دليل أكتر

رمضان في السويد بين الماضي والحاضر

Aa

رمضان في السويد بين الماضي والحاضر

رمضان في السويد بين الماضي والحاضر

كيف عاش المسلمون طقوس رمضان في السويد قبل ثلاثين أو أربعين عاماً، وكيف تفاعل السويديون في ذلك الحين مع طقوس دينٍ لا يعرفون عنه الكثير؟ تلك أسئلة طرحناها على بعض أبناء الجالية العربية المسلمة ممن عاشوا في السويد زمناً طويلاً. ومن ضمن هؤلاء قابلنا الشيخ سعيد عزام رئيس مجلس الإفتاء في السويد الذي درس البكالوريوس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وأكمل الماجستير في الجامعة الأردنية في كلية الشريعة، لينتقل بعد ذلك إلى السويد عام 1991 ويستقر فيها. وخلال سنوات إقامته عمل مع رابطة العالم الإسلامي إلى جانب كونه إماماً في مالمو منذ ذلك الوقت، ويمتلك مكتباً للاستشارات العائلية في مالمو.

وفق كلام الإمام سعيد وذكرياته، مرّ رمضان بمراحل مختلفة في السويد على امتداد السنوات التي عاشها هو هنا منذ وصوله في بداية التسعينات.  لم تكن المنتجات الحلال متوفرة، وكان المسلمون يذهبون إلى الدانمارك أحياناً للحصول على الدجاج والمرتديلا وأنواع أخرى من اللحوم الحلال. وحتى متاجر الخضار المفرزة كانت قليلة ونادرة الوجود وفق ما يتذكر.

سعيد عزام رئيس مجلس الإفتاء في السويد

يضيف الشيخ عزام أيضاً أن القادمين الجدد من الجاليات العربية أو المسلمة كانوا يعرفون بعضهم بعضاً ويتبادلون الزيارات ويحتفلون سوياً، كما أن الدولة في ذلك الوقت رحبت بهم كقادمين جدد. لكن لم يكن هناك دعم لبناء المساجد، وكانت الأقبية التي يمارس فيها المسلمون طقوسهم تحت الأرض وفي أماكن رطبة وغير مهيئة بشكل جيد.

ومن جهتهم كان أفراد الجالية المسلمة يواجهون تحديات تتعلق بمقدرتهم على ممارسة شعائرهم وطقوسهم في جغرافيا وبيئة جديدة. فـ إبان وصوله إلى السويد صدف أن يكون رمضان في الصيف ما يعني أن ساعات الصيام كانت طويلة ومتعبة. من خبرته، لم يشعر الشيخ سعيد بأن نظرة السويديين إلى المسلمين الصائمين كانت نظرة عدائية أو عنصرية في ذلك الوقت، "بدلاً من ذلك كانوا يشفقون علينا ويتساءلون إذا ما كنا سنحتمل البقاء دون طعام أو ماء دون أن نسقط مغشياً علينا" يقول مستذكراً انطباعات السويديين عن صيام المسلمين.

ومع انتشار الفضائيات بدأ الناس يركّبون شبكات البث الهوائي (الدش). "فكان المسلمون يقولون إن أردت أن تعرف اتجاه القبلة أنظر إلى اتجاه الدش" يعلّق الشيخ سعيد ضاحكاً. إلى جانب ذلك، لعبت الفضائيات في ذلك الوقت دوراً مهماً في تقريب المهاجرين من مجتمعهم العربي والإسلامي، حتى وإن كان ذلك على صعيد المسلسلات والبرامج التي يمكن لهم متابعتها عن بعد، كما يقول. 

الفضائيات والتلفزيونات نفسها هي التي نقلت أيضاً مشاهد الهجوم على برجي التجارة العالميين في 11 سبتمبر التي شاهدها الشيخ سعيد غير مصدقٍ. وبدءاً من ذلك التاريخ استفاق المسلمون في أوروبا على واقع جديد، غيّر نظرة الآخر لهم. وكان الشيخ سعيد من بين الكثيرين الذين لمسوا تنامي "فوبيا الإسلام" التي تحولت في بعض المواضع كما يقول إلى كراهية تتجاوز القلق والتوجس.

