مقالات الرأي

تجربة نيانس حلم سيكتمل أم ذكرى عابرة؟

Aa

تجربة نيانس حلم سيكتمل أم ذكرى عابرة؟

محمد أبو ناهية/ باحث وصحفي 

اعتبر الكثيرون من مواطني السويد من أصول مهاجرة حزب نيانس بأنه طوق النجاة والأمل الوحيد للخروج من حالة تجاهلهم من قبل أحزاب اليسار من جهة ومن حالة العداء ضدهم من قبل أحزاب اليمين من جهة أخرى. هذه الحالة التي نتج عنها العديد من القوانين والممارسات التي اعتبرت عنصرية تجاههم، ناهيك عن حالة التجييش الإعلامي ضدهم في إطار الحملات الانتخابية للأحزاب لاسيما أحزاب اليمين.  فاستطاع نيانس أن يقدم نفسه كطرف ثالث يطالب بما ينادي به هؤلاء المواطنين ويلامس احتياجاتهم من خلال برنامجه الانتخابي الذي لم يختلف عليه أغلب المهاجرين. وكاد نيانس أن يحقق هدفه في الوصول إلى البرلمان والبلديات لولا عدة عوامل أطاحت بحلمه بأن ويمثل الأقليات ويشارك في صنع القرار في هذه المرحلة، ومن هذه العوامل ما هو خارجي أي من خارج الحزب لا يتحمل الحزب مسؤوليتها، ومنها ما هو داخلي أي كان الحزب سببها ويتحمل مسؤوليتها.

العوامل الخارجية لعدم نجاح نيانس في الانتخابات:

  1. حملة التشويه التي تعرض لها الحزب من قبل عدد من وسائل الإعلام السويدية والناطقة بالعربية، وذلك من خلال عدد من الإشاعات على أنه: حزب إسلامي، شعبوي ليس لديه برنامج انتخابي، التبعية لأجندات خارجية وغيرها من الإشاعات التي أخافت الشريحة المستهدفة من قبل الحزب.
  2. نجاح أحزاب اليسار في توجيه الرأي العام للمهاجرين المنتخبين التقليديين لهم، من خلال نشر نظرية هدر الأصوات وتشتيتها في حال التصويت لنيانس، ونظرية رد الجميل، ونظرية أخف الضررين، حيث استطاعوا اقناع شريحة كبيرة من المهاجرين للتصويت لهم من خلال هذه النظريات. 
  3. ضعف مؤسسات المهاجرين العاملة وعدم اتخاذها موقفاً موحداً من نيانس فضلاً عن الانتخابات بشكل عام، مما جعل الناخب المهاجر أمام حيرة وعدم تقدير جيد للمرحلة.
  4. عدم إجماع النخب التقليدية للمهاجرين على فكرة نيانس بل قوبلت بعدد من الملاحظات لم يتمكن الحزب من الإجابة عليها. 
  5. وعدم وجود منصات إعلامية فاعلة داعمة للحزب وفكرته، إذ انشغل الحزب بالدفاع عن نفسه ودحض الاتهامات بدل الترويج لبرنامجه الحزبي ورسالته.    لم يستطع الحزب مواجهة كل هذه العوامل التي أدت بشكل أو بآخر إلى عدم نجاح الحزب في الحزب إلى هدفه في الوصول إلى البرلمان والبلديات، وذلك بسبب جملة من العوامل الداخلية للحزب.

العوامل الداخلية لعدم نجاح نيانس في الانتخابات:

 لعل أهمية هذه الانتخابات وشراسة المعركة الانتخابية وتقديم الحزب نفسه كبديل عن الأحزاب التقليدية العريقة وبأنه تيار سياسي جديد في الساحة السياسية السويدية، كان تحتاج من نيانس سنوات من الإعداد والتحضير والتثقيف والعمل التنظيمي والجماهيري والإعلامي وليس قبل أشهر قليلة من الانتخابات، وأضف إلى ذلك بأن نيانس: 

