عند الحديث عن الصور الإعلامية النمطية، تظهر السويد كنقطة محورية في المناقشات حول النموذج الذي يجب على العالم أن يحذوه. لكن يبدو أنّ هذه الصورة قد بدأت تتغيّر مؤخراً، وليس السبب فقط الأعمال التي تثير حنق المسلمين والتي تحظى بتغطية إعلامية مكثّفة، بل أيضاً بسبب تعاظم دور اليمين المتطرّف، سواء داخل السويد أو خارجها. من هنا كان حديثنا مع البروفسورة تينا أسكانيوس Tina Askanius لمعرفة المزيد عن موضوع تغيّر صورة السويد في أعين اليمين. تينا هي باحثة في علوم الإعلام والاتصال في جامعة مالمو، قامت خلال فترة عملها كباحثة في برنامج فولبرايت Fulbright في واشنطن بدراسة صورة السويد بين مجتمعات اليمين المتطرف الأمريكي، ولهذا فقد كانت أسئلتنا وأجوبتها مقتصرة على هذا الجانب من الموضوع.البروفسورة تينا أسكانيوس Tina Askaniusمن "قلّدوها" إلى "احذروا أن تصبحوا مثلها"!بعد أن شغلت السويد لسنوات مركز حسد في الخيال الجمعي لدى الكثير من الشعوب، تتغيّر هذه النظرة اليوم. تقول أسكانيوس: "تمّ تصوير السويد تاريخياً بصورة إيجابية جدّاً، وتمّ تمجيدها بمصطلحات مبالغ فيها على أنّها مجتمع نموذجي ودولة رفاه حديثة ذات أداءٍ رفيع". لكنّ هذه النظرة بدأت تدخل عدسات نقدية أدق، خاصة خلال أزمة اللاجئين 2015-2016.توضّح تينا بأنّ التيّار اليميني، وخاصة الفصائل اليمينية الأمريكية، يصوّر السويد بأنّها "جنّة ضائعة": مجتمع مثالي سابق تحوّل إلى "جحيم متعدد الثقافات". لكن بالرغم من ذلك فهناك انتقائية من قبل اليمين في الاستشهاد في السويد، فعندما يتمّ الحديث عن الوباء، تتحوّل السويد في سردهم فجأة إلى "مصباح أمل ومدافعة عن الحقوق والحريات الفردية".الإعلام الرقميفي هذا العصر الذي يسيطر عليه الإعلام الرقمي الموجّه بشكل كبير سياسياً، توضّح تينا كي يصبح من السهل «تأثير الرواية من الجانب الأكثر تطرفاً من الإعلام الهامشي إلى الإعلام الرئيسي الرقمي». كما أضافت عن الولايات المتحدة بأنّ "الذين يستهلكون الأخبار في المقام الأول من خلال قنوات مثل فوكس أو مواقع مثل بريتبارت يتعرضون لفكرة مشوهة للغاية عن السويد"، حيث يتم تصوير البلاد غالباً على أنها على شفا الانهيار، وتتصارع مع تداعيات سياسات التعددية الثقافية والهجرة والمساواة بين الجنسين.كما يساهم في تشكيل صورة السويد من خارج وسائل الإعلام الرئيسية، بل يساهم به بشكل كبير: "المؤثرون" و"البلوغرز" السويديون. شاركتنا تينا مفاجأتها من عدد المؤثرين السويديين الذين يدفعون الرواية السائدة في الولايات المتحدة… "هؤلاء الأفراد، الذين غالباً ما يعملون خارج نطاق وسائل الإعلام الرئيسية، يستمرون بشكل دائم بتقديم روايتهم للأزمة السويدية، ويتصرفون كأنّهم خبراء ومحللين سياسيين على مختلف القنوات والبودكاست".التطرف: مرآة الأيديولوجيات المتناقضةعندما ننظر إلى صورة السويد لدى اليمين المتطرّف الأمريكي، ثمّ ننظر إلى صورة السويد لدى المتطرفين الإسلاميين في الشرق الأوسط، يذهلنا كمّ التشابه الكبير في تطابق الصورة رغم الإيديولوجيات المتعارضة! تشير أسكانيوس إلى أن المعتقدات المتطرفة العابرة للإيديولوجيات المختلفة تميل إلى تشكيل الروايات بشكل متقارب ومتماثل أحياناً. هذا التفاعل المعقد بين الإيديولوجيات المتضاربة يجعل صورة السويد حول العالم متضاربة بدورها.في الختام، تُظهر هذه المحادثة مع تينا أسكانيوس صورة حيّة للسويد. معظم من أتى إلى السويد منذ سنوات، كان يتخيّل الكثير من الأشياء المختلفة، سواء أكان ذلك التخيّل أفضل أم أسوأ. لكنّ الصورة الحقيقة لا تجد لها مكان في عدسة الإعلام القوي القادر على تشكيل الصورة الخيالية، والأسطورية بعض الأحيان، للسويد الواقعية.