التقى فريق "أكتر" مع أندرياس سورنسن، رئيس حزب SKPوطلبنا منه التعليق على الأحداث السياسية في السويد وما الذي يجب فعله للوقوف في وجه اليمين المتصاعد الذي يخيف المهاجرين واللاجئين، ولماذا يرفض حزبه تكوين تحالف مع حزب اليسار أو الاشتراكيين الديمقراطيين من أجل تقوية موقعهم السياسي.النقلة نحو اليمين المتطرفطلبنا إلى أندرياس أن يعلّق على ما نشهده اليوم من تحوّل واضح في السياسة السويدية تجاه اليمين، وخاصة في قضايا المهاجرين واللجوء. بدأ بالقول بأنّه في العالم بأجمعه وليس السويد فقط، الأحزاب اليسارية باتت مهمشة، بينما شهدت الأحزاب اليمينية تصاعداً في قوتها. ويحاول تفسير الأمر بثلاثة أوجه:الأول: السبب في تراجع الأحزاب اليسارية هي أنّها قبلت بالمنطق الرأسمالي، كأن يكون هناك أزمات كلّ 10 أعوام، وتطبيع البطالة...الخ، ما عنى بأنّهم لم يعودوا قادرين على الوقوف إلى جانب الناس العاديين. فالناس التي ترى بأنّ البطالة تزيد والرعاية الصحية والتعليم تسوء، وكانت من قبل قد سعت للحلول لدى اليسار، ضجرت اليوم منه وبدأت تبحث عن الحلول في مكان آخر.الثاني: انقسام الطبقة العاملة بين من يسعى للحل لدى الأحزاب اليسارية، وبين من يسعى إليه لدى اليمين. يرى أندرياس بأنّه يجب إجراء المزيد من الأبحاث حول من هم أفراد الطبقة العاملة الذين يؤيدون اليمين.الثالث: الدعم الكبير لليمين من قبل الطبقة الرأسمالية. فأندرياس يرى بأنّه في السابق لعب الاشتراكيون الديمقراطيون دور "الوسيط" بين الطبقة العاملة والرأسماليين، فكانوا يحافظون على الهيكل الرأسمالي ويتجنبون قيام الثورة، ولكن يعطون القليل للطبقة العاملة لتسكت. اليوم، وجد الرأسماليون ضالتهم لهذه الوساطة في اليمين ولم يعودوا بحاجة للاشتراكيين الديمقراطيين. ولهذا فاليمين يصوّر المهاجرين بأنّهم هم الأعداء وليس الرأسماليين، وهذا يجعل الرأسماليين غير خائفين من مطالبة العمال بحقوقهم.ما العمل؟سألنا أندرياس: ما العمل من أجل مقاومة اليمين؟ هل من المعقول أن نجلس بانتظار أن يحصل "الوعي الطبقي" لدى الطبقة العاملة؟يرى أندرياس بأنّ المسألة معقدة، ولكنّها مرتبطة بالطريقة التي يعمل بها رأس المال. أعطانا مثالاً عندما فتحت السويد أبوابها لاستقبال اللاجئين في 2015، وخاصة من سورية، ثمّ قرروا إغلاق الباب وتشديد الإجراءات.يقول أندرياس أنّ السبب الذي دفعهم في الأساس لفتح الباب هو حاجتهم لما يسمّى «جيش البطالة الاحتياطي» والذي يعني أنّه كلما وجد عمّال بلا عمل بأعداد أكبر، كلّما كان لدى أصحاب العمل خيارات أكبر لتوظيف العمّال دون الحاجة لرفع الأجور أو المزايا. والآن اكتفوا بنسبة البطالة الحالية ولهذا أغلقوا باب الهجرة واللجوء.والحل؟ يرى أندرياس أنّ الحلّ لذلك هو التنظم: في العمل، وفي المجتمع. أعطى مثالاً الردّ على المتطرف بالودان. يقول أندرياس بأنّ بالودان شخص مقزز ويجب الوقوف في وجهه، ولكن الردود عليه بشكل غير منظم (رغم كونها مفهومة) هي غير منتجة من الناحية السياسية.ولهذا على جميع العاملين في السويد أن يدركوا بأنّ مشاكلهم واحدة (عندما يسوء التعليم فجميعهم يتضررون، وعندما تسوء الرعاية الصحية جميعهم يتضررون. ولهذا على الجميع التحرك والتنظم. اقتبس أندرياس عن روزا لوكسمبورغ: «من لا يتحرّك لا يشعر بالتغيير».