في قلب مطعم "بيتا غورميه Pita Gourmet"، حيث كانت أصوات الضحك والمزاح تملأ المكان، بات الصمت سيد الأجواء. الفرن لا يزال ساخنًا، والطاولات تفتقد لصوته وهو ينادي الزبائن لتذوق أطباقه. رحل باسل الشلح، الأب لطفلين، ضحية لمجزرة أوربرو الدامية، تاركًا خلفه فراغًا لا يعوّض. شغف لا ينطفئ.. والطعام لغة الحب داخل المطعم، كان بسام معروفًا بابتسامته التي لا تفارق وجهه، وبطريقته الفريدة في الترحيب بالزبائن. كان يناديهم دائمًا: "تعالوا تذوقوا"، وكأن الطعام ليس مجرد وجبة، بل تجربة مليئة بالحب والدفء. من بين إبداعاته، كانت هناك وصفة خاصة سمّاها "البيتزا الحزينة" (Zaalane)، التي أصبحت حديث رواد المكان، وجعلت الزبائن يأتون من مدن مجاورة مثل فيستيروس وكوملا، فقط لتذوقها. يقول صديقه ورفيق دربه في العمل، بيير الحاج، بحسرة: "كان بسام مشهورًا، ليس فقط بين زبائنه، بل حتى على الإنترنت. كان يبث مباشرًا على تيك توك وهو يطبخ، وكان لديه آلاف المتابعين. اليوم، هو لم يعد هنا، لكن صوته لا يزال يرنّ في آذاننا." اليوم الأخير.. ابتسامة لم يكن أحد يعلم أنها الأخيرة صباح الثلاثاء، كان بسام كعادته مليئًا بالحياة. نشر مقطع فيديو على حسابه في تيك توك، ممسكًا بكوب قهوته، يبتسم تحت المطر الخفيف الذي غطى شوارع أوربرو، ويقول: "انظروا كم الطقس جميل اليوم!" لم يكن أحد يعلم أن هذه ستكون كلماته الأخيرة. غادر المطعم متجهًا إلى دراسته في مدرسة ريسبرسكا، حيث كان يسعى لتحسين لغته السويدية عبر برنامج تعليم المهاجرين (SFI)، في خطوة أراد بها أن يحقق حلمه في الاندماج التام في المجتمع السويدي، وتوفير مستقبل أفضل لطفليه. قبل خروجه، قال لزملائه: "سأعود بعد الظهر، لا تذهبوا بعيدًا!" لكنه لم يعد. الخبر الصادم.. والمطعم الذي أصبح مزارًا للحزن في اليوم التالي، انتشر الخبر.. باسل كان من بين الضحايا الذين سقطوا في هجوم المدرسة. لم يصدق زملاؤه وأصدقاؤه ذلك. بقيت طاولته كما هي، ومكانه في المطبخ لم يملأه أحد. "الزبائن يدخلون المطعم ويسألون عنه، وعندما نخبرهم الحقيقة، تنهار دموعهم، ويغادرون دون أن يطلبوا شيئًا"، يقول بيير. في زاوية قريبة من الفرن، لا يزال هاتفه مثبتًا في الحامل الذي كان يستخدمه للبث المباشر على تيك توك. الفيديوهات الأخيرة لا تزال محفوظة، ويمكن سماع صوته فيها وهو يمازح زبائنه، كما لو كان لا يزال موجودًا. فراغ لا يعوّض.. وأطفال ينتظرون إجابات لا تأتي اليوم، يقف أصدقاء بسام أمام صوره التي وضعت بجانب الكاشير، محاطة بالورود والشموع. لا أحد منهم يستطيع استيعاب الأمر. لكن أكثر من يشعر بالفراغ هم طفلَاه اللذان ما زالا في انتظار عودة أبيهما إلى المنزل. لا إجابة لديهما عن السؤال الأصعب: لماذا؟ صديقه المقرب، سامان، الذي لم يستطع إخفاء دموعه، قال: "كان بسام بمثابة أخي، كان قلبه طيبًا إلى حد لا يوصف. لم يؤذِ أحدًا يومًا، كيف يمكن أن يكون ضحية لهذا العنف؟" في بلد يُعرف بالأمان، هزّت هذه الجريمة الجميع، وطرحت تساؤلات مؤلمة: كيف يمكن لشخص ذهب فقط ليتعلم اللغة، أن يعود إلى منزله في كفن؟ في "بيتا غورميه"، حيث كان الطعام يعني الحب، لم تعد المائدة كما كانت. البيتزا الحزينة أصبحت أكثر حزنًا، والفرن الذي كان ينبض بالحياة، أطفأه الفقدان.