: 

إنّ البطالة هي هاجس حقيقي يعاني منه المهاجرون نتيجة فشل سياسة الاندماج - كما ذكرنا- من جهة التي لا تُمَّكن المهاجر من بناء شبكة علاقات يستطيع من خلالها تأمين عمل مناسب وثابت ومستقر، هذا العمل الذي يعتمد بشكل أساسي في هذا البلد على العلاقات، التي يفتقدها المهاجر. وفي المقابل فإنّ المهاجرين -وبالأخص من جاؤوا مؤخراً- هم أكثر الناس حباً للعمل، والنجاحات الكثيرة التي حققوها على الصعيد الاقتصادي والعلمي خير دليل على أنهم يفضلون العمل على الركون على المساعدات الاجتماعية التي لا تغني ولا تسمن من جوع. فهؤلاء المهاجرين جاؤوا إلى هذا البلد ليبنون مستقبلاً آمناً ومستقراً لهم ولأبنائهم الذي لن يتحقق إلا بالعمل والاستقرار المادي. وبحسب الاحصائيات فإنّ أكثر المواطنين بحثاً عن العمل هم من أصول مهاجرة، ولكن فشل سياسة الاندماج والتمييز يحول دون ذلك؛ لذلك هم من أوائل الناس تمسكاً ببند توفير فرص العمل وعدم الركون على المساعدات الاجتماعية. 

أين تكمن الخطورة في اتفاقية "تيدو"؟ 

إنّ أخطر ما جاءت به إتفاقية "تيدو"هو منطق "نحن وهم" العنصري، الذي ينظر إلى غير السويديين الأقحاح نظرة دونية، مبنية على التمييز والكراهية والحقد، الذي يؤسس لبدء مرحلة خطيرة في تاريخ السويد ستغير وجهها الديمقراطي والإنساني الذي بنته على مدى مئات السنين، وستقضي على تنوعها الثقافي والديني والقومي، وستهدد أمنها وسلمها المجتمعي. وبالتالي فإنّ ترك هذه الحالة دون إجراءات قانونية وحضارية وديمقراطية تهدف إلى الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية والإنسانية والحضارية وقيم المساواة وعدم التمييز والتنوع، ستجعل هذا المنطق العنصري أمراً واقعاً بل سيتنامى شيئاً فشيئاً إلى درجة ستجعل السويد بلداً غير صالح للعيش؛ لذلك وللحفاظ على قيم بلدنا الديمقراطية لا بد من مواطني السويد من أصول مهاجرة باعتبارهم الحلقة الأضعف في هذه المرحلة، ومن كل مواطن سويدي ينبذ العنصرية بـ : 

