مقالات الرأي

القهر الاجتماعي للاجئ !

Aa

القهر الاجتماعي للاجئ !

!القهر الاجتماعي للاجئ

مقال رأي للكاتب نضال درويش* خاص بـ"أكتر"

القهر الاجتماعي للاجئ. هل هذه التسمية مرض ؟ ام انها تسمية عابرة ونتائجها بسيطة ! نعيش جميعاً كلاجئين الكثير من التحديات يومياً، وتختلف هذه التحديات بين شخص وآخر على حسب المستوى العلمي والثقافي للشخص نفسه وايضاً على حسب التزامه الديني ، وعاداته الاجتماعية المكتسبة من المجتمع الذي ترعرع به، يومياً نعاني كلاجئين من تصرفات بعض الاشخاص والتي نطلق حكمنا عليها فوراً بأتها عنصرية للشخص المقابل وكاره للاجئين في مجتمعه وكثيراً من الاوقات تكون هذه الاحكام خاطئة لأننا لم ندرس جيداً تفاصيل المجتمع الذي التحقنا به.

لكن كي لا نسرد الكثير من التفاصيل فلنتجه الى الموضوع مباشرةً:

معظم من وصل الى البلدان الاوروبية هو من خلفية اسلامية اصطدم منذ وصوله بالكثير من الافكار والعادات التي تعد غريبة عنه كثيراً، من المثلية الجنسية وكيف تختلف النظرة بينه وبين المجتمع الذي التحق به، ومن الحرية المطلقة للمرأة والتي تشكل عائق كبير في اندماجه بالمجتمع الجديد، فهو يخاف يومياً من أن يخسر افراد عائلته أو أن يذوبوا داخل المجتمع الجديد الذي يرفضه بشكل كبير أو أنه غير متقبل للكثير من العادات التي يعتبرها منافية لتعاليم دينه وعاداته.

نأتي هنا الى ذكر بعض التفاصيل والتي تعتبر اساسية بالرهاب الاجتماعي الذي يصيب بشكل كبير افراد الجالية العربية التي وصلت مؤخراً الى أوروبا، لكن اولاً  لا بد من تعريف المجتمع.

المجتمع

المجتمع هو عبارة عن مجموعة من الافراد يقطنون رقعة جغرافية معينة، وتجمع بينهم روابط معينة بعددٍ من الثوابت والقواعد الاجتماعية ويكفلها القانون حيث ان الفرد في هذا المجتمع لا يستطيع مخالفة قواعد التعايش العامة ضمن نطاق المجتمع هذا او الانحراف عنها ، لأنه في حال فعلها فانه يعرض نفسه للعقاب اضافة ل اللوم والسخط.

هناك أيضاً مفهوم المجتمع في الفلسفة.  يرى أرسطو وابن خلدون وهيجل بأنّ المجتمع البشري ناتجٌ عن طبيعةٍ أملتها الحتميّة أو الضرورة على الإنسان، على اعتبار أنه كائنٌ اجتماعي بحاجةٍ إلى الآخرين من بني جنسه للوصول وتحقيق غاياته ومتطلّباته. يرى ابن خلدون بأنّ المجتمع الإنساني ضروري، مقتبساً رأيه هذا من الحكمةِ الأرسطيّة التي تقول بأنّ الإنسان مدنيٌ بطبعه، ولا بد له من الاجتماع ببني جنسه، ويشير ابن خلدون إلى الحقيقة الأزليّة التي ترهن بقاء الإنسان على قيد الحياة مرهونٌ بشرطين رئيسيين:

  • توفر طعامه وقوت يومه الذي يحتاجه جسده للاستمراريّة في الحياة والنمو.
  • قدرته عن الدفاع عن نفسه والذي يضمن سلامة حياته من أي تهديدٍ يحيط بها.

كل ما ذكر سلفاً هو فقط للدخول في النقاش العقيم الذي يخوضه المهاجر يومياً بينه وبين مجتمعه الضيق او حتى بينه وبين نفسه.

يوميات خائف

ينام يومياً الاب في فراشه بعد الاطمئنان على أولاده وزوجته ويبدأ في التفكير بالطريقة التي سيحمي بها هؤلاء من المجتمع الجديد وهو دائماً جديد لو بقي في البلاد لأعوام طويلة.

