منصّة «أكتر» السويد
قبل المجيء إلى السويد، لطالما ظننت أنّ كلّ ما سأصادفه هو الظلام، والبرد. وأنّ عليّ كي أمتّع نفسي في الطبيعة أن أمضي لرؤية أنوار الشمال. لكن بعد ذلك بات للسويد معنى آخر لدي أبعد من الظلمة والبرد.
آخر الأخبار
سكنتُ لفترة بالقرب من قرية سميغهوك Smygehuk التابعة لسكونه، والمعروفة أيضاً بكونها أقصى نقطة في جنوب-غربي السويد، وكامل شبه الجزيرة الإسكندنافية (النقطة 55° 20' N).
شهدت بداية الربيع، وبدأت أرى بأنّني محاط بأرض خضراء، وبشاطئ مذهل، وبشمسٍ تدفئ العظام.
لا يمكن بالتأكيد مقارنة الشاطئ والشمس بالموجودين في منطقة المتوسط حيث تعود جذوري، ولكنني تعلمت الاستمتاع بالشاطئ والشمس هنا بشكل مختلف. الذهاب في جولة على الأقدام، أو ركوب الدراجة، والاستلقاء تحت الشمس مع كأس من الشاي أو القهوة.
أمام التمثال
في ربيع وصيف سميغهوك عليك أن تترك نفسك على سجيتها أمام رذاذ البحر المالح ليلطم وجنتيك، وتجففه شمس الشمال، أثناء النظر إلى الأفق دون حدود لمخيلتك.
لكن في الشتاء أيضاً يصبح المكان عملاً فنياً، يتحدث عن الزحف الأسطوري للثلج والجليد، في صراع سنوي بين الدفء والبرد.
في ميناء سميغهوك تقف امرأة عارية، تفتح ذراعيها لعناق الأفق. إنّها جدّة الممثلة الأمريكية الشهيرة «أوما ثورمان Uma Thurman». تقف هناك منذ 1930، بعد أن نحتها الفنان Axel Ebbe.
إلى مالمو
لا يجب أن تفكر في جنوب السويد ولا تخطر لك مالمو، فهي واحدة من أهم المدن السويدية. زر مالمو ولو لمرّة واحدة حتّى لو كنت تسكن في السويد في مدينة أخرى، فلمالمو طعم مختلف عن بقية السويد.
مضيت إلى محطة قطارات تريلبوري Trelleborg لأخذ القطار إلى مالمو.
كانت تلك المرة الأولى لي التي أزور فيها مالمو (قررت الاستقرار فيها فيما بعد)، وكان أصدقائي قد أشاروا إليّ بالذهاب لمشاهدة ناطحة السحاب التي صممها المهندس المعماري الإسباني سانتياغو كالترافا (turning torso) أو الجذع الملتوي.
ناطحة السحاب التي تمّ افتتاحها في 2005، تمّ بناؤها من مواد منتجة محلياً بطاقة متجددة.
بعدها زرت بالتأكيد جسر أورسند الذي يصل السويد بالدنمارك، لأعلم بأنّه أطول جسر سيارات في جميع أنحاء أوروبا. عندما مضيت هناك كان ببالي الدراما الدنماركية التي تحمل الاسم ذاته، ولكن ما أن وصلت، حتّى بدا لي بأنّ المكان أكبر وأجمل من أن تختصره دراما.
دون كيشوت السويدي
كان هناك شيء زرته في مالمو لم ينصحني به أحد من رفاقي، واكتشفته صدفة أثناء تصفح الأماكن في المدينة: Slottsträdgården أو حديقة القلعة.
الحديقة جميلة جداً، ويمكنك إطعام بطاتها دون لافتات تمنعك من ذلك كما في الكثير من مدن العالم، وأزهارها الملونة الكثيفة. لكن ما جذبني حقيقة في الحقيقة هو الطاحونة القديمة.
منذ كنتَ طفلاً وأنا أحضر على التلفاز مسلسل كرتون دون كيشوت، وأتخيّل بأنني أقف أمام طاحونة هواء تتحوّل إلى غول. لم أتمكن من منع نفسي من استذكار دون كيشوت وأنا أقف أمام الطاحونة في الحديقة.
عدت بعدها إلى الريف لأقضي الخريف، وأشاهد الأوراق الصفراء الحقيقية، مقتنعاً بأنّ السويد ليست مجرّد بلد الظلام والبرد.