لا يذهلني إنكار الناس لحقيقتهم وأصلهم كي يصلوا إلى مناصب السياسة في السويد أو في أيّ مكان، ولكن كلّما تابعتُ الحياة السياسية في السويد أكثر، اقتنعتُ بأنّها تصبح أكثر ميلاً لإجبار الناس على إنكار شيء ما يرتبط بماضيهم أو بحقيقتهم، وذلك من أجل إحراز عدّة نقاط سياسية .هل هذا هو وضع السياسة وعلينا أن نقبله كما هو، أم أنّه ليس أمراً يمكن التساهل معه ويجب تغييره؟ لستُ أنا من يقرر النتيجة، بل الذين يمكنهم دوماً إيجاد حلول "سياسية" للسياسة.ابن عمّي وابن عمّ والدي!يخطر لي أوّل ما يخطر الحديث عن زعيم حزب الوسط الجديد محرم دميروك، فإذا أغفلنا الأحاديث حول تخليّه عن جنسيته الأصليّة وسلّمنا بسخرية الانتماء المزدوج المرتبط فقط بالجنسيّة، يبدو لي أنّ الحديث الأكثر استفزازاً هو إنكاره لمواقفه "السياسية" السابقة بخصوص شخص كان قد أعلن فخره فيه على أنّه: ابن عمّه. لستُ هنا مهتماً بالولاء العائلي لمحرم، بل بأنّ الرجل (وفقاً لصحيفة Expressen الناطقة بالسويدية) قد أنكر بسبب ترشحه لمنصب حزبي وسياسي هذا "الموقف" بعد مرور عشرة أعوام عليه. فبعد أن نشر صورة لابن عمّه الذي كان سفيراً لتركيا في الدوحة وهو يعلن بفخر بأنّه ابن عمّه، عاد بعد عشرة أعوام وقال: «أنا نادم/آسف على الخيارات السياسية التي اتخذها ابن عم والدي…».وزير بلا عمل يصنع البيتزا!أن يقوم وزير بعمل جولة على الأعمال هي نوعاً ما "حيلة" سياسية معروفة يقوم بها جميع المسؤولين بحجّة التعرّف على مطالب قاعدتهم الشعبية، لكن أن يقوم وزير بأخذ درس طهي بيتزا فهو شيء مبالغ به بعض الشيء. لستُ أنا الوحيد الذي لم يصدّق الأمر في البدء، فحتّى صاحب مطعم البيتزا Jonas Kaya استغرب الأمر وتوقّع بأنّه مقلب واضطرّ للاتصال "بالحكومة" ليتأكد من الأمر.لكن إذا ما اعتبرت أنّ وزير سوق العمل المنهمك بالعمل يقوم بجزء من عمله في هذه الزيارة، عليّ أن أسأل نفسي سؤالاً آخر: لماذا اختار السيّد بيرسون مطعماً مشهوراً ليتدرّب لديه ولم يختر أحد المطاعم التي تعاني حدّ الإغلاق ليسألها عن حالها، فمطعم السيد كايا بالتأكيد ليس مجرّد مطعم عادي، فزواره كانوا مشاهير من أمثال لاعب مانشستر يونايتد فيكتور لينديلوف. ربّما السيد بيرسون يريد أن يستفيد من شهرة محل البيتزا؟ لا أدري، ربّما علينا أن نسأل مصمم رحلته، ولكن بالتأكيد هناك ما لايريح في رحلة الوزير.السياسة والاقتلاع من الجذور!رغم أنّي من متابعي كرة القدم، فلم أتوقّع أن أهتمّ يوماً بكرة القدم "الخليجيّة"، والأهم أنّ السبب في اهتمامي هذه المرة لم يكن انتقال كريستيانو رونالدو إلى نادٍ سعودي، أو كأس العالم في قطر الذي قرر الأوروبيون أنّه "عرسُ لا ديمقراطي"، بل ما شهدته من بعض أصدقائي العراقيين من اهتمام ظننته لوهلة "مبالغاً به" لاكتشف بعد ذلك أنّه تعبير عفوي مباشر عن «الجذور» والانتماءات غير القابلة للمحو.صديقي طيّار متقاعد ممّن يسمونه في اللهجة الشامية العامة "خواجة"، وقد غادر العراق منذ فترة طويلة. لكنّه تابع نهائي كأس الخليج الذي فاز فيه العراق وتوّج بالبطولة مع مجموعة من أصدقائه وأقربائه. عندما سألته عن سبب هذا الاهتمام المفاجئ ببطولة كرة قدم "وهو الذي لا يفقه شيئاً في كرة القدم" شرح لي الأمر، ولكن أفضل ما قاله ربّما أنّ هؤلاء الذين يشجعون المنتخب العراقي لا يهتمون بكرة القدم نفسها بقدر اهتمامهم بوطنهم والشعور المزيج من الفخر والحزن والأمل المرتبط بهذا الوطنلا أعتقد بأنّ صديقي مهتمٌ بشغل منصب سياسي لا في السويد ولا في غيرها، ولكن بفرض أنّه قرر هذا بحكم جنسيته "وانتمائه المزدوج" اليوم، ألن يخرج كاتب ما أو عضو حزب ما ويشكك فيه لأنّه قال عن وطنه الأصلي وطن؟ لا أملك جواباً، ربّما أنتم لديكم واحد، أو السياسيين من ذوي أصل مهاجر الذين يعانون من هذا "التخوين" لديهم واحد.