سعيد النحال، صحفي سوري الأصل جاء إلى السويد في 2015 بحثاً عن الأمان، لكنّ سيرته في السويد اتخذت شكلاً جديداً أبعد من مجرّد القناعة بالأمان، ليحقق نجاحاً شخصياً باهراً بعمله في أكبر صحيفة نهاريّة في السويد، فيعكس أولاً «شطارته» كما يقول، وثانياً قدرات المهاجرين الذين يُثرون المجتمع السويدي عندما تُتاح لهم الفرصة، ويحققون جميع "عناصر" النجاح التي تحدّث عنها سعيد.درس سعيد الصحافة في جامعة دمشق، وعمل في "الوكالة العربية السورية للأنباء: سانا". بعد المجيء للسويد كان عليه أن ينتظر نحو عامين قبل أن يحصل على الإقامة ومنزل في ستوكهولم، وفي بداية 2018 حصل على براكتيك ثلاثة أشهر في ثاني أكبر صحيفة نهاريّة في السويد: Svenska Dagbladet، ثمّ بدأ يعمل معهم كصحفيّ مستقل وموظف مؤقت على فترات متقطعة.امتدّت التغييرات في حياته العملية حتّى بداية 2020 عندما حصل على عقد عمل دائم في أكبر صحيفة نهاريّة ناطقة بالسويدية: Dagens Nyheter، ويبدأ بترك بصمته في الحياة الإعلامية السويدية.سعيد "المثير للجدل"اشتهر سعيد وذاع صيته بشكل كبير بسبب تحقيقه انتصاراً تاريخيّاً على "التيّار اليميني الشعبوي" باتباعه الأسلوب السويدي النموذجي: القانون.مختصر القصّة أنّ سعيداً كتب في صيف 2020، بناء على طلب من القسم الثقافي في صحيفته، مقال رأي تحدّث فيه عن المهاجرين الذين قدموا إلى السويد في 2015، وهو المقال الذي لاقى صدى لدى المتابعين، سواء العاديين أو حتّى الزملاء الصحفيين. تحدّث في مقاله أيضاً عن ارتياحه في مدينته في سورية حتّى بعد خروجها عن سلطة الدولة، مطلقاً عليها لقب "واحة" – وهو وصف استعاره من صحفي أمريكي زار مدينته في تلك الأثناء، الأمر الذي اقتنصه كاتب يميني بغرض تشويه سمعة سعيد والتلميح إلى أنّه "إسلامي متطرّف" والمطالبة بالنبش في ماضيه للاشتباه بعلاقته مع "الجهاديين".لم يقبل سعيد الأمر واعتبر بأنّ ما كُتب بحقّه فيه "دناءة"، ورفع دعوى تشهير ضدّ الكاتب بناء على أساسين: التشهير به شخصياً، وذكر أحداث غير حقيقية. قضت محكمة ستوكهولم بالحكم لصالح سعيد (في ٢٠٢١)، ثم عادت محكمة الاستئناف وأكّدت الحكم (في ذات العام). لكنّ الأهمّ هو أنّ المحكمة العليا في السويد، وهي التي يتمّ التعامل مع أحكامها كسوابق قضائية تلتزم جميع المحاكم في السويد بها، أكدت الحكم أيضاً (في نهاية ٢٠٢٢).برأي سعيد أنّ السبب الرئيسي الذي دفع اليمينيين لتشويه سمعته أنّهم لم يهضموا كونه مهاجراً ناجحاً في السويد تمكّن في فترة قصيرة من العمل في صحيفة مرموقة، علاوة على أنّه تغنّى بمدينته وأعلن بأنّه لما كان ليغادرها إلى السويد لو كان بإمكانه البقاء فيها.قانون واحد بحدّين!كشخص لديه خلفيّة قانونية، أدرك بأنّ للقانون دوماً حدّان، أحدهما يمكن استغلاله لإحقاق الحق، والآخر للعبث في الحقوق. سألتُ سعيد عمّا إن كان يخشى أن يستخدم اليمينيون الحكم الصادر لإسكات أصوات محقّة فيما بعد، كالتي تهاجم سياسات اليمين، فقال: «لم يحدّ الحكم من حريّة الرأي والصحافة، بل وقف ببساطة ضدّ التشهير حتّى لو بُني على أسباب حقيقية، وثانياً ضدّ المعلومات المغلوطة الكاذبة التي استخدموها في التشهير... لهذا حتّى لو كان الذي يشهّر هو مهاجر أو من أيّ تيّار، يجب أن يتحمل مسؤولية فعله الخاطئ، ويلتزم بمعايير الصحافة الحقيقية».وصفة النجاح: خطوة بخطوةسعيد راضٍ عن نفسه وعمّا أنجزه في السويد اليوم، ويرى بأنّ خطوته التالية لتحقيق نجاح أكبر هي السعي لإتقان استخدام اللغة السويدية في الصحافة بالمهارة ذاتها التي يستخدم فيها اللغة العربية، الجانب الذي أحرز فيه بالفعل تطوّرات هامّة.لكنّ السؤال الذي يتكرر على مسامعه كما يقول: كيف حققتَ هذه النجاحات في هذا الوقت القصير؟ يقول سعيد: «التواضع جيّد، ولكن عليّ أن أقرّ بأنّ السبب الرئيسي في نجاحي أنني شاطر.. لم يبدأ عملي الصحفي المحترف في السويد، بل أفخر أيضاً بفترة عملي في سانا وجهودي السابقة».يُدرك سعيد أنّ على الجميع، بمن فيهم "الشاطر" أن يجدّ ويتعب، ولكنّه يشدد على أنّ المهارة فردية وشخصية وليست السويد هي من تصنعها للمهاجر. يقول: «السويد بلد الفرص ولكن من خبرتي ولقاءاتي مع الناجحين، فالناس لديها موهبة استثمرتها هنا.. فإذا أزحنا الصحافة جانباً، فعندما يقوم مشفى كارولينسكا كمثال بتوظيف طبيب مهاجر رغم عائق اللغة، فهذا يعني أنّ لديه مهارة يريدونه أن يقدمها لهم ويدفعون المال مقابلها».ربّما أفضل ختام للمقال هو "وصفة النجاح" التي تحدّث عنها سعيد: «وصفة النجاح في السويد متكاملة لا يجوز أن تحذف منها شيء: المهارة الفردية الخاصة بنا، ثمّ الاجتهاد الذي نبذله هنا، وبعدها الفرص التي يعطيها السويديون لنا بكثرة».