FITTJA MOSKÉ
Foto Jonas Ekströmer/TT

يقول الشيخ سعيد أن ما يقلقه اليوم ويجعله يدق ناقوس الخطر هو أن الجيل الجديد من المسلمين الشباب الذين ولدوا وعاشوا في السويد يعانون وبصورة متزايدة من مشاكل في الهوية والانتماء، والبعض منهم ورغم تحدثه السويدية بطلاقة ونشأته في السويد يقول: "أنا لا أشعر بنفسي سويدياً". والسبب في ذلك شعوره بالتمييز لكونه مسلماً. ويضيف السيد سعيد أن غربة جيله من المهاجرين القدماء كانت مفهومة في حينها لأن قلوبهم وعقولهم ظلت في البلدان التي تركوها خلفهم، لكن الاغتراب الذي يعيشه الجيل المسلم الشاب اليوم خطير لأن هؤلاء لم يعرفوا بلداً غير السويد ومع ذلك هم لا يشعرون بأنها تحتضنهم بما يكفي.

FotoTomas Oneborg/SvD/TT

وفيما يتعلق بالإجراءات التي يتخذها النظام السويدي من أجل رمضان وضمان ممارسة المسلمين لشعائرهم في هذا الشهر الفضيل، يقول الشيخ سعيد أنه لا بد من الاعتراف هنا أن السويد في المحصلة بلد لا ديني وعلماني يفصل سياساته عن الدين. "جل ما نطالبهم به كمسلمين هو التهنئة بقدوم الشهر الفضيل، وهم أحياناً يقومون بها وفي أحيان أخرى يتجاهلونها". فمن وجهة نظر السويديين الإلحاد انتشر والصلة مع الكنيسة نفسها كمؤسسة دينية تتراجع يوماً بعد يوم بعدما تم فك الارتباط معها عام 2008، وبالتالي هذا لا يتعلق بالمسلمين فقط. "أحياناً يجمعنا إفطار مع رئيسة بلدية أو سياسي من أحد الأحزاب كخطوة منهم للتقارب من المسلمين الذين باتوا جزءاً من المجتمع السويدي، لكن حتى هذه المبادرات كثيراً ما تتم على نطاق ضيق وفي غرف مغلقة" يعلق الشيخ سعيد.

otoHeiko Junge

يضيف رئيس مجلس الإفتاء مستكملاً فكرته: "ما ضير في أن تهنئ الحكومة المسلمين بقدوم رمضان؟ أو يتم إضاءة هلال للاحتفال بهذا الشهر على غرار الأيقونات التي يتم إضاءتها في الميلاد وغيره من الأعياد؟". ويضيف بأنه اليوم بات هناك مليون مسلم في السويد وهذا عدد لا يجب الاستهانة به.

في ظل هذا التجاهل الحكومي أو المؤسساتي يتزايد هنا دور الأسرة في إحياء طقوس رمضان ونقلها للجيل الجديد. يتحدث الشيخ سعيد هنا عن محاولات الأسرة تعزيز مشاعر الاحتفال والاعتزاز برمضان ويذكر مثالاً على ذلك جلب زوجته لأغراض زينة وفوانيس تتعلق برمضان من الأردن ليتم تعليقها في المنزل كرسالة لداخل البيت وخارجه تؤكد الفرح والاحتفال بهذا الشهر. وهنا ينتقل الشيخ سعيد للتشديد على ضرورة الاستعداد النفسي والجسدي لشهر رمضان بحيث يكون المسلم قادراً على أداء عمله بدلاً من تصدير الشعور الدائم بالتعب والعطش ونقص النوم والنشاط، مما يرسم صورة سلبية عن الشهر الفضيل. فلبناء صورة إيجابية لشهر رمضان أمام الأبناء يجب تعزيز الجانب المضيء من طقوس هذا الشهر، كتحضير الأطباق الخاصة التي تقدم فيه، أو تشجيع الأطفال الصغار على الصوم عدة ساعات فقط، حسب مقدرتهم ومن ثم مكافئتهم والاحتفال بهم.

وفي الختام يشجع الشيخ سعيد المسلمين على تنفيذ مبادرات بسيطة لنشر صورة إيجابية عن شهر رمضان كأن تقوم المساجد بتقديم وجبات طعام بسيطة للمتشردين أو الفقراء حتى وإن كانوا غير مسلمين، أو أن تبادر العائلة المسلمة بتقديم شيء من أطباقها إلى الجيران بمناسبة شهر رمضان على غرار ما يفعل الناس في رمضان في المجتمعات العربية.  

FotoTomas Oneborg/SvD/TT
أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - دليل أكتر

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©