التقت منصة أكتر الشيخ تاج الدين الفرفور أستاذ الفقه الحنفي ومسؤول شؤون العرب واللغة العربية في الأكاديمية الإسلامية في السويد - فرع مالمو-، وطرحت عليه مجموعة من الأسئلة التي تهم المسلمين في السويد، وأبرزها تلك التي تتعلق بصيام الأطفال ودخول الشهر ومواعيد الصيام والفجر وأوقات الصلاة المختلفة في أوروبا، وأخيراً مدى صحة الامتثال إلى إرشادات الأطباء الأجانب بوجوب عدم الصيام عند بعض المرضى. وفيما يلي الإجابة على هذه الأسئلة:الشيخ تاج الدين الفرفور أستاذ الفقه الحنفي ومسؤول شؤون العرب واللغة العربية في الأكاديمية الإسلامية في السويدهل يجب أن يصوم أطفالنا؟بدايةً لا بد لنا من التوضيح بأننا كمسلمين في هذه البلاد لنا حقوق وعلينا واجبات ، ومن هذه الحقوق حق التدين والصيام وغير ذلك ، والصيام فرض على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم. ولذلك فصيام الأطفال يُستحب عند السادة الفقهاء ، وعندما نقول الفقهاء فالمقصود أئمة وعلماء المذاهب الفقهية الأربعة المعتمدة المعتبرة ،الذين اتفقوا على أن مصادر التشريع أربعة وهي (القرآن الكريم والسُنة النبوية والإجماع و القياس) وقد استحبوا تدريب الطفل على الصيام منذ صغره تدريجياً ،بعيداً عن وسائل الإكراه والترهيب ، لأن الصيام وإن كان مستحباً لا يجب أن يحصل بالإكراه. مع الأخذ بعين الاعتبار قدرة الطفل على الصيام ووضعه الجسدي والنفسي ، فالأمر هنا يجب أن يحصل بالإقناع والترغيب خاصة إذا كان الطفل قادراً على تحمل الصيام. الرؤية البصرية مقابل الحساب الفلكي لهلال رمضان: أيهما أصح؟ الخلاف في هذه المسألة خلافٌ معتبر، والقولان صحيحان . ولا إنكار في المختلف فيه إن كان معتبرًا . هنا يوجد فريقان من العلماء ، الأول هو جمهور العلماء (قول الأكثرية)، والجمهور هنا هم السادة الحنفية والمالكية والحنابلة الذين قالوا بأن الحكم الشرعي في هذه المسألة هي الرؤيا البصرية بالعين المجردة، وقد وصلوا لهذا الحكم من خلال النصوص الشرعية وعبر أدوات الاجتهاد والاستنباط المعمول بها عندهم، أما الفريق الآخر (السادة الشافعية) فالقول عندهم أنه في هذه المسألة وغيرها من مسائل الأوقات يجوز العمل بالحساب الفلكي ، وهؤلاء أيضاً لديهم نصوصهم الشرعية المعتبرة وفق أدوات اجتهادهم وفهمهم للنص.ولذلك أتمنى على الإخوة في المجامع الأوروبية المسلمة أن يكون لديهم مرصد خاص بأوروبا يرصد الهلال، حيث تكون مهمة هذا المرصد التوفيق والجمع بين الحساب الفلكي والرؤية الشرعية ، فعلى اعتبار أن الحساب الفلكي دقيق جداً فإنه سيوافق الرؤية، لكن نعود ونقول إن هذا الخلاف خلاف معتبر ولا انكار في المعتبر فيه ؛ ولايجوز لطرف أن يبدّع أويفسق أو ينكر على الطرف الآخر كما يحصل في واقعنا اليوم من فوضى لدى البعض وعدم احترام أدب الخلاف ، واستدامة ذلك ستوصلنا بلا شك للتفرقة والبغضاء والكراهية ، وهو عكس ما كان عليه الصحابة الكرام وأئمتنا رضوان الله تعالى عنهم ، فمع اختلافهم في المسائل الفرعية الاجتهادية ،إلا أنهم كانوا يكنون لبعضهم كل الاحترام والتقدير، ويتعاملون مع هذا الخلاف في المسائل بأسلوب علمي منهجي موضوعي حضاري.ونحن في الأكاديمية مثلاً منهجنا العلمي قائم على المذهب الحنفي ،الذي يعتمد الرؤية الشرعية، لكن مع ذلك لاحظنا أن أكثر المساجد من حولنا أخذت بالحساب الفلكي، فيمكن لنا أن نحذو حذوهم، ما المشكلة في ذلك؟ طالما أنهم أخذوا بقول معتبر في مذهب من المذاهب الأربعة ولم يخرجوا عنها ، خاصة أن الحساب الفلكي يسهل على المسلمين الكثير من الأمور في هذه البلاد القائمة على تنظيم المواعيد المدروسة والمسبقة ، كتحديد الإجازات والعطل والحفلات وغير ذلك ، لذلك فالأكاديمية الإسلامية قررت اتباع الحساب الفلكي، والمسلم إذا صام على الرؤية أو الحساب فصيامه مقبول إن شاء الله.مواعيد الإفطار والسحور أحياناً ما تكون صعبة بين الشمال والجنوب.. وهناك أشخاص يعيشون في أماكن نائية ولا يستطيعون الوصول إلى مصلى فهل يستطيع الناس اعتماد البرامج المتاحة إلكترونياً لتحديد المواعيد بدقة؟ يستطيع المسلم تقليد أو اتباع أقرب مركز تتوفر لديه الامساكيات والأوقات المدروسة. أما في حال تعذر وجود مركز قريب يمكن للمرء الذي تتوفر فيه المقومات الشرعية والفلكية أن يجتهد ويحسب ، أو يسأل أهل العلم كي يحسبوا له الدرجة في المنطقة التي يسكن فيها اذا غابت العلامات ، مع مراعات الاحتياط، فلا بد أن يكون المرء محتاطاً قدر الإمكان ولا يعتمد على امساكيات مجهولة المصدر كالبرامج الإلكترونية المتاحة المجهولة ، هذا أمر هام جداً، يجب أن يطمئن للجهة التي أصدرت هذه الامساكية ويتأكد أنها بنيت على أسس علمية صحيحة.أحياناً بعض المسلمين الذين يعانون من أمراض معينة يذهبون إلى طبيب أجنبي أو غير مسلم، وقد ينصحهم بعدم الصيام، هل يجب الأخذ بهذا الكلام؟المنصوص فيه عند السادة الفقهاء أن مرد هذا الأمر إلى طبيب مسلم ثقة عدل. فإذا ما سأل المسلم أحد الفقهاء عن حالة صحية خاصة يحيله الفقيه إلى طبيب مسلم موثوق ، ومعنى ذلك أن الحكم الشرعي يقرره الطبيب . وهذا الطبيب يجب أن يمتاز بأمرين الأول هو التشخيص الطبي للمريض أو مايسمى بالقصة السريرية أي اختصاصه الطبي ،والثاني هي درايته بالفرائض الشرعية وأهميتها ، لأنه هو من سيصدر الحكم الفقهي لهذا المريض. فإن تعذر وجوده يستطيع المريض في هذه الحالة الأخذ بكلام طبيب أجنبي مع استشارة طبيب مسلم يدرك الأمور الشرعية ، والاستشارة في هذه الأيام ليست بالأمر الصعب إذ يمكن أن تتم عبر الهاتف أو عبر أي وسيلة أخرى ممكنة. هل يمكن توجيه نصائح أخيرة للمسلمين في السويد؟ رمضان فرصة ذهبية لكل مسلم أن يصبح من أولياء الله كما أخبرنا الله جل جلاله في كتابه الكريم ويمكن استثمار هذه الفرصة عبر عدة أمور. أولها الإحساس والشعور بالناس المكلومة المكسورة التي لا تملك ما تأكله وتطعم به صغارها في ظل الأزمات من خلال جبر خواطرهم ومساعدتهم وإكرامهم والتقرب بخدمتهم إلى الله عزوجل . والأمر الثاني يتعلق بالتدرب على لجم الغضب وكظم الغيظ وتحديداً أثناء الصيام، كما أخبرنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ((الصيامُ جُنَّةٌ ، فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ)) فهذا الأمر مهم جداً خاصةً في بلد مثل السويد. والأمر الثالث هو العفو عن الآخرين لأن ذلك دليل على قوة الإنسان ومكانته كبيرة، فكما يقال: "العفو من شيم الكبار". في حين ترتبط النصيحة الأخيرة بالإحسان للآخرين وخاصةً في رمضان، فرمضان شهر الإحسان ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) وأخيراً فإن الله أكرمنا في رمضان بليلة القدر، فإذا ما وصل فيها العبد حبله بحبل الله عز وجل وصلّى وقام،وبكى وذكر الله وناجاه يكون كما لو أنه عبد الله 83 سنة. مصداقًا لقوله سبحانه وتعالى "ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر". فلنجعلها ليلة الصلح مع الله وباب الله عز وجل مفتوح لكل من توجه إليه.