بلوط: بالفلافل والبقلاوة واجه العنصرية ليطلق بعدها "بلوطن" العقارية
مجتمع
Aa
بلوط: بالفلافل والبقلاوة واجه العنصرية ليطلق بعدها "بلوطن" العقارية
قد تدرس اختصاصاً ما بقصد العمل به طوال عمرك، لكن بعد أن تسافر وتتغرّب، وتبدأ الحياة العملية باختبارك، تصبح أبعد ما تكون عن دراستك، ولكن أقرب إلى أحلامك التي تصبح أكثر وضوحاً لتعمل على تحقيقها. لنتعرّف إلى قصّة نجاح محمد بلوط الذي وصل إلى السويد لاجئاً وهو اليوم صاحب وكالة عقارية واعدة.
قدم محمد بلوط إلى السويد من سورية في منتصف 2014، وكان قد أتمّ دراسة الصحافة في دمشق وعمل في عدد من الصحف والقنوات الإخبارية. بمجرّد وصوله إلى السويد، بدأ محمد يفكر بمشاريع وخطوات عليه البدء بها، ولهذا كان يدرس بسرعة اللغة أثناء انتظاره الإقامة والإجراءات. انتقل بعد ذلك إلى مالمو واستمر بالدراسة والتدرب قبل الوصول حتّى إلى المدرسة النظامية.
صحفي وصحيفة وحالم...
حاول محمد العمل في الصحافة أثناء وجوده في السويد، فتعامل مع عدد من المجلات والصحف المحلية والدولية. ثمّ قام بالحصول على تمويل لمشروع مجلّة "موزاييك" الناطقة بثلاث لغات: العربية والسويدية والإنكليزية.
لكن بعد مرور أكثر من عام بقليل، شعر محمد بأنّ المشروع لا يحقق طموحاته، وبأنّه يرغب بأكثر من ذلك. بدأ محمد يرى في الصحافة طريقاً غير مجدٍ بالنسبة لأحلامه، فتركه وحصل على عمل في البلدية كمسؤول اندماج وتنسيق شؤون القادمين الجدد.
كان السبب في حصول محمد على العمل أنّه كان يلقي محاضرات للسويديين في مسائل إدماج المهاجرين. يروي محمد: كان الهدف من المحاضرات التي حققت نجاحاً نسبياً ممتازاً أن يفهم السويديون بأننا لسنا قادمين كعبء بل كعون لهم. يستمر بالشرح: "نحن نأتي إلى هنا وأغلبنا إمّا صاحب صنعة أو منتهي من الدراسة، أي تقريباً جاهزون لم ينفقوا علينا لعشرين عاماً كي نصبح جاهزين. كلّ ما نحتاجه هو فترة تأهيل لغوي وفترة اعتياد تبدأ من 6 أشهر إلى عامين أو ثلاثة. حتّى الذين يحتاجون وقتاً أطول يبقى تأهيلهم أزهد ثمناً بكثير".
بعد ذلك بدأ محمد بالدراسة في جامعة مالمو باللغة السويدية اختصاص علوم سياسية دون أن يؤثر ذلك على عمله، وتخرّج في بداية هذا العام. يتحدث محمد قائلاً: عندما قررت الدراسة شعرت بأنّ هذا هو الأمر الصحيح، فبدلاً من تضييع ساعات دون شيء، كان مفيداً أن أحصل على شهادة جامعية.
دخل محمد في العمل السياسي وكان ينوي الترشح للبرلمان بالنيابة عن حزب الوسط، ولكنّه قرر سحب ترشيحه والابتعاد عن السياسة والاستمرار في البحث عن نفسه في مكان آخر.
تحدي
محمد هو من يمكن أن ينطبق عليه لقب "رائد أعمال"، فبعد عدّة تجارب لم تعبّر عن طموحه، اتجه نحو مجال آخر: "سوق العقارات". لكن كان الحافز لذلك من ضمن ما يمكن أن نسميه صدفة، كان محمد جالساً مع بعض أصحابه الذين لديهم نوايا بدء مشاريع تجارية، ولكن كانت مشكلتهم في إيجاد محل تجاري دون "فروغ"، وهو الأمر الذي اعتبروه أمراً غير ممكن في السويد.
كان محمد يحاول أن يثبت لهم بأنّه بإمكانهم التواصل مع الشركات مباشرة وعدم الاضطرار لدفع مبالغ إضافية، فتحول الأمر إلى شبه تحدّ، وقد نجح فيه فيما بعد، فحصل على المحل الذي كان موضع التحدي مقابل مبالغ التأمين والرسوم فقط، بينما كان معروضاً بمبلغ مليوني كرون فروغ.
