مقالات الرأي

شطيرة الخوف: تخريب السوسيال وعصابات مع رشّة شرف

Aa

شطيرة الخوف: تخريب السوسيال وعصابات مع رشّة شرف

مقال رأي للكاتب عروة درويش
 

اذكر مقطعاً من مسرحيّة شقائق النعمان السورية حين كان الفنان يوسف حنا "الأصمعي" يخبر رجل الأمن بأنّه لا يعمل في السياسة، وبأنّه "يؤلّف كتاب طبخ". ليتبيّن أنّه يتحدث عن "طبخة سياسية". 

يمكنني وأنا مرتاح البال أن أقول بأنّ بعض "الطهاة" في المطبخ السياسي السويدي اليوم يريدون صنع "شطيرة خوف" يطعمونها للجمهور السويدي، تحوي المكونات التالية:

  • 200 غرام متآمرين يريدون القيام بأعمال تخريب ضدّ السوسيال والمنشآت الحكومية السويدية.
  • كيلو عصابات منفلتة تهدد الأمن والاستقرار.
  • رشّة جرائم شرف دخيلة على المجتمع السويدي.

أين المشكلة؟

أنا مقتنع بشكل تام بأنّ السويد لديها مشكلة مع انتشار العصابات وانفلاتها وزيادة عنفها. ومقتنع أيضاً بأنّ هناك مشكلة لدى بعض الأهالي بأنّ أسلوبهم في التربية غير مناسب ما يدفع السلطات للتدخل، ومقتنع بوجود جرائم اصطلح على تسميتها "جرائم شرف" تحتاج لعقاب شديد لحفظ كرامة الإنسان.

لكن، هل المشكلة هنا حقاً؟ أم أنّ المشكلة في مكان آخر، عند من يريد تجييش الجمهور السويدي باستخدام مشاكل قائمة وتضخيمها وتهويلها والاستفادة منها؟

هوى زيادة الأمن

لا يخفى على متابع للشؤون السويدية ميل السياسات العامة لزيادة أعداد قوات الشرطة وتدريبها بشكل أكبر، وتزويدها بمعدات مراقبة وأسلحة أكثر تطوراً، بل ومنحها أحياناً سلطات أكبر في اتخاذ قرارات المراقبة دون إذن قضائي.

لا يقتصر هذا على الحكومة الحالية، فهناك اتفاق ضمني بين معظم الأحزاب السياسية في البرلمان منذ عامين على الأقل، على سياسة زيادة قوات الأمن. ناهيك عن "موضة" تعزيز القوات المسلحة والتعاون مع الناتو في الفترة الأخيرة.

ألا يحتاج من يريد أن يزيد أعداد الشرطة بشكل مستمر، وأن يخصص أموالاً أكثر لتدريبهم وتزويدهم بمعدات أحدث، بأن يسمح الجمهور السويدي بذلك وهو راضٍ (بل يشعر بالحاجة لذلك أيضاً)؟ 

ما هي المبررات لإقناع السويديين دون أن يتململوا؟ قد يكون أمراً يخيفهم مناسباً جداً.

أبعد من نظرية مؤامرة

لا أحاول هنا صياغة "نظرية مؤامرة" تلقي باللوم على "أيدي خفية". لكن ما هو المنطق وراء كون الحلول الرئيسية (أو الوحيدة أحياناً) للمشاكل التي تواجه المجتمع هي حلول أمنية؟ ألا يجعلنا هذا أقرب للبلدان الدكتاتورية التي تحلّ كلّ شيء بالأمن؟

لنأخذ مثالاً مشكلة العصابات. أثبتت التجارب السويدية، وغير السويدية، أنّ الحلّ الأمني وحده لم يخفف خطر العصابات، وأنّ الشرطة يكونون عادة متممين للحلول.

ألم تتمكن مالمو من التقليل من جرائم العصابات بالمقارنة بستوكهولم عبر اتباع حلول غير أمنية، على عكس ستوكهولم؟

الشرف 

ماذا عن "جرائم الشرف"، وما هو المفهوم الواسع الذي باتت تحوزه بشكل يصعب على الإنسان العادي فهمه؟

هل يمكن حلّ مشكلة "جرائم الشرف" بتخصيص جريمة لها؟ حتّى مجلس القانون اعتبر هذا المقترح عنصرياً، ناهيك عن الكثير من الباحثين الذين اعتبروا أنّ مثل هذا التجريم لن يحلّ شيئاً.

رغم ذلك، بمجرّد أن تقوم بجولة سريعة على وسائل الإعلام الكبرى، فأكثر ما ستسمعه "عدم التسامح على الإطلاق".

السوسيال

لا أخفيكم القول، اضطررت لترتيب أفكاري عدّة مرات قبل أن أتمكن من الكتابة، فأنا لا يمكن أن أؤيد أنّ من حق الأهل أن يسيئوا لأطفالهم دون رقيب، وأن يكون لهم كامل الحرية بذلك. لكن هل السوسيال بريؤون ويقومون بعملهم دون أخطاء ولا مشاكل؟

ماذا عن المشاكل التي تحدث في منازل الرعاية، والتي تكون مستفزة أحياناً لدرجة لا يمكن تحمّلها. أو الأخطاء في الحكم على الأهل التي قد تصل إلى تجريمهم في المحكمة وهم أبرياء، بسبب تقرير كيدي أو موظف غير مؤهل؟ 

حتّى أنّ أخطاء السوسيال ليست حكراً على السويديين من أصول مهاجرة، فهل يمكن أن ننسى وفاة الطفل يون فالتر  بسبب الإهمال من دار الرعاية الإجباري ومن أخصائيي السوسيال؟

لكن لا أخفيكم أيضاً بأنّ الدعوات للقيام بأعمال تخريب ضدّ السوسيال، والتي يطلقها أحياناً أشخاص من خارج السويد (هم لا يخفون أماكن تواجدهم حتّى) تربكني وتزعجني وتخيفني أيضاً.

لنحاول فهم الأمر من زاوية أخرى غير الزاوية الأمنية: ما الذي يجعل الناس تهتمّ بهكذا دعوات، وهل محاربتها عبر الأمن فقط؟

أليس تمويل برنامج لتعزيز الثقة وتدريب الأهالي والسوسيال أكثر جدوى في حلّ المشكلة؟ أليس اتباع قواعد وإجراءات أكثر مرونة لتحقق الهدف من السوسيال بحماية الأطفال دون سحبهم من الأهل أفضل؟ ماذا عن تدريب كوادر أكثر تأهيلاً لدراسة الحالات؟ ... الخ

في الختام...

هناك في الحقيقة العديد من الحلول لجميع المشاكل، وهي حلول حقيقية تبحث في جذر المشكلة، ولا تقوم بقمعها فقط.

لكن يبدو أنّ من يريد زيادة أعداد الشرطة والحضور الأمني في السويد ليس مهتماً بحلّ المشاكل، بقدر اهتمامه بتحقيق غايته. أمّا لماذا يريد زيادة الحضور الأمني وضدّ من سيوجهه، فهي مسألة يثير التفكير فيها الذعر، وهي لمقال آخر...

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مقالات الرأي

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©