  1. لم يستطع تقدير الموقف بشكل موضوعي، إذ كان هناك تبايناً واضحاً بين دراسته ويقينه من نجاح الحزب نظرياً من خلال أعداد المهاجرين ونسبهم وبرنامج الحزب الانتخابي الذي يلامس اجتياجاتهم ومطالبهم، وبين التطبيق العملي الواقعي على الأرض. 
  2. إذ لم يبن الحزب قاعدة جماهيرية يستند إليها ويعول عليها في معركته الانتخابية، بل اعتم*د على الشعارات العاطفية وبناء تحالفات مع مؤسسات وجماعات تبين بأنها كانت وهمية. 
  3. لم يمتلك الحزب ماكينة إعلامية تستطيع مواجهة الإشاعات والحملات الإعلامية الممنهجة من قبل وسائل الإعلام والماكينات الإعلامية للأحزاب. فضلاً على أنها لم تتقم بالتعريف الجاد عن الحزب وبرنامجه الانتخابي بشكل كاف. 
  4. لم يمتلك الحزب هيكلاً تنظيمياً واضحاً حيث كان الحزب أقرب لجمعية من أن يكون حزباً له مكاتبه السياسية والإعلامية والتنظيمية فضلاً عن الاتحادات الشبابية والنقابية والطلابية والنسوية. 
  5. لم يستطع الحزب تقديم نفسه على أنه حزب لكل السويديين على الرغم من وجود برنامج سياسي يشمل كل القضايا التي تهم المواطن السويدي بل ركز على قضايا تهم المهاجرين وبالأخص الأقلية المسلمة فقط .
  6. ورط الحزب نفسه بقضايا دولية شائكة كقضية العلاقة بين السويد وتركيا بخصوص الانضمام إلى الناتو، وما نتج عنها من انحياز الحزب بشكل واضح لتركيا على حساب الأكراد المكون الأساسي في معادلة المهاجرين الذي خسر تأييدهم بطريقة أو بأخرى وغيرها من المواقف والتصريحات التي حرفت الحزب عن بوصلته الداخلية وأفقدته تأييد شرائح مهمة من المجتمع. 
  7. لم يستطع نيانس استقطاب واقناع الكثير من النخب السياسية والثقافية الوازنة عند المهاجرين، بالانضمام للحزب أو الترشح. بل فتح باب الترشح والانضمام دون ضوابط أوقعت الحزب بمشكلة تنظيمية+ +يبدو أنها باتت تظهر نوعاً ما. 
  8. اعتمد الحزب في حملته الانتخابية على مرشحين لا يمتلكون خبرة في العمل السياسي أو الحضور الإعلامي أو الرصيد الجماهيري، ومنهم من ترشح قبل أيام من الانتخابات. بل إنّ الحزب لم يعمل على تدريبهم وتأهيلهم بشكل جيد لهذه المعركة الانتخابية، فضلاً عن تثقيفهم بمبادئ وأفكار وبرامج الحزب وأهدافه بل شعارات عامة لم يستطع عدد من المرشحين من الصمود بها أمام تلك الهجمات.

فشل أم نجاح!

صحيح أنّ الحزب قد تعرض لهجمة إعلامية شرسة كانت من أهم الأسباب التي حالت دون نجاحه في الانتخابات، ولكن في العمل السياسي يعتبر عدم تحقيق الحزب لهدفه الانتخابي هو فشل. فنيانس الذي وعد المواطنين من خلال خططه ودراساته وأرقامه وبياناته وتحليلاته بالوصول إلى البرلمان والبلديات بكل سهولة، ولم يصل إلا إلى بلديتين بشق الأنفس؛ يعتبر بأنه قد فشل في تحقيق الهدف المحدد بغض النظر عن الأسباب التي أدت لذلك، وعليه فإن إدارة الحزب تتحمل مسؤولية هذا الفشل، ولابد من اتخاذ إجراءات مسؤولة أمام ناخبيه، كما فعلت الأحزاب التي اعتبرت نفسها بأنها خسرت في الانتخابات كالوسط والاشتراكي. وصحيح أنّ الحزب قد حصل على 28 ألف صوت، ولكن في المقابل كان رقماً محبطاً مقارنة بنسبة المهاجرين وقوتهم الانتخابية، وهذا لا يعني أن العدد بسيط. 

نيانس أمام استحقاق وجودي:

لن يستطيع نيانس الاستمرار دون أن يرتب بيته الداخلي ليستطيع خوض العملية السياسية بقوة في البلديتين التي حاز على مقاعد فيهما، وليثبت لـ 28 ألف صوت الذين صوتوا له بأن أصواتهم لم تذهب هدراً من جهة، وليشجع الآخرين لانتخابه في الانتخابات القادمة من جهة ثانية، وذلك من خلال: 

  1. الدعوة إلى مؤتمر عام للحزب وانتخاب إدارة جديدة.
  2. تقييم نتائج الانتخابات بكل موضوعية وشفافية.
  3. وضع خطة حقيقية عملية مدروسة لأربع سنوات قادمة يُراعى فيها الأخطاء التي وقعت في الفترة الماضية. 
  4. بناء هيكل تنظيمي للحزب وتشكيل المكاتب الإدارية والتنظيمية والإعلامية والمالية. 
  5. العمل على بناء قاعدة شعبية للحزب والانفتاح على المؤسسات والشرائح المجتمعية كافة.
  6. إبراز وجوه جديدة وكوادر ذات كفاءة إعلامية وسياسية وتنظيمية منفتحة وذات قبول في المجتمع. 
  7. الخروج من عقدة الضحية والانفتاح على المجتمع السويدي وحراكه السياسي والإعلامي العام.   

وغيرها من الخطوات التي ستمكن نيانس من الاستمرار لتحقيق حلمه وحلم الأقليات بأنّ يكون كياناً سياسياً يمثلهم ويدافع عنهم ضد التمييز والعنصرية، أو أن تُطوى هذه التجربة وتُنسى كغيرها من التجارب التي أصبحت ذكرى وتاريخ عابرة .

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مقالات الرأي

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©