سياسة

صحفي سويدي: «لم تعد السويد مألوفة بالنسبة لي»

Aa

صحفي سويدي: «لم تعد السويد مألوفة بالنسبة لي»

صحفي سويدي: «لم تعد السويد مألوفة بالنسبة لي»

عمل الصحفي السويدي الإثيوبي جيم ستينمان Jim Stenman، منتجاً لشبكة سي إن إن العالمية CNN International في أوروبا والخليج، ويتناول المقال التالي تقريره في وكالة رويترز Reuters و بي بي سي العالمية BBC World.

عندما وصلت رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون إلى مسقط رأسي في إسكيلستونا Eskilstuna مؤخراً، أدركت أن السويد كانت تخسر حربها ضد عنف العصابات. فقبل يوم واحد فقط، حصلت المدينة أخيراً على لقب «شيكاغو الصغيرة» - وهو مصطلح يستخدم بشكل عرضي خلال سنوات مراهقتي، خاصةً عند وصف الأجزاء الأكثر حدةً من المدينة.

رغم أنني لم آخذ التشبيه على محمل الجد في ذلك اليوم، أصبحت إحدى تلك المناطق مسرحاً للرعب المطلق، عندما أُطلق النار على امرأة وطفل صغير في ملعب. ومنذ ذلك الحين، ربطت الشرطة الحادث بجرائم العصابات. ولحسن الحظ، لم يسفر الأمر عن أي وفيات فكلاهما نجا.

في سياق ذلك، أثناء حديثها عن إطلاق النار، حذّرت أول زعيمة سويدية، التي تولت منصبها منذ أقل من عام، من أن العصابات الإجرامية تشكل الآن تهديداً «لأي شخص يأتي في طريقها، حتى المواطنين العاديين الملتزمين بالقانون». كما ربطت بين العنف وارتفاع تجارة المخدرات، والتي تعهدت بإجراء محادثة وطنية حولها، وقمع الجريمة من خلال التخلي عن قانون العقوبات السويدي المخفف.

بالنسبة لرئيسة الوزراء أندرسون، قد يكون التحدث بقوة عن الجريمة ضرورةً وليس خياراً. حيث تخاطر حكومتها الائتلافية من يسار الوسط بالتصويت خارج منصبها في الانتخابات العامة للبلاد غداً. حيث يتم التصويت على خلفية ارتفاع التضخم وتزايد المخاوف بشأن العدوان الروسي في بحر البلطيق.

في هذا الصدد، يشعر العديد من السويديين مثلي، أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. فقبل بضعة شهور، قُتل ثلاثة شبان في أوريبرو Örebro رمياً بالرصاص على مدى ثمانية أيام، كجزء من موجة عنف العصابات المنتشرة في جميع أنحاء السويد. وبينما لم أتوقع أبداً أن تتحول البلاد إلى "جنة لرجال العصابات"، كان من الواضح دائماً بالنسبة لي أن نهجنا في الاندماج كان قنبلةً موقوتةً لابد أن تنفجر يوماً.

ولدتُ في أوائل الثمانينيات، وشهدتُ عن كثب مدى صعوبة أن تصبح جزءاً من المجتمع السويدي السائد. من المؤكد أن والدتي، وهي لاجئة إثيوبية، كانت دوماً تسير على الصراط المستقيم، سواء من ناحية زواجها من أحد السكان المحليين، أو قبولها أي وظائف كانت تأتي في طريقها. مع ذلك، لم تُقبل تماماً كسويدية، رغم إتقانها شبه المثالي للغة.

من جانب آخر، بدا لي أن أشخاصاً مثلها يواجهون عنصراً آخر يصعب التغلب عليه، إن لم يكن من المستحيل. علاوةً على ذلك، اختار العديد من أصدقائي، الذين ولد بعضهم لأبوين من الشرق الأوسط، عدم تحديد هويتهم على أنهم سويديون، رغم أنهم قد تربوا في البلاد.

في هذا السياق، واجهت السويد، التي كان عدد سكانها متجانساً إلى حد كبير في الماضي، تحديات خطيرة أثناء الترحيب بالمهاجرين غير الأوروبيين في مجتمعها. وأعتقد أن هذا قد يفسر جزئياً الوضع الصعب الذي يواجه البلاد اليوم.

شهدت السويد هجرة العمالة في أواخر الستينيات. وتُظهر البيانات الحكومية وصول عدد كبير من المهاجرين من إيران في أواخر الثمانينيات، ويوغوسلافيا Yugoslavia في أوائل التسعينيات. حيث وصلت أرقام الهجرة بعد ذلك إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2016، حين اختارت البلاد، إلى جانب ألمانيا، سياسة الحدود المفتوحة خاصةً عندما يتعلق الأمر باللاجئين السوريين.

