مقالات الرأي

الحلم …. هو قارب الموت !!!

Aa

الحلم …. هو قارب الموت !!!

الكاتب نضال درويش لأكتر: لم تفرق الاسماك بين السوري واللبناني والفلسطيني , لكن جمعهم الفقر جميعاً. إن لم تذرف دموعك بعد، عليك ان تجول في مواقع التواصل الاجتماعي لمدة ٥ دقائق وسيصادفك مقطع فيديو لأحد الناجين من مراكب الموت التي خرجت من لبنان مؤخراً، موت لم يفرق بين جنسيات الركاب، فجمعنا في الحزن بعد ان باعدتنا الطائفية والمذهبية والديكتاتوريات الدينية والسياسية.

السوري وقريبه اللبناني وصديقهم الفلسطيني جميعهم التصقوا ببعض وحاولوا أن ينقذوا بعضهم البعض. يروي لنا الناجي القابع في المستشفى كيف وجد طفلاً بحجم علبة المياه يطفوا على وجه المياه في البحر إلى جانبه، وكيف فك يد صديقه الذين حلموا سوياً كيف سيصلون الى بلاد يعيشون بها من غير ذل واهانة كرامات.

ناجٍ آخر يروي كيف ترك زوجته التي كانت تتوسل إليه قبل ٥ دقائق ان ينقذها كما وعدها عند زفافهم، أن يحميها من كل اخطار العالم وان يفديها بروحه، لكن لم يكن يتخيل أن يفقدها في بحر هائج يفتح فمه على مصراعيه ليقتات من الجثث ويعود ويلفظها على شواطىء البلدان التي لا تستطيع أن تسألهم عن جواز السفر حينها.

أيضاً عن خالد الذي اضطر أن يترك طفله (سنة ونصف) يطفو على وجه المياه ويقبله آخر قبلة قبل أن يستدير ويحاول انقاذ ما تبقى من اطفاله الاربعة، لان والدتهم لم تصمد كثيراً في المياه الباردة وهي التي لا تعرف عن غدر مياه البحر شيئاً سوى تلك اللحظات الحميمة التي كانت تجلسها هي وخالد على شواطئ لبنان يشاهدون غروب الشمس ويخططون للمستقبل، ويقف خالد ويقول لها: "هذا البحر لي… هذه الحياة لي ولاطفالي".

يضحكون ويلتفتون لجمع الاطفال والعودة الى المنزل لكن بعد التفاتة سريعة من خالد لم يجد منهم أحد، جميعهم - أطفاله وزوجته - لم يصمدوا في المياه وأصبحوا جثثاً عائمة على بحرٍ من المأساة. بحرٍ من فساد بلاد أصبحوا حكامها ورجال الدين فيها متخمين من سرقة اموال الفقراء.

لن يتحدث أحد عن علي الذي غرق بعد ثلاث ساعات انتظار في مياه اقليمية او دولية/ وما أسخف هذه التسميات لان المياه لم تعتد أن تسمى فهي مياه تدخل الى حيث تشاء عكس البشر الذين يحتاجون تأشيرات وجوازات سفر ليعيشوا على أرض, 

 قسموها بحدود وقسموا البشر فيها إلى أنواع

علي الذي وعد حبيبته أن يغادر لفترة قصيرة إلى بلاد يجد بها عمل ويعود ليأخذ حبيبته الى احضانه كي يدللها ويلاطفها ويعيشان قصص الحب ويتصوران ويشاركان صورهما مع أصدقائهما على مواقع التواصل وهما يغمران بعضهما البعض، يشتري لها ما تشتهيه من المأكولات ويهربان من أعين الناس الى مكان خفي ويقبلان بعضهما ويسترخيان على ضفاف نهر ما في هذه الأرض و يغازلان بعضهما تحت أشعة  الشمس ...

ويحاول علي كتابة الشعر في حبيبته وهو الذي لا يعرف عن الشعر شيئاً لكنه يحاول ان يعبر بارقى الطرق عن مدى تعلقه وحبه لها، لكن علي غرق ولم تظهر جثته بعد وأهل علي وحبيبته ينتظرون أن يصلهم أي خبر عنه وأصبحت احلامهم ربما أن يروا جثته لآخر مرة قبل دفنه وان لا تكون قد التهمته الأسماك.

دفن الكثير في هذه العبارات، ولا نقصد في الدفن هنا الأموات فقط بل نقصد من هم على قيد الحياة الذين ينتظرون احبتهم، ربما قد تعلق بصخرة أو وصل الى بلد ولم يستطع الاتصال بهم بعد، لا يريدون أن ينعوه بل ما زالوا يأملون بالمعجزات، معجزة ما تظهره فجأة بينهم.

