على الرغم من جهود الحكومة السويدية التي يتمّ الإعلان عنها لتخصيص موارد لتحسين الرعاية الصحية الأولية Primärvård، إلا أن هناك العديد من العوائق التي تعوق التقدم في هذا المجال شديد الأهمية للذين يسكنون في السويد. لهذا تواصلتُ مع الدكتور ماغنوس إيساكسون Magnus Isacson، وهو أخصائي في الطب العام ورئيس الرابطة السويدية للطب العام (SFAM)، الذي قدّم لجمهور "أكتر" رؤى عميقة حول التحديات التي تواجه الرعاية الصحية الأولية في السويد، وما الذي يجب فعله لتحسينها. من المهم لمن يختلط عليه معنى الرعاية الصحية الأولية أن نعرّفها بحسب القانون السويدي HSL، الذي يقول بأنّها: «المسؤولة عن احتياجات السكان لمثل هذا العلاج الطبي الأساسي، والرعاية التمريضية، والعمل الوقائي وإعادة التأهيل التي لا تتطلب الموارد الطبية والفنية للمستشفيات أو المهارات الخاصة الأخرى»، أي بكلمات أخرى هي النوع من الرعاية الصحية التي يحتاجها أغلب المرضى الذين لا يحتاجون إلى الموارد التقنية والطبية للمستشفيات.الأطباء في الرعاية الأولية وتحميلهم الزائدأحد الأهداف الرئيسية في إصلاح الرعاية الصحية الأولية هو تحديد عدد المرضى لكل طبيب إلى حوالي 1100 مريض. أشار الدكتور ماغنوس إلى أنّ تحقيق هذا الهدف ما زال بعيد المنال، وأنّ النظام الحالي يضع عبئاً كبيراً على عدد قليل نسبياً من الأطباء المتاحين. إحدى التغييرات الهيكلية الضرورية لتحقيق هذا الهدف هي ضمان توظيف المتخصصين الجدد ST-läkare في الطب العام وتحفيزهم للبقاء في نظام الرعاية الأولية. يتطلب ذلك زيادة في التمويل ليس فقط لتوظيف الأطباء الجدد ولكن أيضاً لتقديم عبء عمل مناسب لهم لمنع الإرهاق وتحسين الرضا الوظيفي.هذا الهدف، كما توضّح السوسيال، يواجه تحديات بسبب نظام الرعاية الصحية اللامركزي في السويد، حيث تُترك قرارات تخصيص الموارد والأولويات للسلطات المحلية والإقليمية، مما يؤدي إلى محدودية فعالية تنفيذ السياسات على مستوى البلاد وتفاوت في توزيع الموارد والخدمات بين المناطق المختلفة.في تعليقه على هذا التحدي، قال ماغنوس: «يجب أن نتأكد من أن الأطباء الذين يختارون العمل كموظفين ثابتين في الرعاية الأولية يحصلون على عبء عمل مناسب. وهذا يعني مسؤولية عن عدد معقول من المرضى، على المدى الطويل 1100. لكن نظراً لقلّة الأطباء، سيتعيّن علينا في الفترة الانتقالية تحمّل مسؤولية أكثر قليلاً حتى نتمكن من زيادة الأعداد».الفجوة في الميزانية وتأثير التضخمعلى الرغم من تخصيص الحكومة السويدية مبالغ كبيرة للرعاية الصحية الأولية ضمن مبادرات مثل "God och Nära Vård" (رعاية جيدة وقريبة)، يلاحظ ماغنوس أن حوالي 18% فقط من ميزانية الرعاية الصحية تُخصص بالفعل للرعاية الأولية. الأمر الآخر أنّ معدلّ التضخم، الذي بلغ 1.9% في أغسطس 2024، يعني أن جزءاً كبيراً من الدعم المالي المخصص للرعاية الصحية قد تآكل بسبب ارتفاع التكاليف. يمكنك رؤية هذه الأرقام كاملة عند مكتب الإحصاء السويدي SCB.