مالمو والجريمة والأسئلة الصعبة"أكتر" السويد بالعربي... أدّت سلسلة الهجمات التي تعرضت لها المدارس في السويد – وهي البلد التي لم تعتد على مثل هذه المآسي – إلى قيام البعض بالبحث عن إجابات عن الأسباب، تتخطّى الإجابات البسيطة التي يكررها إعلام الأخبار اليومية. خاصة وأنّ جريمة قتل المعلمتين – التي يقول البعض بأنّها كانت لتكون جريمة أكبر – قد تركت مالمو في حالة صدمة.يمكن لما قالته ماري فال ألمكفيست Marie Wall Almquist، رئيسة فرع نقابة المعلمين في مالمو، أن يشرح سبب الصدمة: «يمكنك من الناحية العقلية توقّع إمكانية حدوث الأمر، لكن لن تكون مهيئاً لوقوعه».مسلسل وليس حقيقةعلى الرغم من الشعبية العالمية لمسلسلات الجريمة في السويد ممّا تعرضه الشبكات العالمية مثل كويكساند من نتفلكس، وهو الذي يتحدّث عن مذبحة خيالية في مدرسة، فلم تشهد السويد حتى قبل سبعة أعوام ولا هجوم على المدرسة منذ عام 1961، عندما أطلق مراهق النار على حفلة راقصة في القاعة الرياضية.وحتّى بعد الزيادة الكبيرة نسبياً في إطلاق النار المميت، بقيت السويد ضمن معدل قتل إجمالي أقلّ بكثير من المتوسط العالمي، لتشبه بذلك دولاً اسكندنافيّة/نورديّة أخرى مثل الدنمارك وفنلندا.يبرر هذا احتلال الجريمة لعناوين الأخبار «رغم تعبير البعض من متابعي "أكتر" عن السأم من ذلك»، بعد أسابيع من هيمنة الوضع في أوكرانيا على الصفحات الأولى. ويبرر أيضاً التغطية المكثفة، والمشاعر التي تفيض من الصحفيين الذين يغطون الخبرلكن وكما يُقال «راحت السكرة واجت الفكرة». فقد بدأنا نجد بأنّ من بين الشعور العام بالصدمة، بدأت انعكاسات نفسية تظهر لترى وكأنّ العنف جزء من اتجاه صغير، ولكن متنامٍ ومثير للقلق.يبدو هذا منطقياً إذا ما وصلناه بذاكرة السويدين عمّا حدث في 2015، عندما دخل شابّ يبلغ من العمر 21 عاماً إلى مدرسة في مدينة ترولهتان في السويد، وهو يرتدي قناعاً للبطل الشرير في سلسلة أفلام حرب النجوم الأمريكية دارث فيدر، وقام بقتل تلميذ ومدرّس ومساعد مدرّس، بدوافع عنصريّة «ضحاياه: أحمد حسن، نزير عمسو، ولافين اسكندر».على مدى الـ 15 شهراً الماضية، كان هناك ثلاث هجمات على المدارس في السويد.عنصريونوفقاً لكريستر ماتسون، المحاضر في جامعة يوتوبوري والمختص في أبحاث التطرّف اليميني، فمعظم من ارتكب الجرائم المذكورة يعانون من فترات طويلة من الاضطراب النفسي والاجتماعي، ومن الشائع جداً أن يلاقوا صعوبة في تكوين صداقات، والانضمام إلى مجموعات.كما أضاف: «نعلم أيضاً أنّهم، في كثير من الحالات، ينشطون في منتديات معينة على الإنترنت. حيث يشاركون مع غيرهم تخيلات العنف أو العنصرية أو مناهضة النسوية».ورغم أنّ ماتسون يرى بأنّ ربط العنف الأخير في المدارس السويدية بأيّ تحولات مجتمعية في السويد هو أمر «تخميني»، فهو يعتقد بأنّ المتطرفين اليمينيين قد «استغلوا» الأفكار القومية في دعايتهم ضدّ استقبال اللاجئين.كما أنّه من المهم ذكر أنّ موضوعات مناهضة النسوية والتعصّب الديني هي أيضاً موضوعات شائعة في المنتديات التي يدخلها المهاجمون، أو المتعاطفين معهم.يقول ماتسون: «نظراً لأنني أتابع المنتديات المتطرفة على الإنترنت، ألاحظ وجود عدد كبير من الأشخاص الذين ينشرون رسائل تتعلّق بالحدث الأخير، ويقولون بأنّ الصبية في السويد "مؤنثون" ولا يُسمح لهم بأنّ يكونوا صبية... لهذا من الواضح أننا بحاجة لإجراء مناقشة بخصوص هذا الأمر».ليس العنصرية فقط، بل كوفيد أيضاًأشارت صوفيا فيكمان، البروفسورة المساعدة في علم الجريمة في جامعة يافله، إلى أنّ لكوفيد تأثيره أيضاً. فرغم أنّ المراهقين السويديين لم يعانوا من العزلة التي عانى منهم أقرانهم في بلدانٍ أخرى بسبب إبقاء المدارس مفتوحة، ففيكمان ترى أنّ الوباء زاد من «الترافيك على الإنترنت»، وسرّع من حتميّة تواصل المراهقين المعزولين على منصّات التراسل العالمية التي تهلل لهكذا هجمات.فالتلميذ الذي قام بعملية الطعن في ثانوية Eslöv العام الماضي، أثنى على بريفيك النرويجي الذي أطلق النار على الشبيبة في 2011، وعلى إطلاق النار على الجامع في نيوزلندا في 2018.أعاد ما حدث في مالمو إشعال النقاشات السياسية والاجتماعية حول الموارد ومدى كفايتها ومدى إتاحتها لمساعده المراهقين. يريد البعض تعزيز قوة الشرطة، ووضع كاشفات معادن وتفتيش على أبواب المدارس، بينما يريد آخرون وضع أموال أكثر في تأهيل المراهقين.لكن الأمر الأكيد بين الأكاديميين والناس العاديين، سواء في مالمو أو بقيّة السويد، أنّ الأمر لم يعد مجرّد تخيلات، وأنّ تكراره وارد.