مقالات الرأي

الفجوة بين الأجيال: ما أسبابها؟ ولماذا تتفاقم

Aa

الفجوة بين الأجيال: ما أسبابها؟ ولماذا تتفاقم

الفجوة بين الأجيال: ما أسبابها؟ ولماذا تتفاقم

 حسام عامود/ حاصل على شهادة في الإرشاد الاجتماعي الأسري

إن التغير الاجتماعي والصراع بين الأجيال من أهم القضايا الشائكة التي ذاع صيتها في الآونة الأخيرة، خاصة بعد التحولات التي طرأت على المجتمع منها الانفتاح الاقتصادي و ما صاحبه من تطور تكنولوجي وإعلامي و الذي زاد من تعمق الهوة بين جيل محافظ متمسك بثقافته و عاداته وتقاليده القديمة، وبين جيل نشأ في ظروف حياتية مختلفة مكسوة بغطاء ثقافي و تواصلي منفتح على باقي العوالم مما أدى إلى تصادم بين الجيلين أي جيل الآباء وجيل الأبناء.

هذا التصادم الاجتماعي بين الآباء والأبناء هي مشكلة هذه الأيام في معظم المجتمعات، الآباء غاضبون من أبنائهم والأبناء غاضبون من آبائهم ويحدث هذا التصادم والاختلاف بالآراء، لكن الواقع الذي يعيشه أبناء القرن الحادي والعشرين في المجتمع يختلف عن الواقع الذي عرفه آباؤهم وأجدادهم، وهذا الاختلاف في الواقع اليومي قد يخلق نوعاً من المواجهة بين الأجيال.

وقد أكدت بعض الدراسات الاجتماعية، أن الفجوة العمرية أكثر الفجوات التي تؤثر في العلاقة بين الآباء والأبناء.

بقدر ما يتسع ويبتعد الزمن الذي عاش فيه الآباء عن زمن الأبناء كلما زادت هذه الفجوة واتسعت.

أي لكل زمان عاداته وتقاليده وأفكاره، والتي تختلف كلياً وجزئياً عن أي زمان، وبالتالي تضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي واللغوي.

وتشير هذه الدراسات إلى أن الاختلاف الكبير في الأعمار بين الآباء والأبناء يؤدي إلى تباعد التقارب في الثقافات والعادات والتقاليد وأيضاً الأفكار، بسبب العصر الحديث بين الجيلين ما ساعد على بروز أكبر لمشكلة الفجوة بينهم.(1)

أي أن هذا الصراع ينطوي على تناقض الآراء وتنافر التصرفات بين الجيلين.

 هذا الاختلاف يكون منطقياً وطبيعياً ضمن سياق التطور الاجتماعي شرط أن لا يتحول هذا الخلاف إلى صراع وتنافر يباعد المسافات الجيلية بين الآباء و الأبناء داخل الأسرة التي تعد البنية والخلية الأساسية لبناء المجتمع و إذا حدث أي شرخ داخلها ستحدث بدورها شرخاً كبيراً في المجتمع.

وبحسب علماء التربية والاجتماع إن هذا الاختلاف في الرأي بين جيلين (جيل الشباب - جيل الكبار) يؤدي إلى اضطراب العلاقة بين الآباء والأبناء وتأزمها فالأبناء يتهمون الأهل بأنهم متأخرون عن ايقاع العصر ويصفونهم بالمتزمتين والمتشددين، بينما الآباء يتهمون الأبناء بأنهم لا يحترمون القيم، ولا العادات، ولا التقاليد وهم قليلو الخبرة ولا يحترمون آراء وخبرة الكبار.

وفي عصرنا الحاضر، نتيجةً للتغيرات الكثيرة التي طرأت، خاصة في مجال التطوّر التكنولوجي، الأمر الذي أدّى إلى توسيع الفجوة بين الأبناء والأهل وإن أغلب الآباء يكون محافظاً ومتمسكاً بالجذور والقيم القديمة التي نشأ عليها. جيل الأبناء نشأ في ظل تطور اجتماعي وثقافي واسع، الأمر الذي جعله يعترض على التقاليد التي تنتمي إلى التراث القديم حيث تختلف رؤية كل جيل عن رؤية الجيل الآخر.

كما لاحظ العالم الاجتماعي " كارل مانهايم" أن اختلافات الأجيال تكون في انتقالهم من مرحلة الشباب إلى مرحلة البلوغ، وقد درس علماء الاجتماع الطرق التي تفرق الأجيال عن بعضها البعض ليس فقط في المنزل بل في المناسبات الاجتماعية أو في الأماكن الاجتماعية (كالنوادي، ويقصد أيضاً "مراكز لكبار السن" و "مراكز للشباب"). وظهرت النظرية الاجتماعية للفجوة بين الأجيال في عام 1960 عندما بدأ الجيل الجديد (المعروف لاحقاً بفترة طفرة المواليد) بمعارضة جميع معتقدات آبائهم السابقة من حيث الموسيقى و القيم و الآراء الحكومية والسياسية، وقد أشار علماء الاجتماع اليوم إلى "الفجوة بين الأجيال" بالتفرقة الناتجة عن عمر الشخص، فقسّم علماء الاجتماع فترة الحياة إلى ثلاثة مستويات: الطفولة ومنتصف العمر وسن التقاعد، وعادة عندما تمارس الفئات العمرية أي من هذه النشاطات الرئيسية، ينعزل كل جيل جسدياً عن الجيل الآخر مع التفاعل القليل بسبب الحواجز العمرية باستثناء الأسر النووية.(2)