اعتباراً من عام 2021، أصبح لدى السويد أكثر من 196,000 مقيماً سوري المولد - وهو عدد كبير لبلد يبلغ عدد سكانه حوالي 10 مليون نسمة. زاد العدد الإجمالي للأشخاص المولودين في الخارج بسرعة خلال العقدين الماضيين، حيث بلغ الآن 20% من إجمالي السكان. ورغم أن السوريين يشكلون أكبر مجموعة من المهاجرين، إلا أن أولئك الذين ولدوا في العراق وفنلندا يساهمون أيضاً في عدد سكان السويد المولودين في الخارج.

شخصياً لا أؤيد الاعتقاد المتطرف لدى بعض السويديين بأن المهاجرين يأتون إلى بلدنا إلى حد كبير لاستغلال نظام الرعاية الاجتماعية السخي. ولكن وفقاً للمفوضية الأوروبية، كما هو الحال، فإن معدل البطالة بين السكان المولودين في الخارج يزيد عن أربعة أضعاف معدل البطالة بين السويديين الأصليين.

كما ليس مستغرباً أن يكون عام 2022 في طريقه ليصبح أسوأ عام مسجل للعنف، مع ما يقارب الـ 50 عملية إطلاق نار مميتة حتى الآن - وهي حقيقة تثبت وجود قلق كبير لحكومة أندرسون الائتلافية من يسار الوسط، والتي كانت في السلطة منذ عام 2014. وقد أشرف الحزب الاشتراكي الديمقراطي على سنوات، إن لم يكن عقوداً، على سياسة الاندماج الفاشلة في عهد رؤساء الوزراء السابقين.

في حين أن توفير الملاذ لأولئك الفارين من الحرب هو دائماً الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، ولكن يبدو أن تجربة السويد مع التعددية الثقافية قد اتخذت منعطفًا نحو الأسوأ منذ عام 2016. 

تجدر الإشارة إلى أنني لا أقترح تحميل السوريين، أو أي جنسية أخرى من المهاجرين، مسؤولية تصاعد جرائم العصابات. حيث يجدر بنا تسليط الضوء بشكل خاص على أن نموذج التكامل السويدي كان فاشلاً قبل وقت طويل من وصولهم، حتى أنه تسبب في قيام بعض السويديين المتجنسين، بمن فيهم آخرون من أصول شرق أوسطية، بدعم اليمين المتطرف في محاولة منهم للحد من زيادة الهجرة.

لكن الآن، فإن ثاني أكبر حزب في البلاد، حزب ديمقراطيو السويد، في مهمة لاستعادة ما يرون أنه «قيم السويد التقليدية». حيث أُبعد الحزب تاريخياً عن السلطة بسبب "عدم رغبة الأحزاب الأخرى في الشراكة معهم"، ومن المتوقع أن يحصلوا على حوالي 20% من الأصوات غداً، وقد يكونوا في طريقهم للعب دور رئيسي في ائتلاف يمين الوسط المحتمل الذي قد ينتهي بحكم البلاد للسنوات الأربع المقبلة للمرة الأولى في البلاد. كما ستثبت بالتأكيد أنها ستغير قواعد اللعبة، وتشمل أولويات الحزب إنهاء الأحياء المنفصلة والحد من الجريمة المنظمة والحد من الهجرة.

رغم أنني قد أختلف أخلاقياً مع إغلاق حدودنا أمام المحتاجين، إلا أنها ربما تكون أفضل طريقة لإعادة المعايرة - على الأقل مؤقتاً - بعد عقود من السياسات الفاشلة.

في حين أنه من المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بشأن الهجرة، يجب على السويد إيجاد طريقة لحل مشكلة الاندماج قبل فوات الأوان. والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي من خلال الاعتراف بالسويد الحالية على حقيقتها  "مجتمع متعدد الثقافات". 

في سياق آخر، يسعى اليمين المتطرف لجعل «السويد عظيمةً مرةً أخرى»، فأنا مقتنع بأننا بحاجة إلى تشكيل هوية وطنية أكثر شمولاً تعترف بالتغييرات الديموغرافية في العقود الأخيرة، مع تبني التراث المزدوج الفريد الموجود الآن في جميع أنحاء بلدنا. حيث أنه فقط من خلال التعرف على هويتنا، من الممكن إنشاء مجتمع لا يولد الإقصاء أو ما هو أسوأ، "الجريمة".

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - سياسة

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©