سارة سدر.. صوت فلسطيني من قلب السويد في زمن الأزمات
 image

لجين الحفار

null دقائق قراءة|

أخر تحديث

سارة سدر.. صوت فلسطيني من قلب السويد في زمن الأزمات

منوعات

Aa

صوت فلسطيني من قلب السويد

سارة سدر.. صوت فلسطيني من قلب السويد في زمن الأزمات

تحتضن السويد قصصاً متعددة الأوجه لمهاجرين حملوا معهم ليس فقط أحلامهم، وإنما هوياتهم وقضايا بلدانهم. ومن هؤلاء، سيدة فلسطينية غادرت أرض الوطن إلى السويد، محملةً بقلبٍ ينبض بحب فلسطين وعينان تبصران المستقبل في السويد.

تشغل السيدة سارة سدر موقعاً ريادياً في التعليم، معلمة للغة العربية في المدارس السويدية، وصاحبة لشركة سياحية، وهي تجسد مزيجاً بين الاندماج والحفاظ على الهوية الأصلية. ومنذ العام 2016، تساهم سارة في نقل اللغة والثقافة العربية لطلابها في بلدية "ساتر"، ما يعكس أهمية التعددية الثقافية في المجتمعات الحديثة.

وفي الوقت الذي يتسم فيه العالم بالتقلبات، وتتأرجح فيه الأوضاع في غزة ما بين الأمل والألم، اختارت هذه المعلمة تعليق الأنشطة الترفيهية لشركتها السياحية. ليس هذا فحسب، بل وجدت نفسها، مثقلةً بالهموم، بعد القصف الذي طال المشفى المعمداني في غزة، وهو ما دفعها لأخذ إجازة مرضية استمرت أسبوعاً، لتجد نفسها أمام رحابة صدر وتفهم من إدارة المدرسة التي عرضت عليها مساعدة نفسية وإجازة أطول.

وتتناول السيدة في حديثها إلى منصة "أكتر" كيف أن موقفها الداعم للقضية الفلسطينية لم يواجه بأي معارضة أو مضايقات، ولكنها تلفت النظر إلى حالة الصمت الذي يلف زملاءها حول القضية، وكأن الأمر بعيد كل البعد عنهم. وتتسم روح التعاطف التي يظهرها زملاء العمل بالحذر والهدوء، لكن السيدة تفضل الانسحاب لتركهم يستمتعون بأوقات استراحتهم، ولتحافظ على حريتهم الشخصية.

Foto TT
تظاهرة من أجل فلسطين في السويد

الحراك السلمي: صوت الضمير في وجه الصراع والعنصرية

وفي معترك الحياة السياسية، تبرز المظاهرات السلمية كأداة مدنية فاعلة، تعكس وجه الشعوب الحضارية في تعبيرها عن آرائها ومواقفها. في هذا السياق، تقول سارة لأكتر: "أقف أنا، معلمة وصاحبة شركة سياحة فلسطينية مقيمة في السويد، لأبرز أهمية هذا النوع من الحراك المدني الذي يمثل الطريقة الأمثل للضغط نحو إحقاق الحق ووقف جرائم الحرب". وتتابع: "يعيش في غزة أكثر من مليوني إنسان، نصفهم دون سن الثامنة عشرة، يعانون ويلات الحصار والعدوان. في السويد، تمثل المظاهرات المرخصة التي تحميها الشرطة المحلية منبراً لتسليط الضوء على ما يجري في الشرق الأوسط، وإعلام الرأي العام السويدي جوانب الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الذي قد يغيب عن كثير منهم".

"ورغم الخوف الذي ينتاب الجالية العربية هنا في السويد بسبب التصريحات العنصرية من بعض رؤساء الأحزاب، والإشاعات التي توحي بمخاطر الترحيل أو فقدان العمل لمجرد المشاركة في الاعتصامات السلمية، أؤكد أن هذه معلومات مضللة لا تستند إلى حقائق. في زمن تكميم الأفواه الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نواجه تنبيهات وتهديدات بإغلاق حساباتنا على منصات مثل فيسبوك وتيك توك وانستجرام، لا يزال الصوت الحر يعلو".

كما أنها أشادت بالآلاف من العرب والسويديين وأفراد الجاليات الأخرى الذين يقفون جنباً إلى جنب في مظاهرات سلمية تجوب شوارع السويد، تنديداً بالإبادة الجماعية والعقاب الجماعي الذي يطال أكثر من مليوني إنسان في غزة. وتود أن تطمئن الجميع، الشرطة السويدية تتعاون بشكل مثمر مع المنظمين، وتحافظ على النظام وتحمي المتظاهرين، ما يجعل المظاهرات السلمية في السويد نموذجاً يحتذى به في كيفية إدارة الاحتجاجات المدنية.

وتضيف: "إن الوقوف ضد الظلم ومشاركة الحقائق، رغم كل التحديات، هو ما يعرف الشخصية الحقيقية لمجتمعاتنا. وعليه، أدعو كل حر ضمير إلى الانخراط في هذا النضال السلمي، ليس فقط من أجل فلسطين، ولكن من أجل كل قضية عادلة في عالمنا هذا".
 

Foto TT
مظاهرة بالسيارات في السويد

من السويد إلى فلسطين: صرخة حراك لا تخبو

ومن رحم المعاناة وعلى وقع أصداء الحرية، انطلقت مبادرة "يلا نلف السويد"، والتي حملت سارة لواءها بكل فخر. لم تكن رحلتها هذه مجرد جولة سياحية في الأراضي السويدية، بل رحلة بمعاني أعمق، رحلة الصراع من أجل العدالة، والتي امتدت عبر مدن ستوكهولم، هلسنبوري، مالمو، وكالمار، ترسيخاً لصوت فلسطين في الضمير العالمي.

