Aa
photo TT
مقال نقاش منصّة «أكتر» السويد
في 1903، وعلى إثر حراكٍ سياسي سويدي عام يهدف لنشر الاقتراع العام، رأى حزب الشعب الليبرالي النور، والذي بات يعرف منذ 2015 باسم الليبراليين «Liberalerna» – وهو من أوائل الأحزاب في العالم التي استخدمت لفظ ليبرالي في اسمه. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عارض حزب الليبراليين – بمقاعده الـ 20 في البرلمان – انتخاب ماغدالينا أندرسون لرئاسة الحكومة واختار الوقوف إلى جانب المعارضة اليمينية.
من هو الحزب الليبرالي حقيقة ولماذا يختار الوقوف لجانب (اليمين) والتقرب من ديمقراطيي السويد؟
لمحة عن سياسات الليبراليين التاريخية
يقول الحزب في موقعه الإلكتروني بأنّ أصله يعود إلى حركة التحرر التي وقفت ضدّ القمع الديني والسياسي، وضدّ مجتمع أصحاب الامتيازات التي تمنح بعض الناس حقوقاً أكثر من غيرهم.
رغم التحالف مع حزب الاشتراكيين الديمقراطيين قبل 1918، فمنذ تحقق الديمقراطية حدث الشقاق بين الحزبين على إثر مطالبات الاشتراكيين الديمقراطيين بتأميم الأعمال الخاصة.
لكنّ حزب الليبراليين، رغم انتقاده للأحزاب اليسارية، فقد كان ناقداً للأحزاب اليمينية المتطرفة أيضاً، ما جعله ينتهج الوسط، مع أهمية خاصة لقضايا النسوية.
لطالما وقف حزب الليبراليين ضدّ الاتحاد السوفييتي إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو من المتحمسين للوحدة الأوروبية-الغربية.
كان حزب الليبراليين ولا يزال يؤيد الاستعانة بمصادر الطاقة النووية لتحقيق استقرار في توريدات الطاقة.
كما أنّه شهير تاريخياً بدعمه «لإسرائيل»، ومستمر في ذلك، حيث كان الحزب ساخطاً وهجومياً على قرار الحكومة السويدية الاعتراف بدولة فلسطين في 2014، واعتبرها بأنّها تريد إقامة دولة فلسطين على أنقاض دولة «إسرائيل». وفي 2019 اعتبر بأنّ «لإسرائيل» الحق في إعلان القدس عاصمة لها دون أيّ تحفظ.
الانتقال بين اليمين واليسار
يرى البعض بأنّ حزب الليبراليين كان «يسارياً» في مرحلة ما وتحوّل إلى «اليمين»، بينما يرى آخرون بأنّه وبحكم تركيبته البرجوازية هو وسطي-يميني لا يمكن أن يكون يسارياً، ووقوفه إلى جانب تحالفات يسارية في فترات محددة، كان هدفه تحقيق مكاسب سياسية آنيّة ضيّقة الأفق ليس إلّا.
أمّا الحزب فيقول بأنّه «ليبرالي اجتماعي socialliberalismen» يسعى لنمط عصري من الليبرالية.
يمكننا اللجوء إلى معيار عام: يشير الاصطلاح السياسي عموماً أنّ اليسار يدعو لسلطة أكبر للدولة وتقييد حركة رأس المال والرقابة على الأعمال والشركات، بينما يدعو اليمين إلى التحرر من أيّ سلطة للدولة وترك المجال مفتوحاً لحركة رأس المال، وترك الأعمال والشركات لتنظم نفسها بنفسها تبعاً لقواعد السوق. من هنا يبدو أنّ حزب الليبراليين يميني-وسطي، وقد يكون وسطي-يميني في بعض الأحيان، ولكن ليس يساري بالتأكيد.
من هنا أيضاً يمكن لما قاله المعلّق السياسي البارز توماس رامبيري Tomas Ramberg أن يحسم أمر توجه حزب الليبراليين الحالي، بأنّه وفيّ لجذوره بالعمل لأجل تحرير التجارة... وبأنّ ناخبي الحزب اليوم يرون نفسهم أكثر قرباً من المحافظين منه من اليسار.
بعض سياساتهم
يذكر موقع حزب الليبراليين مبادئهم، إليكم أبرزها:
- يجب تخفيض الضرائب.
- يجب أن تدفع مقابل التعلم في المدرسة، ومقابل افتتاح عمل، ومقابل طلب عمل.
- منح الفرصة للمهاجرين كي يتعلموا السويدية في الوقت ذاته الذي يعملون فيها أو يرعون أطفالهم.
- منح أعمال تمهيدية بسيطة للمهاجرين برواتب أدنى.