خاص أكترمن سينظم الناس ضدّ العنصرية؟عندما قلنا لأندرياس: من سينظم الناس ليفهموا بأنّ عدوهم هو الطبقة الرأسمالية وليس المهاجرين أو اللاجئين؟ أنتم لا تزالون حزباً صغيراً مقارنة ببقيّة الأحزاب. من سيفعل ذلك.ردّ أندرياس: لا نزال صغار، ولكننا سنكبر، فالأحزاب الموجودة ليس لديها حلول للأمر. يضيف: الرأسمالية لا تسمح بمنح حلول للعنصرية، فهي تحتاجها حتّى تستمر بالنمو. ولهذا كلّ حزب أو نقابة أو تجمّع يريد إبقاء الرأسمالية لن يكون لديه حلّ للعنصرية، فالعنصرية موجودة طالما الرأسمالية موجودة، لأنّها تحتاجها وتحتاج إلى إذكاء نارها.وعليه فالوحيدون الذين لديهم حل للعنصرية هم الأحزاب الثورية التي تريد تغيير كامل المنظومة الرأسمالية وعدم التعايش معها.الانتخابات حملة دعائية!بالنسبة لأندرياس فالديمقراطية الرأسمالية ليست ديمقراطية حقيقية. وأنّ مشاركتهم في الانتخابات المحلية والبرلمانية ليس لأنهم يريدون أن يتحولوا لحزب برلماني، بل ليستخدموها كوسيلة يخبرون الناس من خلالها بأنّهم موجودين، ويعلمونهم عن الثورة والتغيير اللذان يريدان تحقيقهما عبر الاشتراكية.لهذا يرى أندرياس بأنّهم لا يمكن لحزبه أن يقبل التعايش ضمن إطار رأسمالي، وإلّا فلا سبب لوجودهم. لا يمكنهم قبول موت آلاف الناس من مرض يمكن علاجه، ولا موت الناس في حروب أشعلتها مصالح قلّة.لهذا بالنسبة لأندرياس من المهم التفريق عند الحديث عن حزبهم، فهم لا يطمحون ليكونوا حزباً برلمانياً، ولكن حزباً ثورياً ضمن برلمان او مجالس محلية يسعون لتحقيق الاشتراكية عبر الثورة.عندما قلنا لأندرياس بأنّهم على ذلك يستخدمون الانتخابات كحملة "علاقات عامة"، ابتسم واعتبر بأنّ ذلك "ليس منصفاً" بحقهم، ولكن يمكن أن يؤدي الغرض العام.خاص أكترزيادة أعداد الشرطة وتجييشهمعند النقاش مع أندرياس، سألناه إن كانت زيادة تمويل الجيش والشرطة وأعدادهم مرتبطة بمحاولة الحكومة الهروب من المشاكل القائمة، فوافق على ذلك، وقال بأنّ هذا الأمر موجود على طول العالم الرأسمالي، وليس جديداً أيضاً.عندما سألناه عن السبب الذي يمنع الحكومة من استخدام هذا المال للصالح العام كبناء المدارس والرعاية، أجاب: لينين أجاب من قبل على ذلك: «إن فعلوا ذلك فهم ليسوا رأسماليين»، فهذا هو المنطق المتأصل في الرأسمالية.بالنسبة لأندرياس، فهذا المنطق هو الذي يؤدي للحروب والنزاعات، كما حدث في سورية، وكما يحدث في أوكرانيا. والرأسمالية لا يمكنها العمل بدون هذا المنطق.اليسار ينبح فقط ولا يعضعندما سألنا أندرياس: لماذا لا تتعاونون مع الأحزاب التي تتلاقون معها في الخطوط العامة من أجل بناء تحالف قوي، مثل حزب "اليسار والاشتراكيين الديمقراطيين"؟أجاب: في حال فعلوا ذلك فسيتخلون عن قضيتهم الثورية ويضطرون لجعل أنفسهم متآلفين مع الإصلاحات التي لن تغير في حياة الناس، ما يعني أن يفقد المزيد من الناس الأمل بالتغيير. يرى أندرياس أنّ الاشتراكية الديمقراطية هي جزء من الرأسمالية ولا يمكن لها أن تنقلب ضدها أو تزيل عيوبها.يشرح أندرياس هذه النقطة بالتفصيل بالقول: إذا ما أخذنا حزب اليسار كمثال، فهو من الأحزاب التي تمنح العذر لوجود النظام الرأسمالي. عندما هاجم الاشتراكيون الديمقراطيون حقّ إضراب العمال وأرادوا وضع حدود له لصالح أصحاب الأعمال. نحن لا يمكن أن نقبل بوضع حدّ لحقّ الإضراب، وحزب اليسار أيضاً أعلن بأنّه لن يسمح بذلك وهدد الاشتراكيين الديمقراطيين بعدم دعم حكومتهم. لكنّ الاشتراكيين الديمقراطيين هاجموا حقّ الإضراب، ووافق حزب اليسار على ذلك.