عن تلك التي تخرجت حديثاً، حلمت بفارس الاحلام يأتي فوق موج البحر على حصانه الأبيض يخطفها بعد أن كانت تنتظره ضاحكةً ويتعرف عليها فارسها من اللمعة في عيونها، لكن شاء القدر ان تكون عروساً في السماء تتغاوى وتختار فارساً من مكان اخر ...

أيضاً هناك قصص لا يمكن لنا تجنبها او التغافل عنها، كفاح الذي يعرف السباحة جيداً وانتبه بان المركب المدجج بالجثث الحية والتي ستموت بعد قليل ويصبح جزءاً منها، بخطر. ضم زوجته جيداً وقفز من هذا التابوت الكبير الذي زج به هو ومجموعة من ١٥٠ شخص،

بقي يومين مع زوجته التي أمن لها قطعة خشبية تطفوا عليها الى حين يأتي من ينقذهم، وأمامه وامام زوجته الحامل توفي 5 اشخاص منهم من أستسلم بسرعة ومنهم من صمد وبقي الى اليوم الثاني لكنه فارق الحياة. ابعد كفاح وزوجته جثث الاطفال والشباب من امامهم ونبشوا في شنطهم التي كانت تطفوا على وجه المياه ونبشوا مقتنياتها ووجدوا بعض التفاح الذي سمح لهم الصمود الى حين وصل صاحب قارب الصيد السوري الذي انقذهم.

قصّة الجنون

لست من محبي كتابة القصص المحزنة ولا حتى ذو شخصية سلبية، لكن لفتني جداً السؤال الذي يدور في رأسي بشكل يومي وفي كل دقيقة: ما سبب هذا الصمت العميق في جميع انحاء العالم  حول ما حصل؟ هل تعودوا ان يرونا جثثاً في حروب ام جثثاً نطفوا على وجه مياه البحر ام ماذا؟ هل اصبحت الطبيعة أكثر رأفة من البشر؟

هل سيصبح شفيع البلاد الانسانية والمتحضرة هو الطفل ايلان الذي فتح باب الفرار لعدد كبير من اللاجئين ويكونوا بذلك قد قاموا بواجبهم وليسوا مجبورين باي شي اضافي؟ وها نحن بعد اسبوع من الحادثة بدأ البعض ينسى ما حصل، ينسى ويتناسى انه كان يمكن ان يكون في هذه القوارب اما يروي ما حصل، او يروى ما حصل له ولعائلته. 

جميع من صعد على هذه المراكب كان يدرك ان فقط امكانية نجاح هروبه هو ٢٠٪؜ ولكن مع ذلك اصروا أن يهربوا لانهم يأسوا تماماً من اي اصلاح ولا خيارات اخرى لديهم، وحاقد كل من يوجه لهم لوم على ما فعلوه، بل يجب ان نلوم ونحاسب من اوصلهم الى هذه الحالة.

نحن من بلاد سرق سياسيوها واحزابها ورجال دينها كل شيء كان يمكن ان يقتات به الاطفال الثكل، نعم سياسيون اتخمت بنوك سويسرا بأموال سرقوها من هذه الجثث العائمة، واليوم يلوموهن على ما فعلوه.

نعم رجال دين تستروا على سرقة السياسيين واخذوا نصيبهم من اموال السرقات وعاشوا ضمن قصورهم وسياراتهم الثمينة، ولكنهم يقفون كل يوم جمعة او احد على المنابر ويعظون الناس بان يصلوا لل الله لكي يساعدهم ويروون لهم القصص الخرافية عن طريقة صبر المؤمن لان هذا امتحان من عند الله. لكن يتحدثون وكأنهم مستثنون من هذه الامتحانات.

أيضاُ يقتلهم المتفلسفون الذين يخرجون يومياً ويلومون اشخاص دفعوا اموال كان يمكن لهم ان يستثمروها في بلدهم لكن غاب عنهم ان الذل اليومي، واللا إنسانية في بلاد الشرق الاوسط لا يدفع الفقير ثمنها بل تأتيه بالمجان.

لم تفرق الاسماك بين السوري واللبناني والفلسطيني، لكن جمعهم الفقر جميعاً.

*نضال درويش: ناشط سياسي ومدني من لبنان. جاء إلى السويد في 2016، نظّم وشارك العديد من المظاهرات التي تناصر اللاجئين والمهاجرين في السويد. مدرب لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي.


تنويه: المواد المنشورة في هذا القسم تنشرها هيئة تحرير منصة أكتر الإخبارية كما وردت إليها، دون تدخل منها - سوى بعض التصليحات اللغوية الضرورية- وهي لا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة أو سياستها التحريرية، ومسؤولية ما ورد فيها تعود على كاتبها.

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مقالات الرأي

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©