مجتمع

السويد وألمانيا بلدان للهجرة.. فلماذا مواليد ألمانيا مرتفعة والسويد تعاني؟

السويد وألمانيا بلدان للهجرة.. فلماذا مواليد ألمانيا مرتفعة والسويد تعاني؟ image

عروة درويش

أخر تحديث

Aa

ولادة السويد

Ali Lorestani/TT

يولد في المتوسط ​​1.5 طفل لكل امرأة في السويد سنوياً. ووفقاً لكريستوفر أورشتاديس Kristoffer Örstadius، لم تسجل هيئة الإحصاء السويدية مثل هذه المستويات المنخفضة من قبل. ,ويجب أن نعلم بأنّ معدل الإنجاب اللازم، وفقاً لهيئة الإحصاء السويدية SCB، ليكون عدد السكان في مستوى مستقر، دون حساب الهجرة، هو 2.1 طفل لكل امرأة سنوياً. لكن السؤال الهام هنا: لماذا هذا المعدل المنخفض للولادات في السويد؟ ولماذا الوضع مختلف في ألمانيا عن السويد؟

وصلت المشكلة في بعض البلديات إلى إغلاق المدرسة الابتدائية لعدم وجود أطفال يذهبون إليها! ولا يبدو الوضع أفضل في المدن الأكبر، مثل أوبسالا! المشكلة أكبر من مجرّد إغلاق المدارس، فنحن نتحدث هنا عن تجريف سكاني ستعاني منه السويد مستقبلاً أيضاً.

الاقتصاد هو الأساس

هناك الكثير من الدراسات التي تربط الإنجاب بالحالة الاقتصادية للأسرة وللأم، لكن يقول كريستوفر أورشتاديس Kristoffer Örstadius بأنّ هناك عوامل اجتماعية أخرى مهمّة أيضاً تساهم في زيادة ونقصان الإنجاب في مجتمعٍ ما، وهي السياسة الأسرية، وسهولة الحصول على وسائل منع الحمل ذات الفاعلية المرتفعة.

لنعد إلى السبب الأكثر توافقاً حول العالم: الظروف الاقتصادية. انعكست هذه الصيحة بالفعل في النصف الثاني من التسعينيات في السويد، وذلك بالتزامن مع التقشف التالي للركود الاقتصادي الذي أدّى إلى تقليص فرص الأشخاص في الحصول على عمل، أو عمل جيّد. الأمر الآخر أنّه بداية من عام 2010 تقريباً هناك انخفاض في عدد المواليد في السويد، وهو ما مكن فهمه كاستجابة للأزمة المالية العالمية التي بدأت في نهاية 2007 وبداية 2008.

لكن يقول البعض بأنّ أزمة 2008 لم تترك أثراً على السويد مثلما فعلت في بقيّة أنحاء العالم، ولهذا فمن غير المبرر ما يحدث في السويد منذ 2010. يلاحظ البروفسور من جامعة ستوكهولم، غونار أندرسون (وهو الذي تواصلت معه من أجل معرفة مدى تأثير المهاجرين في الديمغرافيا والإنجاب السويدي)، هذه الصيحة، وقد أطلق مشروعاً من أجل دراسة هذه الظاهرة مؤخراً. 

أفضل من بقيّة أوروبا

السويد ليست وحدها في مسألة معدلات الإنجاب، بل في الحقيقة هي أفضل من العديد من البلدان الأخرى في أوروبا. تتمتّع السويد وبقية دول الشمال بمعدل مواليد أعلى من العديد من البلدان الأخرى في أوروبا. وعادة ما تكون معدلات الخصوبة أقل بكثير في جنوب وشرق أوروبا. 

أحد التفسيرات التي يتمّ إعطائها في الأبحاث عادة هو المستوى الأقل لرعاية الأطفال وسياسات الأسرة في هذه الدول، ما يدفع النساء إلى أن يجبرن على الاختيار بين المشاركة في الحياة العملية أو إنجاب الأطفال.

في الحقيقة، لا يوجد أي بلد في الاتحاد الأوروبي يتجاوز مستوى الإنجاب فيه 2.1 طفل لكل امرأة. ولهذا فالأماكن التي يتزايد فيها عدد السكان يعود إلى عاملين: المهاجرين، وزيادة متوسط العمر المتوقع. يعني هذا أنّ السويد ليست وحدها من تعاني من مشكلة تراجع الولادات.

Foto: Martina Holmberg / TT

لماذا ألمانيا غير؟

مع ذلك، فإن الاتجاه نحو انخفاض معدلات المواليد لا ينطبق على كلّ البلدان. سجلت ألمانيا والنمسا مستويات أعلى اليوم مما كانتا عليه قبل 15 عاماً. وفي الاتحاد الأوروبي ككل، بقي متوسط ​​معدل المواليد في الاتحاد الأوربي دون تغيير إلى حد كبير.

عند المقارنة السطحية بين الحوافز الأسرية، والرعاية الاجتماعية، والأشياء المباشرة المتعلقة بالأسرة، لا يمكننا أن نلاحظ فروقاً كبيرة بين المطبّق في ألمانيا والسويد.

الأمر الآخر الهام الذي يجب علينا أن ننتبه له هو ما أشار إليه بحثٌ عن الخصوبة للسوسيال، جاء فيه بأنّه لا يوجد أيّ مجموعة اجتماعية محددة هي التي تحتلّ هذه الصيحة. فالانخفاض في معدّل الولادات يمكن ملاحظته بين ذوي الدخل المنخفض والمرتفع، وكذلك المتعلمين تعليماً متدنياً وعالياً، وربّما الأهم: المولودين في الخارج وكذلك المولودين محلياً، وبين سكان المناطق الحضرية والريفية!

