خصوبة الرجال أزمة جديدة تلوح في الأفق… والباحثون يرجحون هذه العوامل

أظهرت دراسات حديثة أن جودة الحيوانات المنوية لدى الرجال حول العالم، آخذة بالانخفاض. وقد أكّد العديد من الأطباء أنه يُمكن معالجة الكثير من مشاكل الخصوبة لدى النساء اللاتي تعانين من حالات معينة، مثل تكيّس المبيضين، إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على الرجال الذين يعانون من مشاكل الخصوبة، إذ غالباً ما يكون علاجها شبه مستحيل.

تجدر الإشارة إلى أن العقم عند الرجال يُشكل حوالي نصف حالات العقم في العالم، إذ يُصيب نسبة تصل إلى 7% من الذكور، إلا أن مناقشة هذه القضايا لا تحظى باهتمام واسع، الأمر الذي يُمكن إرجاعه للمحظورات الاجتماعية والثقافية.

هذا وتُظهر نتائج الأبحاث أن مشكلة العقم آخذة بالازدياد، وقد ثبت أن التلوث يُعتبر من أكبر العوامل التي تؤثر على خصوبة الرجال وجودة الحيوانات المنوية لديهم، الأمر الذي يترتب عليه العديد من العواقب التي من شأنها أن تؤثر على الأفراد والمجتمعات على حد سواء.

ازدياد حالات العقم في العالم

وصل عدد سكان العالم في عام 2022 إلى 8 مليار، إلا أن معدل النمو السكاني تباطأ بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن انخفاض معدلات المواليد بشكل حاد في جميع أنحاء العالم. ومن الجدير بالذكر أن أكثر من 50% من سكان العالم يعيشون في بلدان يُعتبر معدل الخصوبة فيها منخفضاً، إضافةً إلى تزامن انخفاض معدلات المواليد مع تغيرات عديدة، تتمثل في زيادة الاستقلال المالي للمرأة، وسيطرتها على صحتها الإنجابية.

هذا وأظهرت الأبحاث أن الأزواج الذين يعيشون في دول ذات معدلات خصوبة منخفضة، يرغبون في إنجاب المزيد من الأطفال، إلا أن اتخاذهم قراراً مثل هذا قد يتأخر بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية. هذا وتشهد الخصوبة انخفاضاً يعود لأسباب أخرى، مثل انخفاض قدرة الفرد الجنسية، وانخفاض عدد الحيوانات المنوية لديه، إضافةً إلى انخفاض مستويات التستوستيرون وضعف الانتصاب والإصابة بسرطان الخصية.

خلايا متخصصة

قالت الباحثة العيادية في الطب التناسلي في جامعة داندي، و أخصائية أمراض النساء، سارة مارتينز دا سيلفا، إنه يُمكن للحيوانات المنوية البقاء على قيد الحياة خارج الجسم، نظراً لكونها خلايا متخصصة بشكل غير اعتيادي. مشيرةً إلى أنه قد يكون للتغيرات تأثير كبير على قدرة هذه الخلايا في تخصيب البويضة.

تجدر الإشارة إلى أنه يتم فحص الخصوبة عند الرجال بالنظر لجوانب محددة تتمثل في شكل وحجم الحيوانات المنوية، إضافةً إلى عددها، ومن ثم قدرتها على الحركة بكفاءة. وفي هذا الصدد، يقول أستاذ علم الأوبئة في الجامعة العبرية في القدس The Hebrew University، هاجاي ليفين، إن مشاكل الخصوبة تظهر بشكل عام عندما يكون عدد الحيوانات المنوية أقل من 40 مليون لكل مليلتر. ويُشير ليفين إلى أن انخفاض عدد الحيوانات المنوية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بانخفاض الخصوبة، إلا أن زيادة عددها لا يعني بالضرورة تخصيباً أعلى.

هذا وأظهرت دراسة نشرها ليفين عام 2022 أن عدد الحيوانات المنوية كان ينخفض سنوياً بمعدل 1.2%، بين عامي 1973 و2018، حيث تراجع عددها من 104 مليون إلى 40 مليون لكل مليلتر، كما أن معدل التراجع سجل تراجعاً سنوياً منذ عام 2006، يُقدر بـ 2.6%.  وقد أرجع ليفين الأمر إلى عدة أسباب منها التغير في طريقة عمل الجينات نتيجة العوامل البيئية أو نمط الحياة الحديث.

توصلت الدراسة أيضاً إلى أن عوامل مثل الوراثة الوراثة اللاجنية تلعبان دوراً مهماً في العقم عند الذكور، كما تُشير الأدلة إلى أنه يُمكن للأجيال توارث تغير طريقة عمل الجينات عبر السنين. وفي هذا السياق، يقول ليفين إن انخفاض عدد الحيوانات المنوية يُشير إلى انخفاض صحة الرجال بشكل عام، وهو أمر لم يتم التوصل إلى كيفية عكسه بعد.

ارتفاع نسبة السموم في المنازل

قامت الأستاذة المساعدة والباحثة البيطرية في جامعة نوتنغهام  University of Tottingham في المملكة المتحدة، ريبيكا بلانشارد، بدراسة تأثير المواد الكيميائية في المنازل على صحة الذكور الإنجابية، حيث توصلت إلى أن هذه المواد الكيميائية تعمل على تعطيل الأنظمة الهرمونية لدى الأشخاص بشكل عام، وتضر بخصوبة الرجال بشكل خاص، إذ تؤدي إلى تفكك الحمض النووي للحيوانات المنوية، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة حالات الإجهاض.

التغير المناخي والسلوكيات الضارة

تشير العديد من الدراسات، التي أُجريت على الحيوانات، إلى أن الحيوانات المنوية تتأثر بشكل خاص بارتفاع درجات الحرارة، سواء كان ذلك بسبب الاحتباس الحراري أو بيئة العمل الحارة. هذا ويمكن أن تضر السلوكيات الفردية الخاطئة، مثل النظام الغذائي السيء وأنماط الحياة التي تتسم بقلة الحركة، وتناول المشروبات الكحولية وتعاطي المخدرات، بالخصوبة أيضاً.

يُذكر أن العقود الأخيرة شهدت تحولاً جوهرياً في رغبة الرجال أن يُصبحوا آباء، متناسين عامل العمر الذي يُمثل مشكلةً بالنسبة للخصوبة، فقد أكدت الدراسات الحديثة أن تقدم الرجل بالعمر يترتب عليه انخفاض جودة الحيوانات المنوية لديه وانخفاض الخصوبة.

معالجة المشكلة

قد يكون لممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي آثار إيجابية في تحسين جودة الحيوانات المنوية، وبدورها، توصي الباحثة البيطرية، بلانشارد، بتناول الأطعمة العضوية، واختيار المواد البلاستيكية الخالية من الـ بيسفينول A، وهي مادة كيميائية تؤثر بشكل مباشر على الخصوبة لدى كل من الرجال والنساء.