عصام، طبيب فلسطيني-سوري الأصل جاء إلى السويد في 2015. يعتمد في حياته على مبدأ المسالمة، الأمر الذي أوصله إلى نجاحات شخصية كبيرة، وإلى تصالح مع محيطه ومدرائه في العمل لدرجة أنّه حرصاً على عدم إزعاجهم أو إزعاج مرضاه فضّل عدم نشر كنيته وصورته، الأمر الغريب عليّ بالنسبة لشخص ناجح لا مشاكل لديه.رحلة الطبيب المهاجر الطويلة في السويدبعد رحلة امتدت للعراق ثمّ الخليج انتهى به المطاف هنا في مقاطعة كالمر. كانت لغة عصام الإنكليزية قويّة، واستفاد منها بنشاط أوّل وصوله إلى الكامب، الأمر الذي دفع السويديين ليقترحوا عليه السعي لتعديل شهادته والعمل في المجال الطبي وفعلاً بدأ التحرّك ولم يمضِ على وجوده في السويد سوى أسبوعين.لكن لم تبدأ أموره بالسير بشكل أفضل إلّا في 2017 عندما تمكن من التسجيل في برنامج للأطباء الأجانب في كالمر Kalmar، والذي يشرف عليه طبيب من أصل برازيلي يدعى جيمس. يقول عصام: «للدكتور جيمس فضل على الكثير من الأطباء الأجانب في كالمار ومنهم 12 طبيب عربي، فقد كان يتحمّل بشكل شخصي مسؤولية تعليمهم وإدماجهم في نظام الطبابة السويدي».استمرّ بالسعي لتعديل شهادته فنجح في 2018 في الامتحان النظري، وانتظر عاماً كاملاً لأسباب إدارية ليجري الامتحان العملي في 2019. يزاول اليوم المهنة كطبيب عام وهو مسجّل في برنامج الاختصاص. يعتبر عصام نفسه طبيباً ناجحاً فيقول: «الكثيرون هنا يثقون بي من المهاجرين والسويديين، بل لديّ مرضى سويديين يرفضون مراجعة أطباء سويديين ويختارونني. الحقيقة أنّ السويديين يشكلون أكثر من 90٪ من مرضاي».لا تتضايقوا شخصياً فهو تنمرّ غير مقصود!بالنسبة لعصام، الوسيلة المثلى للتعامل مع محيطه الجديد هي في عدم الاصطدام به، فحتى لو كان لديه وجهات نظر مخالفة، يميل إلى عرضها بشكل ناعم أو عدم عرضها إن لم يلزم الأمر. جزء من هذا النهج هو أخذ إذن "الخيفه" في أيّ شيء يقوم به، بما في ذلك إجراء مقابلة صحفية معنا، حتّى لا يترك مجالاً للارتياب بسلوكه.كما ينصح بعدم الإصغاء للمزعجين. عندما سألته عمّن يقصد بالمزعجين قال: «جميع الناس لديهم جانب متنمّر في حياتهم، وقد يقوم البعض كمثال بالهزء من لهجتك في البداية. لكن حتّى هؤلاء فهم لا يهزئون منك شخصياً بقدر ما يقومون بأمر طبيعي لا يجب التدقيق عليه لأنّه ليس أكثر من تنمّر غير مقصود».كيف تصبح الشخصية المسالمة عامّة؟إنّ شخصية عصام "المُسالمة" معززة بسماته الخاصة الشخصية، فكيف يمكن الاستفادة منها بغض النظر عن سماتنا الشخصية؟يقول أنّ هذا ممكن عند الالتزام بأساسيات مثل أنّ من حقك أن تكون مختلفاً عن المحيط سواء في عاداتك أو تدينك ...الخ، ولكن ليس من حقك أن تفرض على الآخرين قناعاتك. من هنا تصبح عادتك أن تتجنّب الصدام في المسائل الخلافية مع الآخرين، وأن تجد طرقاً أخرى للحديث.طلبتُ منه أن يعطيني مثالاً عن المسائل الخلافية التي واجهته غير الدين والعادات، فقال: «في إحدى النقاشات مع الزملاء السويديين عن البشت الذي ألبسوه لميسي في تتويج كأس العالم، كان من الصعب وهم الذين يتمّ حشوهم إعلامياً أن أغيّر نظرتهم بالمنطق المباشر، فعمدت إلى الأمر الذي يهتمون به بشكل كبير: القيمة المالية، وشرحتُ لهم أنّ ثمنه هائل ومصنوع من الذهب والحرير ولهذا هو تكريم لميسي، فتجاوبوا معي وبدؤوا ينظرون للأمر من زاوية أخرى».اهضموا الثقافة لا تتقيؤوها!يرى عصام أنّ: «على الإنسان أن يهضم الثقافات لا أن يتصادم معها، فإذا أردتُ أن أستعير مثالاً طبياً، فالثقافة التي لا تستطيع هضمها والتعايش معها والاستفادة منها سيكون عليك تقيؤها والشعور بالإعياء بسببها».يوافق عصام على أنّ بعض معايير التعامل بين السويديين والمهاجرين ليست واحدة، ولكنّه يبررها. يقول: "عندما لا يحترم أحدنا الوقت ويقول هم أيضاً لا يحترمون الوقت، عليه أن يدرك أنّ المطلوب منه أكثر بكثير من المطلوب منهم، لأنّ أبناء البلد الأصليين وهذا يشفع لهم... من وجهة نظرهم على الأقل... هذا هو الواقع».ربّما النهاية الأنسب للمقال هو ردّ عصام على استغرابي من عدم رغبته بنشر كنيته وصورته رغم كونه ناجح ولا مشاكل لديه ليخشى منها. «الخيفه مقتنعة بأنّ هذا هو الأفضل... واللي ما بيجي معك تعا معو».