اقتصاد

أين تذهب النرويج بعائداتها من النفط؟

Aa

أين تذهب النرويج بعائداتها من النفط؟

أين تذهب النرويج بعائداتها من النفط؟

تشتهر النرويج بتجارة النفط المزدهرة، ولكن أين تذهب العائدات من هذه التجارة، وما هي التدابير الموجودة التي تحول بينها وبين هدر الأموال، وأيضاً، ما هي المعضلات الأخلاقية التي تشكلها ثروة البلاد من النفط والغاز؟

تعتبر النرويج، على نطاق واسع، واحدة من أغنى دول العالم، فوفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، تمتلك النرويج ثالث أعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم والذي يُقدّر بـ99000 دولار، الأمر الذي يُقلص نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في السويد والدنمارك حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للدول المجاورة للنرويج 57 ألف و 68 ألف دولار. فكما يعلم ويتوقع الكثيرون، يلعب النفط دوراً كبيراً في هذه الثروة إذ يُعتبر "الذهب الأسود" حجر أساس للاقتصاد النرويجي منذ اكتشافه في نهاية الستينيات.

كيف تجني النرويج أرباحها من النفط، وفيما تستثمرها؟

أوضح البروفيسور هالفور ميهلوم Halvor Mehlum من قسم الاقتصاد بجامعة أوسلو Oslo لموقع The Local، أن الحكومة النرويجية لديها ثلاثة مصادر دخل من النفط. يتمثل المصدر الأول في الضريبة الفائضة التي تصل إلى 78% والمفروضة على جميع شركات النفط التي تعمل في المياه النرويجية،  أما المصدر الثاني، فيتم الحصول عليه من الأرباح التي تجنيها الدولة من ملكية الحكومة في شركات النفط، حيث تُشكل حصة الـ 70% التي تمتلكها في مُنشأة   Equinor المصدر الأساسي لهذا الدخل. يُضاف إليهم مكاسب الحكومة من أرباح الملكية المباشرة لحقوق التنقيب في مياه النرويج، والتي تعتبر المصدر الثالث للدخل. 

تضع النرويج عائداتها النفطية في صندوق التقاعد الحكومي الذي يعتبر أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم. أي أن صندوق التقاعد الحكومي أو صندوق النفط، بعبارات أبسط، هو صندوق ادخار عملاق يحقق أرباحه عن طريق الاستثمار في أكثر من 9000 شركة في جميع أنحاء العالم، وتقدر قيمة الصندوق بحوالي 11 تريليون كرونة أو 1 تريليون دولار. يمكنك أيضاً الاطلاع على قيمة الصندوق في الوقت الفعلي على موقع صندوق التقاعد الحكومي.

ماذا تفعل الحكومة بالمال؟

لا يتم استثمار الأموال عبثاً، إذ تستخدم الحكومة الصندوق لغرض الإنفاق العام، حيث قال البروفيسور ميهلوم لموقع The Local إن عائدات النفط تذهب لتمويل ميزانية الحكومة بجميع أجزائها كونها تشكل جزءاً كبيراً من الإنفاق الحكومي، وأنه لا يتم تخصيص عائدات الأموال من النفط لقطاعات معينة مثل الصحة والتعليم والمعاشات والشرطة والجيش، مضيفاً أنها تمثل أكثر من 20% من الميزانية، وحوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبرّ الرئيسي باستثناء الناتج المحلي الإجمالي الناتج عن النفط البحري.

تُعد إمكانية ملئ خزائن الدولة بهذه الأموال أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للحكومة النرويجية، حيث أوضح أستاذ الاقتصاد أنه "دون مصدر الأموال هذا، سيتعين على الحكومة خفض الإنفاق بشكل كبير أو زيادة الضرائب بشكل كبير".

ما السياسات المتبعة  التي تحول دون سوء إدارة الأموال؟

نظراً لكون النفط مورداً محدوداً، ولأن الثروة التي يجنيها صندوق الثروة السيادية أمران ضروريان للإنفاق الحكومي، فمن المهم للغاية ضمان عدم هدر الأموال. ولوضع حدّ للحكومة يحول دون استنزافها احتياطيات الصندوق، تم تحديد نسبة مقدار الأموال التي يمكن أن تستخدمها الدولة من عائدات النفط. قال البروفيسور ميهلوم: أنه "يجوز للحكومة أن تنفق مبلغاً يعادل 3% من الصندوق كل عام، حيث يتم إضافة ما تبقى إلى الصندوق في حال تَجاوَز التدفق النقدي الإنفاق".

