بين حرق المصحف الشريف واستجابتنا تكمن حرية اختيارنا كيف ندافع عن الدين
مقالات-الرأي
Aa
بين حرق المصحف الشريف واستجابتنا تكمن حرية اختيارنا كيف ندافع عن الدين
بلا شك فإن جريمة الإعتداء على حرمات الإسلام سواء بحرق نسخ من المصحف الشريف تارة، أو محاولات الاستهزاء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم - من خلال رسومات مسيئة - تارة أخرى، وما إلى ذلك من أصناف جرائم واعتداءات على حرمات الدين، فإن ردة الفعل والغضب أمر طبيعي ومطلوب تجاه هذه الجرائم.
أعود للذاكرة ومنذ اليوم الأول عندما نشرت صحيفة اليولاند بوسطن الدانمركية يوم 30-09-2005 رسومات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم (12 رسما) و حتى حرق نسخة من المصحف الشريف أول أيام عيدنا 28-06-2023 فإن سلسلة الاعتداءات والجرائم لم تنقطع.
أعود كذلك للتفكير في تلك المسافة الفاصلة بين المثير (الفعل) و الاستجابة (ردة الفعل) حيث تقع حرية اختيارنا في التصرف.
في بداية شهر 2-2006 وعندما تفاقمت أزمة الرسوم، أذكر جملة قالها شيخي الراحل أحمد أبو لبن رحمه الله: 12 رسماً مسيئاً تحتاج منا 12 عاما من الحوار والتفاعل الثقافي في أوروبا وتعزيز التفاهم ونشر التسامح.
أذكر يومها وكنت على رأس ادارة الوقف الاسكندنافي في الدانمرك، كتب شيخي رسالة إلى وزير الثقافة الدانمركي وإلى 5 جامعات لعمل جلسات وبرامج حوارية ثقافية ولم يأت جواباً بفعل حالة التأزم التي ظهرت آنذاك.
واليوم وبعد 18 عاماً تقريباً من بدء الأزمة نعود ونسأل أين المخرج؟
ومن وجهة نظري أرى أن المسألة معقدة لتداخل قضايا حساسة (سياسية - ثقافية – دينية – فكرية - عنصرية – صدمة من الدين والتدين في تاريخ أوروبا) فإننا نحتاج لإطار فكري ومعرفي للتعامل مع المسائل المعقدة.
فنظرية الأنظمة المعقدة (Complex system) تحتاج إلى طرق متعددة لفهمها، والجملة التالية توضح المقصود: "إن تبسيط المسائل المعقدة سيعطي إجابات سريعة، لعلها سهلة، لكنها خاطئة".
"For every complex problem there is an answer that is clear, simple, and wrong"
وهذا يعطينا إشارات لكيفية التعامل الواعي في مسألة يتداخل فيها السياسي والفكري والثقافي والديني والعنصري.
من السطحية أن يأتي أحدهم ويظن أن الوقفات والمظاهرات والخطب والتصريحات الإعلامية سترغم الدولة على تغيير وسن القوانين.
وليس عندي إجابات مختصرة على هذه المسألة المعقدة، لكن أرى ضرورة العمل على نواحي متعددة منها على سبيل المثال:
1- تعزيز البناء الداخلي للوجود الإسلامي في أوروبا. متمثلاً بإيجاد مؤسسات قوية وبنى تحتية تحفظ للمسلمين هويتهم وتكون رافعة لتحركاتهم.
2- التعامل مع الآخر وفي مثل هذه المسائل من موقع التخصص: قانونيا وفكرياً وثقافياً وإعلامياً.
3- رفع مستوى تفاعل المسلمين سواء في أوروبا أو في العالم الاسلامي و صناعة الوعي حول أولويات تفاعلهم ودعمهم. مثال: ليس غريباً أن تجد ألوف الناس خاصتهم وعامتهم مندفعة لنشر المصحف الشريف وطباعته وترجمته وكذلك مئات الأنشطة القرآنية من التجويد إلى الحفظ، وكل ذلك هام ومطلوب. مقابل ذلك كيف تجد الناس خاصتهم وعامتهم في دعم تكاليف مقالات صحافية في الصحف الأوروبية، أو إيجاد محطة إعلامية أو تكاليف و مرافعات محامين وقانونيين، وإيجاد مراكز بحث ورصد. وكذلك كم يستثمر في بناء البشر مع بناء الحجر، أو بعبارة أخرى: كيف يستثمر في بناء المساجد مع بناء الساجد!!
4- دور المؤسسات والجمعيات والاتحادات الإسلامية في أوروبا هام جداً لكن قدراتهم على التأثير في صانعي القرار تبقى محدودة بمحدودية قدراتهم ومواردهم، و هنا يأتي أهمية دور الدول الإسلامية، لكنها أيضاً معضلة أخرى !! فمنها من هو مشارك أصلاً في التضييق على العمل الاسلامي الوسطي.
5- نحتاج إلى تفكير هادئ، و إلى تفكير استراتيجي، إلى جانب العمل التكتيكي الآني كالتعامل الإعلامي والخطب المنبرية والوقفات الغاضبة.
أخيراً، وإن افترضنا أنه تم تجريم الاعتداء على المقدسات والرموز الدينية (مع الأهمية العظمى لتحقيق ذلك) فستبقىى أمامنا أسئلة ومواضيع - كما ذكرت بضعها أعلاه - تحتاج إلى إجابات وتفاعل وإلى تغيير تصورات ذهنية و أنماط في التفكير.
لا زلت أرى أننا نسير ببطء وفي الاتجاه، وإن مشهد التفاعل في وقفتي ستوكهولم ومالمو يوم الأحد الماضي 09-07-2023 نصرة للدين والقرآن وتعبيراً عن غضب المسلمين، كان مشهداً مبشراً منسجماً مع رسالة القرآن. فما أجمل أن يتلى القرآن في الساحات العامة وتردده الآلاف من المسلمين. مشهداً حفته الملائكة والبركة من الله تعالى.
د. خليل عاصي
ناشط في المؤسسات الإسلامية في اسكندنافيا السويد - مالمو 13-07-2023