  • وهذا التحدي اليومي له تأثير كبير على استمراره في الحياة بشكل طبيعي فهو في قلق دائم:
  • بعد التحاق أولاده بالمدرسة فهو يخاف ممّا يلقن به اطفاله هناك
  • بعد التحاق زوجته بالعمل او بمدارس اللغة ما هي الأفكار التي سيدخلونها في رأسها وكيف يمكنه مواجهتها
  • في الذهاب الى البحر أو مناطق السباحة وإقناع اطفاله بوضع يدهم على عيونهم كي لا يروا المشاهد المخلة بالآداب حسب تفكيره وعقيدته
  • هل كل ما يشتريه من المتاجر هو خالٍ من الكحول ومشتقات الخنزير ؟
  • هل يستطيع التحدث مع المارة في الشارع بطريقة طبيعية او يجب عليه ان يضحك لكل كلمة يقولها هذا المختلف عنه بالشكل ولون العيون
  • هل هناك مؤامرة تحاك ضده في العمل لأنه ليس ابن البلد وسيخسر عمله قريباً! هل يستطيع الاستمرار بالعمل بطريقة انه يستطيع انجاز جميع المهمات الموكلة إليه وإلى غيره ويتطلب منه دائماً العمل على إثبات انه يستطيع فعل كل شيء، لا بل ينجز أيضاً الشيء غير المطلوب منه حتى!
  • هل زوجته ستتبع خطى بعض صديقاتها اللواتي ما ان وصلوا الى البلد الجديد حتى تخلوا عن ازواجهن لأسباب عدة ( الزواج الاجباري من الاهل، المعاملة السيئة في البلد الام، الحرية المطلقة التي حصلت عليها في البلد الجديد مادياً ومعنوياً، الحب من جديد لشخص التقته صدفة وأظهر اهتماماً كانت قد افتقدته كثيراً، الخ )

هذه الأسباب وغيرها الكثير كافية أن تجعل من هذا الشخص انسان غير سوي. 

بالعودة إلى ما سألناه في اول المقال هل هذا مرض ؟

فالجواب هو نعم!!!  مرض وخطير جداً في بناء المجتمعات ! مرض يؤذي صاحبه وعلى مر الزمن يؤذي المجتمع ككل 

فنشأة الاطفال الذين أتينا بهم الى هذه المجتمعات بارادتنا ان نقنعهم العيش خارج هذا المجتمع ! كيف لنا الحق بإجبار الطفل أن ينسلخ عن المجتمع الذي يعيش به ؟ وليس الحل بأن نقنعهم ان ما نعيشه داخل المنزل هو الصح ! وبناءً على مشاهدات شخصية فقدْ فقدَ العديد من الاهل السيطرة داخل المنزل واصبحوا تحت إدارة الاطفال!

وما أخطرها هذه الحياة لطفل  في هذا العمر يتكون جزء كبير من شخصيته وتحفظ الكثير من التجارب في عقله الباطن، أي في تكّون اللاوعي لديه.

اللاوعي او اللاشعور يشير الى ما يشكل شخصية الافراد دون إدراكهم، وبعيداً عن تحكمهم، فاللاوعي مخزن لتجارب الأفراد المترسبة نتيجة للكبت والقمع، مما أدى لبقاء هذا المخزون بعيداً عن الذاكرة في أماكن لا يدركها الفرد بوعيه، كما يعتبر اللاوعي مخزناً للطاقة الجنسية والنفسية والعدوانية.

لماذا نقبل؟

أخيراً يدركنا سؤال آخر: ما السبب الذي يجعلنا نتقبل كل هذه الضغوط، ونستمر في هذه الطريقة المريبة القاسية في العيش؟ 

فكما قال جيم رون: إذا لم يعجبك المكان الذي تعيش فيه تحرك فأنت لست شجرة! 

*الكاتب نضال درويش: ناشط سياسي ومدني، هاجر من لبنان إلى السويد عام 2016، أطلق وشارك في العديد من المظاهرات التي تناصر اللاجئين والمهاجرين في السويد، مثل نشاط المشي من يوتوبوري إلى ستوكهولم صيف 2019 -2020 للمطالبة بالعفو العام عن جميع العالقين في دائرة الهجرة بين مرفوضين وإقامات مؤقتة. درس المحاسبة والمعلوماتية والتسويق الرقمي، وعمل كمدرب على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي.


تنويه: المواد المنشورة في هذا القسم هي رسائل وصلت إلى هيئة تحرير منصة أكتر الإخبارية، وتنشرها كما وردت، دون تدخل منها - سوى بعض التصليحات اللغوية الضرورية- وهي لا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة أو سياستها التحريرية.

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©