مع ذلك، فإن الحد المفروض على الإنفاق الحكومي من عائدات النفط ليس مُلزَماً قانونياً، بل هو معيار مرجعي أكثر مرونة. وبالرغم من أن هذه النسبة ليست مُلزَمة قانونياً، إلا أن الحكومة بحاجة إلى إبقاء نسبة الميزانية من عائدات النفط ضمن حدود معقولة لإرضاء الناخبين.

أضاف البروفيسور ميهلوم قائلاً إن "السيطرة على الإنفاق هي مطلب الناخبين القلقين من أمرين مهمين. فهم قلقون بشأن المستقبل ومعاشاتهم التقاعدية والعبء الضريبي على أولادهم من جهة،  وأن يؤدي الإنفاق المفرط إلى ارتفاع أسعار الفائدة من جهة أخرى، الأمر الذي سيسبب لهم ضرراً كبيراً نظراً إلى حجم الرهن العقاري الكبير على منازلهم". 

هل تشكل عائدات النفط في النرويج أي معضلات أخلاقية؟

أجل، حيث يُعد الشاغل الأول هو كيفية استثمار القائمين على الصندوق للأموال.  فقد يكون من الصعب تتبع ما إذا كان يتم إنفاق الأموال بطريقة مسؤولة أخلاقياً نظراً لاستثمار العائدات في آلاف الشركات والمشاريع حول العالم، الأمر الذي يعني الانتهاء بالاستثمارات إلى تمويل شركات مشكوكٍ بأمرها.

قام الصندوق في الآونة الأخيرة بسحب الأموال من علامة تجارية متهمة بالعمالة القسرية في الصين ومن الشركات ذات المباني غير القانونية في الضفة الغربية. ومع ذلك، ووفقاً للبروفيسور، فإن وعي القائمين على الصندوق بإجراء استثمارات مسؤولة اجتماعياً قد بدأ بالازدياد فقط في السنوات الأخيرة، إذ لا يختلف الصندوق كثيراً عن الصناديق الأخرى. فعلى مر السنين، كانت صناديق التقاعد بشكل عام أكثر مشاركة في جمعيات حقوق الإنسان وحماية البيئة ووضع معايير للعمل، بالإضافة إلى تشجيعها عدم الاستثمار في المناجم والأسلحة النووية والتبغ، حيث قام الصندوق النرويجي بركوب هذه الموجة والوصول إلى طليعتها إلى حدٍّ ما.

يمكن أن تضع الأحداث الخارجة عن سيطرة الصندوق أيضاً علاماتِ استفهام أخلاقية عليه، مثل الحرب في أوكرانيا، والتي يمكن أن تحقق أرباحاً للنرويج عن غير قصد. ووفقاً لتقديرات بنك نورديا، يمكن أن تحقق النرويج في عام 2022 قرابة الـ 1.5 تريليون كرونة من عائدات النفط والغاز الإضافية لهذا العام. لقد أدى ذلك إلى الكثير من النقاش والجدل في النرويج حول ما يجب أن تفعله الدولة بالأرباح والمخاوف غير المتوقعة التي يمكن أن يُنظر إليها على أنها "استغلال للحرب"، حيث كتبت صحيفة Dagbladet اليومية في مقال افتتاحي لها أن هذا شكل من أشكال أرباح الحرب، وهو حقيقة مرّة لا يمكن للنرويج تفاديها.

قال البروفيسور ميهلوم أيضاً إن "الأسعار التي قد تفرضها النرويج ستكون مرتفعة نظراً لاستيراد أوروبا كميات أقل من الغاز الطبيعي من روسيا، فهل يعتبر تحقيق النرويج أرباحاً هائلة عادلاً في الوقت الذي تقف فيه أوروبا القاريّة في وجه روسيا؟". الأمر الذي اقرّت به الحكومة، حيث اعترف وزير البترول والطاقة تيرجي أسلاند Terje Aasland لمحطة TV2 قائلاً إنه يوجد أوقات لا يكون فيها جني الأموال أمراً ممتعاً حيث يشكل الوضع الراهن أفضل مثال لذلك.

اقرأ أيضاً:

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - اقتصاد

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©