بعد أن أدّت الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس عام 2015 إلى حزن الكثيرين وخوفهم، كان هناك في السويد حزنٌ وخوفٌ من نوعٍ آخر، يمكن سرده اليوم عبر قصّة مضر مثنى ماجد، الذي أطلق عليه يوماً اسم "أخطر رجل في السويد". إنّها القصة التي تقف اليوم شاهداً على قدرة البشر على التأقلم، وعلى قدرة السويديين من أصول مهاجرة على تحوير الأشياء السيئة إلى جيدة أثناء سعيهم إلى حياة جديدة.Foto: Andres Wiklund/TTالتهمة الباطلةفي بلدة التعدين الصغيرة بوليدن Boliden، في فيستربوتن Västerbotten، وجد المثنى ماجد، وهو لاجئ جاء إلى السويد من العراق، نفسه وسط مطاردة مرتبطة بالإرهاب. بعد أيام قليلة من هجمات باريس المأساوية، اتُهم ماجد خطأً بالتخطيط لهجوم إرهابي في السويد. اتخذت حياته منعطفاً جذرياً عندما تسربت صورة محببة له، تم التقاطها دون علمه، إلى وسائل الإعلام، مما أدّى إلى تصاعد المخاوف وأدى إلى حالة تأهب على مستوى البلاد.الاعتقال والعواقبوفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تم اعتقال ماجد في ظروف مأساوية. وتم نقله بأيدي مقيدة ومعصوب العينين في مروحية عسكرية، وتم استجوابه بشكل شديد. وعلى الرغم من نقص الأدلة (فلا صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر أي علامات للتطرف، واسمه على باب منزله كان دليلاً على الاستقرار في ظلّ غياب الأدلّة الحقيقية - فإنّ الشك وحده كان كافياً لقلب حياته رأساً على عقب.استمرت محنة ماجد لعدة أيام حتى تم إطلاق سراحه دون توجيه أي اتهامات إليه. ومع ذلك، بقيت وصمة الاتهام قائمة. تلقى بعدها تهديدات وكافح للعثور على عمل مستقر. كان على الأرجح شخصٌ ما قد سرق هويته وأساء استعمالها، وفتح على فيسبوك حساباً وهمياً باسمه. ليتبين فيما بعد بأنّ المثنى لم يسافر أساساً إلى فرنسا.ليس هناك الكثير من التفاصيل، فالسابو Säpo لا تفصح كثيراً عن تحقيقاتها، خاصة أنّ ذلك قد يضرّ بعملها وبأشخاص آخرين أيضاً. لكن على الرغم من هذه التحديات، رفض ماجد التخلي عن الأمل في بناء حياة في السويد.Foto: Andres Wiklund/TTبداية جديدةإن أردنا القفز على الزمن تفادياً للوقوع في ضجر القراءة، يمكننا أن نصل سريعاً إلى عام 2023، حين اتخذت حياة ماجد منعطفاً إيجابياً. يقيم اليوم في خليفتيو Skellefteå ويعمل كفني صيانة ولحام. انتقل إلى منزل جديد احتضنه، مفضّلاً الهدوء على صخب ستوكهولم. ومع حصوله على تصريح إقامة دائمة ورخصة قيادة ووظيفة جديدة، بدأ مثنى بالفعل بإعادة بناء حياته. أهدافه واضحة: أن يصبح مواطناً سويدياً، وأن يكوّن أسرة، وبعدها يمتلك منزلاً في خليفتيو.يتأمل ماجد اليوم رحلته دون مرارة. يتذكر عائلته ودراسته البيطرية التي تركها في العراق عندما جاء إلى السويد. ورغم أن تجاربه مروعة، إلا أنها لم تثبط معنوياته أو امتنانه للفرص المتاحة له الآن. إنه يتطلع إلى مستقبل يمكنه فيه الاندماج بشكل كامل في المجتمع السويدي وتحقيق أحلامه.في الختام..ربّما كان ماجد محظوظاً لأنّه تمكّن من العودة للحياة بعد ما حصل معه، وخاصة بعد الكراهية التي تعرّض لها على إثر الاتهامات الباطلة له، والتي تلقى تهديدات بسببها، تهديدات لم تكن ترى فيه إلّا سحنته العربية ولم تهتمّ بنتائج التحقيق معه. ماجد قصّة واحدة، لكنّها تعكس قصص الكثيرين.