كيف يبدأ هذا التصادم او الاختلاف؟

1.    التنشئة الاجتماعية السلبية التي خضع لها الزوجان؛ أي الأم والأب منذ الصغر والتي تكرس القيم والعادات الاجتماعية دون إبداء أي رأي أو حوار بين الآباء والأبناء، وهي السمع والطاعة فما نسبته 70 % من الأسر جعل الزوجين ينهجان هذا النهج مع أولادهما مثل فرض قرارات دون مناقشة الأولاد أو أسلوب الأب المتسلط والولد المرضي.

2.    ضغوطات العمل والمتطلبات الأسرية المرهقة للوالدين تجعلهما يهملان تتبع وتربية الأبناء ما ينعدم التواصل مع الأبناء في القضايا الاجتماعية والتربوية والنفسية، فمثلاً غياب الأب المتواصل عن البيت وأحيانا عمل الأم، وعودة الأب في وقت متأخر من الليل فلا يجد الوقت لسؤال الأبناء عن أحوالهم والدخول إلى عالمهم.

3.    سلوكيات عشوائية متأرجحة من قبل الوالدين في التربية بين التسلط والتساهل أو بين النبذ والحماية المفرطة.

4.     وجود مغريات كثيرة حول الأبناء تمنعهم من التواصل والحوار مثل الانترنت والموبايل والتلفاز، فأصبحت في كثير من الاحيان طريقة التواصل بين الأخت والأخ من نفس البيت ومن غرفة إلى أخرى عن طريق الانترنت.

5.     التحدث القليل من الآباء لأبنائهم وغالباً ما يكون تأنيباً أو صراخا أو أوامر مما يجعل الأسرة متوترة ومشحونة وتفقد الحوار.

6.    ضعف شخصية بعض الآباء والأمهات وجهلهم بالعلم وعدم قدرتهم على الحوار مع أبنائهم خاصة مع متطلبات العصر الموجودة عندهم.

7.    وجود فجوة كبيرة بين الأبناء والآباء يجعل الآباء لا يفهمون احتياجات أبنائهم فيصلون إلى طريق مسدود، فالأم لا تفهم ابنتها والأب أيضاً لا يفهم ابنه.

8.    الخلافات والمشاحنات بين الأم والأب فأحيانا المشاكل مثل الطلاق أو الانفصال تكون سببا في عدم التواصل بينهم، وقمع الأب للأم في الحديث والحوار معه أمام الأولاد ومحاولة عدم مناقشتها معه.

9.    كثرة التعالي في المتطلبات (أي ما يطلبه الابن أو الابنة) ويكون زائداً على قدرتهم قد يؤدي إلى عدم استجابة الآباء وهروبهم من النقاش في هذه الأمور.

10. خوف الأم أو الأولاد من طرح بعض المشاكل والأفكار والتواصل والحوار مع الأب مما يؤدي إلى السكون دائماً فيخلق انعدام التواصل. (3)

Ø          كما تطرق المفكر والفيلسوف "جبران خليل جبران" بنظريته في كتابه "النّبي" :

إن أولادكم ليسوا أولاداً لكم إنّهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم .

أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصةً بهم .

وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم، ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم، وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم .

ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.(4)

هذه النظرية الرائعة توضح لنا الكثير من الإخفاقات التربوية التي نقع فيها. فعندما لا نفهم المستقبل، لا نستطيع أن نُعدَّ الأجيال القادرة على التفاعل مع هذا المستقبل.

o      لذلك يجب على الآباء تعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم، والسماح لهم بالمناقشة، وتعزيز إجاباتهم، ومحاولة تصحيحها بأساليب جميلة، ودون قمع وغضب.

الحفاظ على علاقة طيبة وقريبة مع الأبناء حتى يبقى الآباء السند الوحيد الذي يمكن للأبناء اللجوء إليهم ومشاورتهم.

تنمية قدرة الأبناء على الاختيار السليم، والابتعاد عن السلوكيات السيئة دون توجيه من الآباء، بحيث يصبح لديهم مراقب داخلي ينهاهم عن كل ما هو خاطئ، دون الحاجة إلى مراقبة دائمة من الآباء.

 الفجوة بين الأجيال أمر طبيعي نتيجة عدة متغيرات تنعكس على شخصية الفرد وهويته، لكن المصطلح ذاته يصدم الكثيرين. 

1.       صراع الأجيال صحيفة الراي 2018.

2.       كارل مانهايم نظرية الأجيال موقع واي باك مشين.

3.       مركز التراث العربي صراع الأجيال.

4.       جبران خليل جبران  كتاب النبي.
 



(هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعكس بالضرورة رأي منصة أكتر الإخبارية)

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مقالات الرأي

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©