لكن ما بدأ كرأي وتحدي، أصبح يأخذ وقتاً أطول من حياة محمد. يقول: "أنا لا أعمل في العقارات السكنية بل في التجارية فقط، وهو مجال مختلف تماماً. بدأ محمد أولى علاقاته الوظيفية مع سويدي يدعى يون يعمل في شركة عقارات وتحليل عقاري على مستوى السويد، ويشرح محمد بأنّه من السويديين الذين ساعدوه على التعلّم والعمل بشكل كبير، ولا تزال علاقتهما العملية سارية وممتازة.
وكالة وساطة
رغم أنّ محمد يعمل يوماً واحداً في الأسبوع، حيث لا يزال يحافظ على عمله في البلدية بنسبة 80٪، فقد حقق قفزات نوعية وكمية هائلة في عمله. بات اليوم لدى محمد زبائن من غير العرب في السويد، وكذلك زبائن من خارج السويد.
يشرح محمد: لقد بات لديّ خبرة أكبر، الأمر الذي عنى أنني توسعت في عملي. فأنا اليوم قد أعمل إلى جانب شركة عقارية سويدية، وقد بات لديّ علاقات مع قرابة 30 أو 40 شركة عقارية في سكونه، بحيث يعرضون لديّ المحال التجارية التي يريدون تأجيرها. ويمكنني أيضاً أن أعمل إلى جانب أشخاص عاديين يريدون الحصول على عقار مناسب لمهنتهم ولكنّهم غير قادرين على إيجاد واحد. كما أنّ وكالة محمد، والتي تدعى بلوطن "Balouten" تقدّم خدمات أخرى غير الوساطة، مثل التفاوض، وتعديل العقار... وغيره.
عندما سألنا محمد: متى ستخفض عملك في البلدية أكثر أو تتركه وتتفرّغ للوكالة؟ أجاب: "في الحقيقة لديّ خطط لفعل ذلك بدءاً من العام القادم، ولكن خططي لن تقتصر على التفرّغ للوكالة، فأنوي التوسّع فيها بعد فترة، وعندما يحين الوقت سنتحوّل لشركة عقارية تملك عقارات وليس فقط شركة وساطة...
العنصرية
محمد كغيره من اللاجئين عانى من بعض العنصرية، ولكنّه على عكس كثيرين منهم لم يعتبر بأنّ العنصريين عنصريون بطبعهم. يروي لنا قصتان عن العنصرية، إحداها عن مجموعة ممّن لا يحبذون وجود الأجانب معهم، ولكن اضطروا للتعامل مع محمد بينما كانوا يحملون جميع الأحكام المسبقة المرتبطة باسمه.
يقول محمد، بدأت أجري لهم ورشات تدريب لصناعة الفلافل والبقلاوة، وبدأت أتحدث معهم كندّ لهم. نجحت الفكرة وجعلت الكثيرين يغيرون رأيهم بالمهاجرين. يتفهم محمد بأنّ مصدر معرفة هؤلاء الوحيد عن المهاجرين هو ما يسمعونه في الإعلام حيث تبقى صورة سلبية مرتبطة بذهنهم، ولهذا يرى محمد بأنّ كلّ منّا قادر على فعل شيء لتغيير هذه الصورة.
يتحدث محمد عن تجاربه الأولى في العمل كوسيط عقاري، حيث كان معظم الذين يتعامل معهم يحملون الأفكار النمطية ذاتها عن المهاجرين وعن المسلمين وغيره، ولهذا بمجرّد سماعهم اسم محمد كان الحاجز يخرج بشكل أوتوماتيكي. لكن محمد كان قادراً على تغيير وجهات نظرهم بالإصرار على التعامل وفقاً لمعدنه الحقيقي.
بلد الفرص
بالنسبة لمحمد فالسويد بلد الإمكانات والفرص، وليس على القادمين إلّا السعي والمحاولة لاقتناصها. يقول: "إن أغلق باب في وجهك لا تيأس، وابحث عن باب آخر. وإن وجدت جدار يضعه أحد في طريقك، افتح حفرة فيه واعبره".
ربّما هناك من يعتبر بأنّ تجربة محمد في السويد غير قابلة للتعميم، ولكنّنا غير قادرين على أن ننكر بأنّه شخص نجح في صياغة تجربة استمرّ فيها بالبحث عن حلم يبدو بأنّه وجده.