ثمّ بعد ذلك قامت حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين باتخاذ قرارات جعلت وضع أمن العمال أسوأ. كذلك الحال هدد حزب اليسار بعدم دعم الحكومة وإسقاطها إن أقرّت القوانين، ثمّ بعد ذلك تراجع وقال سنقبل بالذي يقبل به زعماء النقابات.أضاف سورنسن بأنّ حزب اليسار يلعب دوراً سيئاً أمام الناخبين. فالذين يذهبون للانتخابات لا يصوتون للاشتراكيين الديمقراطيين لأنّ سياساتهم لا تعبر عنهم، ويصوتون عوضاً عن ذلك لليسار. لكنّهم في الحقيقة يتعرضون للخداع لأنّ حزب اليسار يدعم الاشتراكيين الديمقراطيين ويدعم الرأسمالية بالتالي.لهذا يرى أندرياس بأنّ حزب اليسار هنا مثل «الكلب الصغير الذي ينبح كثيراً دون أن يعض»، ويؤكد وجهة نظره بأنّ الرأسماليين يريدون إبقاء الاشتراكيين الديمقراطيين في السلطة لأنّهم يقومون عبر عدم القيام بفعل حقيقي لمقارعة الرأسماليين بقمع العمال والسيطرة على النقابات ومنح العذر للرأسماليين ضمن وهم الاختيار.أندرياس سورنسون لخاص “أكتر”ماذا عن ناخبي حزب اليسار؟يرى أندرسون بأنّ الذين ينتخبون حزب اليسار ليسوا هم الملامين هنا، فهم يذهبون ليصوتوا لأشخاص وهم مقتنعون بأنّ هؤلاء سوف يمثلونهم ضدّ المؤسسة الحاكمة. ولكن هذا لن يحصل ولهذا سيصاب الناخبون بالإحباط بعد ذلك.عندما سألنا أندرياس عن مصير الناخبين المحبطين: هل سيذهبون للتصويت للشيوعيين كونهم اليسار الجذري، أم سينقبلون إلى اليمين كرد فعل على إحباطهم؟يقول سورنسن: لسوء الحظ ليس هناك انتقال "آلي" بين الناخبين من اليسار إلى الأكثر يساراً، وإلا لكان حزبهم أكبر بكثير من كثرة ما أحبط الذين كانوا يصوتون لحزب الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب اليسار. وبرأيه أنّ الناس ستستمر بالبحث عن حلول ضمن إطار العمل الرأسمالي، وسيستمرون بالشعور بالخيبة والإحباط كلّ مرة، حتّى يصلوا إلى حيث يفكرون خارج الصندوق الرأسمالي ويبحثون عن حلول بديلة جذرية، عندها لن يتمكن أحد من إعادتهم إلى داخل الصندوق.أندرياس سورنسون لجمهور "أكتر"يقول أندرياس أنّهم يعملون كي يمنعوا تعرّض العمّال للاستغلال من الرأسماليين. يقول: عندما نتحدث عن الاستغلال فلا نقص إفريقيا فقط، فهناك استغلال شديد جداً. لكن لدينا هنا في السويد أيضاً استغلال كبير لعمل الناس. ولهذا فالشيء الوحيد الذي يريدون تحقيقه هو إيقاف استغلال الإنسان للإنسان.استعرض معنا أندرياس لإثبات وجهة نظره نسبة الأجور التي يتقاضها الموظفون والعاملون من الأرباح: بعد أن ارتفعت حصّة الأجور من 65٪ من الأرباح في 1870 إلى 85٪ من الأرباح في 1980، عادت لتنخفض حتّى الأعوام السابقة إلى 65٪ من جديد. ما يعني بالنسبة لأندرياس أنّ الاستغلال يزيد ولا ينقص، ومستمرّ بالزيادة في ظلّ الحكومات الرأسمالية. تمنّى أندرياس أن تسمح هذه المقالة للقارئين العرب في السويد أن يشكلوا مفهوماً مختلفاً عمّا يعيشونه في السويد، وعن الطريقة التي يجب أن يتبعوها كي يقلبوا الأمور لصالحهم ويوقفوا الأساليب التي يتعرضون فيها للاستغلال.