أخبار السويد

ذهب السويد": الثقة تتقلص بسبب المهاجرين.. كذبة يجب الرد عليها

ذهب السويد": الثقة تتقلص بسبب المهاجرين.. كذبة يجب الرد عليها image

عروة درويش

أخر تحديث

Aa

المهاجرين

Foto: Marcus Ericsson/TT

أصبحت الأحاديث التي يقولها اليمينيون المتطرفون، عن كون أعداد المهاجرين والهجرة في السويد تقلل الثقة، سواء بين السويديين أنفسهم، أو الثقة بالمؤسسات العامة والخاصة، أمراً مطروقاً ومكرراً لدرجة تحوّله إلى "واقع" لا يناقشونه في خطاباتهم أو أحاديثهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن هذا الأمر كذبة، وتستدعي الردّ عليها دون شك.

يحفزني لكتابة هذا المقال والتواصل مع الخبراء بشأنه، ما كتبته السياسية السويدية  أليس تيودوريسكو Alice Teodorescu مؤخراً عن "تلاشي الثقة" باعتبارها "ذهب السويد". طبعاً تعتبر تيودوريسكو بأنّ عمليات إطلاق النار والتفجيرات الأخيرة هي فقط الجزء الذي تبيّن من المشكلة الأعمق، وأنّ التنوّع العرقي والمهاجرين يهددون الأمن السويدي، وكذلك الثقة السويدية بالديمقراطية.

ورغم الكثير من الكلمات المربكة، فتيودوريسكو تعبّر عن تيار حيّ ويصبح أحياناً أقوى في السويد: السويد دولة منفتحة، والمهاجرون يهددون هذا الانفتاح فتتقلص الثقة بالسويد.

بوتنام والكلمة التي أريد بها باطل

تواصلتُ مع البروفسورة يينا غوستافسون Gina Gustavsson من جامعة أوبسالا، والتي سأورد اللقاء معها في مقال منفصل نظراً لأهميته الشديدة. ولكنّ رأي البروفسورة عموماً في هذه الدعايات هو أنّها كاذبة. تقول غوستافسون بأنّ هذا الخطاب يعتمد على ما أطلقت عليه تسمية "مخلفات بوتنام"، ولا يقوم حقيقة على المعرفة والعلم.

روبرت بوتنام Robert Putnam هو عالم سياسية أمريكي اعتمد في شهرته على الإعلام غير البريء والمناهض للمهاجرين أكثر ممّا اعتمد في ذلك على الدراسات الحقيقية.

تشرح غوستافسون بأنّ بوتنام أصبح شهيراً في السويد بعد خطابه في جامعة أوبسالا عام 2006، عندما صدم الجميع في خطابه الذي يعتمد على بيانات ضعيفة ولا تصلح للاعتماد عليها، وقال بأنّ "التنوّع يؤدي إلى تآكل الثقة، وبالتالي يعرّض الديمقراطية للخطر".

تقول غوستافسون بأنّ خطاب بوتنام في أوبسالا أصبح أحد أكثر النصوص استشهاداً في العلوم السياسية، وليس السبب أنّ نظريته تصلح لتعبّر عن الواقع، بل على العكس من ذلك، بل لأنّ هناك بالفعل حالة من الخلاف حول المسألة، ويمكن للبعض الاستفادة من هذه الكلمات.

السخرية أنّ السويد مثال يستشهد به!

ربّما ممّا يثير السخرية أنّ مؤتمراً عُقد في شهر فبراير في جامعة أوكسفورد Oxford University  في بريطانيا حول الديمقراطية، خرج بنتائج مخالفة تماماً لما يدعيه اليمينيون المتطرفون السويديون. حيث أنّ الباحثين المشاركين استعانوا بالعديد من الدراسات التي أظهرت بأنّ التنوّع لا يقلل بشكل منهجي من الثقة على الإطلاق. ولكن كما قلت، فما يثير السخرية أنّ الباحثين في المؤتمر استشهدوا بالتنوع الموجود في السويد للاستدلال على صحة الديمقراطية، وعلى كونها مثالاً مضاداً لما يقوله بوتنام.

تقول غوستافسون تعقيباً على ذلك، بأنّ الثقة الاجتماعية الأدنى في السويد ليست لدى المهاجرين أو في الأماكن التي يشكل فيها المهاجرون نسبة مرتفعة، بل إنّ انعدام الثقة منتشرٌ بشكل كبير بين ناخبي الحزب اليميني المتطرف: "ديمقراطيو السويد SD".