  1. نشر ثقافة المواطنة: إنّ الدستور السويدي ينص على: "أنّ كل من يحمل الجنسية السويدية هو مواطن سويدي، بغض النظر عن أصله، له ما له من حقوق وعليه ما عليه من واجبات، ومتساوٍ في القيمة مع كل المواطنين". وبهذا المنطق الدستوري يجب أن يؤمن المواطن السويدي من أصل مهاجر، ويجب أن يتخلى عن عقدة اللهجرة إلى حقيقة المواطنة، ومن حلم العودة إلى بلده الأصلي إلى العيش الحقيقي والواقعي في هذا البلد، الذي عاش فيه أكثر من ثلثي عمره، أي أكثر مما عاش في بلده الأصلي، هذا البلد الذي أثمر فيه جيلين من الأبناء والأحفاد، الذين لا يؤمنون بغير السويد وطناً وبلداً وسكناً، فهو ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم. فيجب أن يدرك المهاجرون بهذه الحقيقة وبهذا الواقع، وبأن حالة الانتظار التي يعيشونها لا هي أرجعتهم إلى بلدهم الأصلي بعد ثلاثين سنة من الهجرة، ولا هي مكنتهم من الشعور بالمواطنة في هذا البلد. بل يجب أن يفهموا بأنهم لن يستطيعوا أن يواجهوا العنصرية إلا من مبدأ المواطنة الكاملة والشعور الحقيقي بالإنتماء لهذا الوطن.  
  2. يجب أن تأخذ مؤسسات المهاجرين مسؤولياتها: هناك حقيقة لا بد لنا أن نعرفها أنّ ما يعاني منه المهاجرون اليوم من ضعف هو نتيجة طبيعية لضعف مؤسساتهم الثقافية والدينية والاجتماعية، التي سببها عدم كفاءة قياداتهم سياسياً وإعلامياً وأكاديمياً وقانونياً، ناهيك عن الفساد الإداري والمالي الذي يعتري هذه المؤسسات. وبالتالي فإن مواجهة العنصرية اليوم لا تقوى عليها مؤسسات ضعيفة هشة، لذا فإنّ إصلاح هذه المؤسسات وإعادة بنائها وتقويتها بات ضرورة؛ لتتمكن من تمثيل المهاجرين بشكل قوي أمام أصحاب القرار. 
  3. تأسيس منصة إعلامية باللغة السويدية: الثغرة الرئيسية التي استطاع اليمين المتطرف النفاذ منها لتشويه صورة المهاجرين خلال الفترة الماضية؛ هي عدم وجود منصات إعلامية للمهاجرين باللغة السويدية من جهة وعدم وجود صحفيين وإعلاميين من أصول مهاجرة يتمتعون بالمهنية والحضور الإعلامي في وسائل الإعلام السويدية من جهة أخرى، ومن خلال هذه الثغرة استطاع اليمين المتطرف - الذي أبدع في استخدام الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي وأنفق في سبيلها الميزانيات الضخمة - استطاع أن يُقنع الناخب السويدي بأنّ المهاجرين هم السبب الرئيسي لمشاكل المجتمع، من خلال تركيزه على نماذج معينة لا يمثلون كل المهاجرين؛ بل هم منبوذين من المهاجرين أنفسهم. وعليه فإنّ هذه المرحلة تتطلب وجود منصة إعلامية باللغة السويدية تبرز الجانب الإيجابي للمهاجرين، وتحاول أن تبدد الصورة النمطية عنهم أمام الرأي العام السويدي، وتدافع عنهم وتقدم مطالبهم لصانع القرار.
  4. الانخراط في العمل السياسي والنقابي والاجتماعي: ليس من المنطق أن تشتكي من العنصرية والتمييز، وأنت بعيد كل البعد عن معاقل الضغط والتأثيرعلى صانع القرار، التي تتمثل بمؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات. فنسبة المهاجرين اليوم التي تقدر بأكثر من ربع سكان السويد يجب أن يكون لها تأثير في الحياة السياسية والإجتماعية والنقابية. 
  5. نحو حركة وطنية مناهضة للعنصرية "سويديون ضد العنصرية": إنّ خطورة المرحلة اليوم التي لا تطال المهاجرين فحسب بل تطال كل المجتمع السويدي بقيمه الديمقراطية وثقافته وتنوعه، لذا فإن هذه المرحلة تتطلب تشكيل جبهة وطنية تحت عنوان: "سويديون ضد العنصرية" تضم كل مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات والشخصيات والمؤثرين وكل المواطنين سواء كانوا من أصول مهاجرة أم لا، الذين يناهضون العنصرية، ويؤمنون بالسويد الديمقراطية، متعددة الثقافات، لا عنصرية ولا تمييز فيها، يؤمنون بالسويد التي يتساوى فيها الجميع بغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه. هذه الجبهة التي ستكون إطاراً تنسيقياً يجمع كل هؤلاء للوقوف في وجه العنصرية بكل الأدوات والوسائل الديمقراطية والحضارية والقانونية للحفاظ على قيم السويد الديمقراطية.
أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - أخبار السويد

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©