يحاول البروفسور غونار أندرسون Gunnar Andersson وصوفي أولسون فيك Sofi Ohlsson-Wijk في بحثٍ لهما، أن يتتبعا الصيحة الخاصة بالسويد فيما يخصّ إنجاب الأطفال، ليظهر لهما بأنّ السويد، أكثر من غيرها من بقيّة البلدان، تترابط فيها معدلات الإنجاب مع الدعم الأسري والبطالة، فكلما زادت البطالة أو العمل غير المجدي، ونقص الدعم الأسري أو تعقّد، قلّ الإنجاب، والعكس صحيح.

كما يقترح البحث ذاته سبباً للانخفاض هو النساء اللاتي يؤجلن أو يمتنعن عن تربية طفلهن الأول. وأيضاً يميل الأشخاص الذين لديهم وجود ضعيف في سوق العمل إلى احتمال إنجاب الأطفال بشكل أقل. يعيدنا هذا من جديد إلى الشروط الاقتصادية.

الخصوبة والمخاوف

أظهر تقرير الخصوبة الدوري الصادر عن السوسيال في 2017 ارتفاع متوسط ​​عمر النساء اللواتي يصبحن أمهات لأول مرة في السويد بشكل ملحوظ. ارتفع متوسط ​​العمر من 24 إلى 29 سنة بين عامي 1970 و2004. وبعد ذلك، ظل متوسط ​​العمر مستقراً نسبياً لمدة عقد من الزمن قبل أن يخطو خطوة أخرى تصل إلى 30 عاماً. وربما يرجع هذا التطور إلى حقيقة ذكرها التقرير، وهي أنّ العديد من النساء اليوم يرغبن في إكمال دراستهن وتأسيس أنفسهن في سوق العمل قبل إنجاب طفلهن الأول. وقد زادت نسبة النساء اللاتي يواصلن دراستهن في الكليات والجامعات بشكل حاد في العقود الأخيرة.

وقد أظهرت دراسة عن جامعة يوتوبوري بأنّه بات من الشائع جداً اليوم في السويد أن تلد النساء بعد سنّ الأربعين. لكنّ الدراسة ذاتها أظهرت حقيقة يجب أخذها في الحسبان. النساء يستخدمن اليوم وسائل منع فعالة من أجل عدم الإنجاب، وعندما يقررن الإنجاب ويتوقفن عن استخدام وسائل الحمل هذه، يصبح من الصعب عليهن الحمل! إنّه ما يمكن أن نسميه بحسب المثل العربي القديم: "فاتهم الوقت" بسبب أنّ أجسادهن لم يعد بإمكانها أن تحبل.

وإذا ما أردنا تطبيق هذا على نطاق أوسع، للانتقال من الحالات الفردية إلى الاجتماعية، سيعني هذا بأنّ عدد الأطفال الذين يولدون هم أقل لأنّ هؤلاء النسوة إمّا غير قادرات على الحمل، أو أنّهن يحملن عدداً أقل من الأطفال من الذين يرغبون به.

المهاجرات يلدن أكثر من المحليات

يظهر تقريرٌ منشور في صحيفة DN بأنّ التغيّر الديمغرافي في السويد فيما يخصّ المهاجرين لم يزد كثيراً من عدد الولادات. فرغم أنّ المهاجرات يلدن أكثر ممّا تلد النساء المحليات، فالفارق بين الفئتين ليس كبيراً كفاية ليحدث الفرق.

سنخصص في "أكتر" مقالاً خاصاً بهذه التفصيلة شديدة الأهمية بالنسبة لقراءنا، في محاولة منّا لمعرفة السبب الحقيقي، ولذلك تواصلنا مع عددٍ من الباحثين الذين نناقش الموضوع معهم أثناء تحضير المادة. لكن في الوقت الحالي، ليس أمامنا إلّا الاكتفاء بالواقع الذي يقول بأنّ عدد المهاجرين في السويد لم يزد الولادات كثيراً، وهو الأمر الذي ربّما لا ينطبق ذاته على ألمانيا.

تحاول دراسة أجرتها Gerda Neyer ومجموعة من الباحثين كشف السبب، ويبدو أنّ المصبّ نفسه: الأوضاع الاقتصادية، والخوف من الحرب، وسوق الإسكان…الخ.

في الختام…

لا يحتاج الخروج بنتائج الكثير من التبصّر. فالدراسات والأبحاث واضحة:

أولاً، يجب دراسة الحالة الألمانية عن قرب بشكل أكبر، والبحث عن السبب الذي جعل نسبة المواليد أعلى.

ثانياً، وكما بات واضحاً، يجب خلق استقرارٍ في سوق العمل، وفي المساعدات الأسرية. فكما بات واضحاً أيضاً في دراسة غونارسون وزملائه، فالعوائل في السويد بشكل فريد عن بقيّة الدول، يتأثرون بسرعة بالتغيرات بهذه العوامل.

ثالثاً، إيجاد حلّ لتشجيع النساء اللواتي يردن الإنجاب، ولكن يتأخرن في ذلك، على الإنجاب بشكل مبكر أكثر.

في الحقيقة، إنّ انخفاض معدل الولادات في بلدٍ استقبل مهاجرين بشكل كبير نسبياً، يجب أن يدقّ ناقوس الخطر لدى الحكومة والمؤسسات أكثر من الكثير من القضايا الإعلامية التي نستمع إليها اليوم… المجتمع الذي لا ينجب ما يكفي تجدده، يصبح أثقل وتظهر لديه مشاكل أكبر من أن يتمّ احتواؤها.

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مجتمع

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©