الأمر الآخر الذي يجب أن يثير الاستغراب، أنّ أزمة الثقة في السويد هي أزمة الاعتقاد بغياب الثقة، وليس غيابها الفعلي. ففي مؤشر مؤسسة mchs يظهر أنّ نسب الثقة في السويد لدى الغالبية العظمى هي ذاتها كما كانت من قبل ولم تتغيّر، ولكن الذي تغيّر هو أنّ 98٪ من الذين تمّ استطلاعهم لديهم مخاوف من أنّ الثقة بالمجتمع في طريقة إلى الانخفاض. 

لكن وبعيداً عن المؤشر، لا يمكننا أن ننكر أنّ الثقة بالمجتمع وبالمؤسسات العامة، الديمقراطية والبيروقراطية، باتت أقل في الكثير من الأماكن، وخاصة في الأماكن التي يتمّ تصنيفها مهمشة وضعيفة. وجميعنا نعلم أنّ المهاجرين يسكنون هذه المناطق أكثر من غيرهم. لكن نعود إلى التقرير البحثي الحديث لـ SÖREN HOLMBERG، فالثقة الأدنى ليست بين هؤلاء، بل بين ناخبي الحزب اليميني المتطرف.

الاصطياد في الماء العكر

يروّج الكثيرون إلى أنّ حملات التضليل التي طالت السويد بسبب موقف الكثير من المهاجرين من قانون الرعاية القسرية LVU، وما سمي عالمياً بقضيّة "رعاية الأطفال قسراً عن عائلاتهم"، هي دليل على انخفاض الثقة في المجتمع السويدي. وكذلك الأمر بما سمي أيضاً بقضيّة "حرق القرآن".

يمكن هنا للسياسيين أن يعتبروها دليلاً على عدم إيمان المهاجرين بالمؤسسات الديمقراطية والبيروقراطية السويدية، وعندها نكون نصطاد بالماء العكر ولا يهمنا إلا تسجيل نقاط انتخابية، ويمكن أن فهم الظاهرة، وأن نبحث عن المحرضين في الخارج، وعندها نكون ممّن يبحث عن حلّ للمشكلة.

كما اتضح في أكثر من مقال نشرناه على منصّتنا (مثال: من يهدد قيم التحرر في السويد)، فالحملة ضدّ السوسيال لم تنبع من السويد، رغم استغلال البعض من الخارج لعوائل من المهاجرين في السويد. إنّ هذه الحملة خطيرة، ولكن هل تعبّر حقاً عن نقصٍ عامٍ في الثقة؟

تشرح غوستافسون الفرق بين الثقة بالمجتمع الديمقراطي، والثقة بالحكومة ومؤسسات السلطة. فكما تقول، أثبتت الدراسات أنّ الثقة بالحكومة ومؤسسات السلطة أعلى في الأنظمة الاستبدادية منها في جميع الأنظمة الديمقراطية. الأمر الآخر أنّ الثقة الزائدة عن حدّها في الحكومة ومؤسسات السلطة قد تؤدي إلى السماح بالانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، كما حدث في الأربعينيات من القرن الماضي في السويد في تجارب فيبهولم Vipeholmsexperimenten.

في الختام..

أن تشك وتحاول محاسبة المسؤولين الديمقراطيين لا يعني بأنّ الثقة في المجتمع قد قلّت، والكتاب الذي أوصت فيه غوستافسون خير دليل على ذلك "In Praise of Skepticism".

لكن على السياسيين من أصل عربي ومهاجر عموماً، الذين يجادلون ويواجهون اليمينيين المتطرفين، أن يدركوا ذلك، والأهم أن يدركوا بأنّ الثقة الأقل هي بين مجموعات ناخبي الأحزاب اليمينية. هذا أمر يستحق أن يُذكر إذا ما أردنا عدم السماح لسياسيين لا يحبون الوقائع العلمية أن يحتلوا الساحة.

على المجتمع المهاجر أن يثبت إيمانه بالديمقراطية، وعبر الديمقراطية أن يحاول الرد على الاتهامات الجاهزة. ربّما لن يعني هذا حلحلة الأمور وإقناع اليمينيين، فهؤلاء أسباب عدم اقتناعهم أكبر من مسألة المهاجرين، وتعود إلى أسباب اقتصادية اجتماعية يصعب البحث بها في مقال واحد.

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - أخبار السويد

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©