تقول سارة لمنصة أكتر: "نسعى من خلال هذه المسيرات لتسليط الضوء على الأزمات التي تمر بها غزة، ورفع الغطاء عن وجع ينزف منذ سنوات، حيث يغيب العدل ويسود الدمار".

وتتابع: "بالنظر للمشهد السياسي في السويد، يتضح لنا أن الأصوات المنادية بالتغيير أكبر من أن تُهمش. وعلى الرغم من وصول حزب الـ SD لنسبة 20% في الانتخابات، يبقى الأغلب الأعم من سكان السويد مخالفاً في الرأي لهذا الحزب، ما يُعطينا الأمل بأن التأثير في الرأي العام يمكن أن يؤدي إلى تغييرات جذرية في انتخابات المستقبل، تعكس قيم الحق والعدل وحقوق الإنسان".

وتضيف: "أحمل هويتين: أنا فلسطينية الأصل، ابنة أرض طالما احتضنتني والتي لا تزال ترزح تحت وطأة الصراع، وأنا كذلك مواطنة سويدية، أرى من خلال هذا البلد الديمقراطي نافذة لإسماع صوت بلادي. عائلتي، الممتدة بين أعمام وعمات وأختي رقية، جميعهم يقيمون في غزة، يعيشون الحكاية ذاتها، حكاية شعب ينشد الحرية والسلام في ظل تحديات جسام. إلى من يتساءل عن جدوى هذا الحراك والمسيرات، أقول: إنها البصمة التي نتركها على جدار الزمن، إنها إيماننا بأن الشعوب، عندما تتحد، تصنع المعجزات". 
 

Foto TT
مظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في مدينة مالمو جنوب السويد

اختار والدي الرحيل إلى الأردن.. لكن قلبه ظل معلقاً بتراب فلسطين

تتابع سارة لمنصة أكتر: "يتوجب علينا كمواطنين محبين للسلام والعدالة، أن نواصل النضال، أن نرفع الصوت عالياً، لنؤكد أن الحق لا يموت وأن العدل لا يُغيب. نحن هنا لنشهد، ولنقول إن في غزة أرواحاً تستحق الحياة بكرامة، وأن صمت العالم ليس خياراً".

وتضيف: "لقد اختار والدي يوماً الرحيل من غزة إلى الأردن، بحثاً عن حياة يسودها الأمان، لكن قلبه ظل معلقًا بتراب فلسطين. واليوم، أنا ابنته، أعيش في السويد، حاملةً إرثه وإرث شعبي، متمسكة بحقي في تعريف نفسي، لا كلاجئة بلا وطن، بل كفلسطينية لها جذور وتاريخ وقضية".

كما أكدت سارة: "تتجلى قوتنا في وحدتنا، وفي صدق رسالتنا التي تتخطى الحدود والجغرافيا. إن معركتنا ليست مجرد معركة لرفع الأصوات في المظاهرات، بل هي جهود مستمرة للتأثير في الرأي العام وتغيير النظرة العالمية تجاه قضية فلسطين. ولعل تركيبة المجتمع السويدي الحالية تمنحنا الفرصة للتأثير وبناء جيل واعٍ يختار القيادات السياسية بحكمة وينصف قضايا العدل والحرية".
 

Foto TT
مظاهرة في العاصمة السويدية ستوكهولم

الصمت العالمي وميزان العدالة

تتابع سارة كلامها إلى منصة أكتر الإخبارية وتطرح سؤالاً: "لو كانت حماس تتحصن داخل مشفى في إحدى مستوطنات غلاف غزة، ومعها 1200 مدني إسرائيلي، هل كان جيش الدفاع الإسرائيلي سيقصف المشفى؟". كما تصف سارة ما يحدث في غزة بأنه لا يعدو كونه "جرائم حرب"، تجري وسط صمت مطبق من العالم الذي يدعي السير على نهج الإنسانية ويتشدق بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان. وتنتقد بشدة الردود العربية والغربية التي تبقى أقل من المستوى المطلوب تجاه ما يحدث.

ولا تقف سارة عند التنديد والإدانة فحسب، بل تدعو إلى فعل ما هو أكثر: "نحن كمواطنين سويديين، يجب علينا إيصال أصواتنا للسياسيين وصناع القرار"، تقول، داعيةً إلى التدخل العاجل ووقف جرائم الحرب في غزة، وتذكر بالموقف السويدي تجاه الأحداث في أوكرانيا، مطالبةً بنفس الحزم والشجاعة تجاه الفلسطينيين.

وتُبرز إحصائيات الأمم المتحدة التي تؤكد على الفجوة الصارخة في الاهتمام العالمي بين الطفل الفلسطيني ونظيره في أوكرانيا، مستنكرةً هذا الانقسام في المعاملة والاهتمام.

في ختام كلامها، تضع سارة القراء أمام مرآة الحقيقة، متسائلةً عن مكان العالم من المأساة الجارية في غزة الآن. وتختم كلامها بدعوة صريحة للجميع للتحرك من أجل العدل والإنصاف، لا سيما في البلاد التي تحمل راية الحرية وحقوق الإنسان على أكتافها.

شارك المقال

أخبار ذات صلة

لم يتم العثور على أي مقالات

المزيد

ستوكهولم
مالمو
يوتوبوري
اوبسالا
لوند
لم يتم العثور على أي مقالات