- يجب معاقبة جرائم الشرف بشكل قاسٍ.
- يجب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في مسائل مثل المناخ والجريمة واللاجئين.
- يجب مساعدة الأشخاص الذين لديهم إعاقة.
- يجب السماح لكبار السن بالعمل دون قيود.
فضيحة المعلومات السرية
في 2006، حدثت فضيحة مع حزب الليبراليين أدّت لاستقالة سكرتير الحزب يوهان ياكوبسون Johan Jakobsson، حيث تمّ اختراق شبكة الحواسيب الداخلية للحزب، وسرقة معلومات سرية لم يتم كشفها رسمياً، تتحدث عن الهجوم المضاد على مقترحات الاشتراكيين الديمقراطيين السياسية في مرتين على الأقل.
بعد سلسلة من التحقيقات طالت الكثير من أعضاء الحزب، تمّت إدانة شخص واحد فقط، ومراسل صحيفة، وعضو من حزب الاشتراكيين الديمقراطيين.
التعامل مع ديمقراطيو السويد
منذ فترة ليست بالطويلة، كان التعامل مع حزب ديمقراطيو السويد خطاً أحمر لدى معظم الأحزاب السياسية السويدية، ولم يكن حزب الليبراليين استثناء. لكنّ الليبراليين منحوا موافقتهم لرئيسة الحزب نيامكو سابوني Nyamko Sabuni في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، الأمر الذي أثار انقسامات كبيرة داخل الحزب، والمتوقع أن تؤثر بشكل كبير على قاعدة ناخبي الحزب في الانتخابات المقبلة.
كانت سابوني واضحة في أنّ على الليبراليين أن يعملوا لتشكيل حكومة برجوازية ليبرالية، وأن يكونوا قادرين على الحصول على دعم جميع الأحزاب في البرلمان.
«نفاق» وزيرة الاندماج
في 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 2006، شغلت نيامكو سابوني منصب وزيرة الاندماج والمساواة الجنسانية.
أثار تعيينها في حينه حفيظة الكثير من المسلمين بسبب تصريحات سابقة لها تهاجم فيه الحجاب والصلوات الإسلامية. حتّى أنّ المنظمة الإسلامية الأكبر في السويد: رابطة مسلمي السويد، قدمت عريضة تناهض فيها تعيينها.
لكن قد يخطر ببالنا السؤال التالي: ترى سابوني اليوم بأنّ على السويد تشديد شروط الحصول على الجنسية، وأنّ على الحكومة أن تتخذ إجراءات تدفع المهاجرين – وخاصة النساء – لتعلّم اللغة السويدية. حيث قالت سابوني بأنّ الليبراليين يرون بأنّ الحكومة تمنح أولوية لأشياء غير ضرورية مثل الأسبوع الأسري، وهي أمور غير لازمة.
لماذا لم تطبق سابوني هذا الأمر، أو تسعى إليه على الأقل، عندما كانت وزيرة الاندماج؟ ألم تكن اللغة السويدية عندها، أو القيم «الديمقراطية» هامة لإدماج المهاجرين في المجتمع السويدي؟
عند متابعة الأمر عن قرب، يمكن الخروج بسبب واحد منطقي: منذ استلام سابوني رئاسة الحزب في 2019، تهاوت نتائج الحزب الانتخابية من 5.7% إلى 2.8% فقط. والانتقادات تتزايد بأنّهم لا يملكون برامج حقيقية حتّى لأكثر الأشياء التي يدعي الحزب الاهتمام بها، مثل النظام التعليمي.
تفهم سابوني ومؤيدوها في الحزب حقيقة أنّ السياسات «الوسطية» لم تعد تستهوي الناخبين، وبأنّهم ينجذبون بشكل متزايد إلى اليسار أو اليمين. ولأنّ حزب الليبراليين حزب برجوازي بهيكله، فمن الطبيعي أن يحاول الانزياح ناحية اليمين المتصاعد.
يأمل من بقي من حزب الليبراليين بأن يجد له مكاناً أبرز في تحالف اليمين، الأمر الذي كان واضحاً منذ انسحاب الحزب من اتفاقية يناير في يونيو/حزيران الماضي. وحتّى تجد لها مكاناً في هذا التحالف اليميني، فدعوات يمينية يجب أن تؤخذ بالاعتبار.
سيساعد تاريخ سابوني المناهض للمسلمين بلا شك، لكن هل سيكفي هذا للإبقاء على حزب الليبراليين داخل البرلمان في الانتخابات المقبلة؟ ماذا عن «الليبرالية الاجتماعية» والبقاء في الوسط بين اليمين واليسار؟ هل يمكن لحزب الليبراليين الادعاء بذلك بعد الآن؟
علينا الانتظار لنرى...