أشار ماغنوس إلى أنّ «التضخم وزيادة الرواتب يستهلكان جزءاً كبيراً من الأموال، بحيث يُطلق عليها 'استثمار' ولكن في الواقع لا تصبح هناك أموال أكثر بشكل فعلي». كما أضاف أنّ هناك جزءاً من الميزانية يتوقّف في المنظمات الإدارية مثل اتحاد البلديات والمناطق السويدية SKR، وقد تُقلل بعض المناطق من مساهماتها الخاصة عندما ترى أنّ الحكومة خصصت أموالاً للمبادرة.العلاقة الثابتة بين الطبيب والمريضفيما يتعلق برعاية المرضى، لا تزال السويد متأخرة مقارنة بالعديد من الدول الأخرى في ضمان استمرارية الرعاية، حيث أن 32% فقط من السكان لديهم طبيب دائم. أكد ماغنوس على أهمية إقامة علاقات ثابتة بين الطبيب والمريض Fast läkare-patient-relation، وهو أمر مركزي لنجاح نموذج الرعاية الصحية بأكمله. يضيف: «يجب أن نعمل في صفوف الأطباء العموميين وأيضًاً أن نحظى بدعم السكان والسياسيين للتأكيد على أهمية الطبيب الثابت».هذا التفاوت بين الرؤية لنظام رعاية مخصص والممارسة الحالية يرجع جزئياً إلى اختلاف إمكانية الوصول إلى الرعاية عبر المناطق. يدير كل سلطة محلية أو بلدية الرعاية الصحية بشكل مستقل، مما يؤدي إلى تباين كبير في توفر الخدمات في جميع أنحاء السويد، وذلك كما هو مبيّن في موقع السوسيال.إجبار المناطق ودمج الأطباء الأجانبيقترح ماغنوس أن الحكومة يجب أن تلزم جميع المناطق بوضع خطط واضحة للوصول إلى نسبة طبيب عام واحد لكل 1100 ساكن خلال السنوات الـ 5-10 القادمة. ويجب أيضاً زيادة عدد المتدربين في الطب العام بشكل كبير، ومحاسبة المناطق التي لا تتبع خططها من خلال حرمانها من الأموال المخصصة لـ"رعاية جيدة وقريبة".من الأشياء المهمّة التي خطرت لي وأنا أحادث ماغنوس أنّ أحد الحلول المحتملة لسدّ النقص في أطباء الرعاية الأولية، والأطباء عموماً، هو دمج الأطباء الحاصلين على مؤهلات طبيّة أجنبية. يعترف ماغنوس بالإمكانية الكبيرة هنا، ولكنّه عبّر عن محدودية معرفته بعملية الاعتراف بالمؤهلات الأجنبية. سيساعد تحسين هذه العملية وتسريعها على سدّ الفجوات الحرجة في الرعاية الصحية الأولية والاستفادة من مهارات العديد من الأطباء المؤهلين الذين يعيشون بالفعل في السويد.أضاف ماغنوس: «هناك الكثير من الأطباء في السويد من خلفيات أجنبية يمكن أن يساهموا في نظام رعاية أولية فعال. وآمل أن يرى الكثير منهم الرعاية الأولية كخيار لأنها أفضل وظيفة في العالم».في الختام…يواجه إصلاح الرعاية الصحية الأولية في السويد تحديات هيكلية ومالية كبيرة على الرغم من أهدافه الطموحة. توضح توصيات الدكتور ماغنوس إيساكسون أهميّة التمويل المستهدف، والمساءلة الهيكلية، ودمج المهنيين الصحيين الأجانب لتحسين الرعاية الصحية الأولية في السويد. هذه التغييرات ضرورية لإنشاء نظام رعاية صحية أكثر فعالية وإنصافاً، قادراً على مواجهة التحديات الحالية والأزمات المستقبلية.