بطرق واستراتيجيات قد تستمر لشهور، يتظاهر بحب الضحية، يحاول عزلها من المقربين منها، يعمل على تطوير العلاقة العاطفية، هذا هو أسلوب "الفتى العاشق" لجذب الفتيات إلى عالم الدعارة في أوروبا.يستغل "الفتى العاشق" ضعف لغة المهاجرات الأجنبيات أو هجرتهنّ غير القانونية واستدراجهنّ إلى العمل في الدعارة، ويعتمد على ابتزاز ضحيته جنسياً بتهديدها بنشر فيديوهاتها الجنسية على مواقع التواصل الاجتماعي وإرسالها إلى معارفها.تقول "أمينة"، الشابة العربية البالغة من العمر 25 سنة وواحدة من ضحايا "الفتى العاشق": "بدأت علاقتي به على فيسبوك، كنت حينها أبلغ 19 سنة، كان مهتماً بالتعرف عليّ، وكان يسأل عني باستمرار، كنت أحكي له عن مشكلات العائلية بسبب انفصال والدَي"، والتقت أمينة مع "العاشق" بعد ستة أشهر من علاقتهما على فيسبوك، قائلة: "عندما جاء من إيطاليا لزيارتي، شعرت بأنه مرغوب بي وبأن هناك شخصاً يهتم بي حقاً. كان يتحدث عن المستقبل وأنه سيعوضني عن كل المشكلات العائلية التي أعيشها، وأنه عندما نتزوج ونعيش في إيطاليا سيدعمني لتحقيق أحلامي".لم تتوقع أمينة أن تنتهي قصة حبها في بيت للدعارة في إيطاليا، معلّقة: "تغيرت معاملته لي مجرد وصولنا إلى إيطاليا، أجبرني على ممارسة الدعارة، كان يتعامل معي كأنني دمية ويأخذ كل ما أجنيه"، وبعد قضاء سنة في بيت الدعارة، تمكنت أمينة من الهرب بمساعدة أحد أقربائها.استغلًت ميريل فان غرونينغن التي كانت أحد ضحايا "الفتى العاشق" ذات يوم، تجربتها لمساعدة الضحايا وتوجيههم في السيطرة على حياتهم من جديد، حيث كتبت عدداً من الكتب حول تجاربها، كما أسست "مؤسسة فان غرونينغن" في هولندا عام 2020 لتدريب خبراء التوعية ضد الجرائم والاستغلال الجنسيين، كما تعمل ميريل على إصدار كتاب عن مساعدة الفتيات في استعادة حياتهنّ وتجاوز دور الضحية.وفيما يخص مساعدة الفتيات العربيات من ضحايا "الفتى العاشق"، تقول فان غرونينغن: "إنهنّ بحاجة إلى عملية توعية كاملة ليصبحن أكثر مرونة، ولكن قبل كل شيء، تحتاج النساء إلى معرفة أين يمكن أن يتوجهنّ لطلب المساعدة عندما تسوء الأمور ويتعرضنّ للاستغلال الجنسي".وفي سياق متصل، حذر خبراء مجلس أوروبا لمكافحة الإتجار بالبشر، أن الاتصال مع الضحايا من خلال منصات التواصل الاجتماعي يزداد، وأن المراهقات والشابات معرضات للاحتيال باسم الحب من "الفتى العاشق" للزج بهنّ في عالم الدعارة.هذا وازدادت حالات الاتجار بالبشر المسجلة في ألمانيا في السنوات الأخيرة بحسب فريق خبراء أوروبيين، وقد سُجلت 671 حالة حسب تقارير مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية في ألمانيا.وفي دراسة حديثة لمنظمة "أسسيم ACCEM" الإسبانية في مدينة قرطاجة، والتي تحمل عنوان "نهج الاتجار والاستغلال الجنسي في قرطاجة"، فقد تم مساعدة 211 شخصاً من مختلف الجنسيات منذ بداية الوباء عن طريق برنامج رعاية ودعم ضحايا الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي. وتقول الدراسة: "إن غالبية ضحايا الاتجار بالبشر في المنطقة هنّ من النساء المهاجرات الشابات اللواتي لا تتجاوز أعمارهنّ 36 سنة، ويكنّ في وضع غير نظامي"، وأن جنسيات الضحايا من 23 جنسية مختلفة، غالبيتها لدول المغرب العربي وكولومبيا والإكوادور وباراغواي.ونشرت الصحف الإيطالية عام 2019، خبراً عن اعتقال أعضاء شبكة اتجار بالبشر الذين يستدرجون الشابات من بلدان عربية للزواج من رجال إيطاليين ثم دفعهن للعمل في الدعارة، بعد بلاغ لأحد أقارب واحدة من الضحايا.يقول رشيد المناصفي، الباحث في مجال علم الإجرام والتحليل النفسي في السويد: "يتم الاستدراج عبر شخص بمفرده أو عبر شبكة من الأصدقاء، كما أن هناك مافيات منظمة لديها خبرة في كيفية استقطاب الضحايا، وكل هذه الطرق تتطلب التخطيط، مثل استقطابهنّ عبر عروض للعمل كمربيات للأطفال، أو العمل في النظافة أو دار العجزة، أو عبر إغرائهنّ بالزواج والسفر إلى أوروبا".ويتابع: "المجرمين يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك و إنستغرام ومواقع المواعدة والزواج لاستقطاب الضحايا"، موضحاً: "هناك مَن يتم تصويرهنّ في وضعيات حميمية وثم يتم ابتزازهنّ، ومطالبتهنّ بضرورة السفر للانضمام إليهم وهم مَن يدبرون طريقة خروجهن من البلد، وهن يخضعن لذلك خوفاً من نشر صورهنّ وفيديوهاتهنّ. إن استدراج الضحايا يُعدّ جريمة والاتّجار بالبشر يعاقب عليه القانون الدولي".ويضيف رشيد: "غالبية الحالات التي تعاملت معها عانت من العنف، وهناك تداعيات صحية على جسد الضحية ونفسيتها، ومن الممكن أن تُصاب بأمراض مزمنة وأيضاً باكتئاب حاد، وهناك من انتحرن بسبب تعرضهن للاستغلال وأيضاً من يلجأن إلى تعاطي المخدرات للهروب من الواقع ونسيان معاناتهنّ". وأضاف "هؤلاء المجرمون الذين يتاجرون بالنساء يستغلون فقرهنّ وحاجتهنّ، لهذا ينبغي أن نعمل على توعية العائلات ومن بعدها ننتقل إلى المجتمع والمدرسة، وعلى الحكومات تحمل مسؤوليتها لحماية هؤلاء النساء".يشير الباحث إلى أنه "من الصعب إنقاذ الضحايا، بخاصة إذا أصبحن مدمنات على المخدرات، إلا في حال نقلهنّ إلى بلدانهنّ وتوفير العلاج النفسي من الإدمان وما تعرضنّ له من استغلال جنسي". ملفتاً إلى أنه "ينبغي تشجيع الحوار المفتوح داخل الأسر العربية وخلق الثقة بين الآباء والأبناء. وينبغي اعتماد التربية الجنسية الصحيحة وتوعية الشابات، ويجب على العائلات مراقبة سلوك بناتها، كما من الضروري إطلاق حملات تحسيسية والتوعية في المدارس والجامعات والتدخل السريع لرجال الأمن في حال التبليغ عن هذا النوع من الجرائم. نحتاج إلى ندوات لتقوية الوعي عند النساء، والعائلات ينبغي أن تناقش هذا النوع من المواضيع، ويجب على رجال السياسة المساهمة في خلق فرص عمل لتمكين النساء من تحقيق الاستقلالية الاقتصادية، وضرورة توعية الشابات بعدم الخضوع للابتزاز والتبليغ عنه، كما يجب عدم قبول صداقات من أشخاص غير معروفين منهن".