لدينا جميعنا هذا الشخص الذي يشعر بأنّه "الأفضل" أو "الأذكى" أو "الأفهم" أو "الأكثر مهارة" ...الخ. لكن في الحقيقة، قد لا يكون الأمر غريباً بالضرورة، وقد يكون له تفسير علمي، وعليه الكثير من الاختبارات. تعالوا نتعرّف على سبب اعتبار هذا الشخص "الأكثر تفوقاً" مع أكتر للصحة النفسية.هناك مصطلح علمي شائع الاستخدام اليوم يدعى "الانحياز الإدراكي Cognitive Bias" وهو باختصار يعني بأنّ دماغك قد يقنعك بسبب انحياز طبيعي موجود لدى جميع البشر بأنّ وهماً ما حقيقة، أو قد يتصرّف بطريقة غير منطقية ويضفي عليها طابع المنطقية. لنتعرّف اليوم على أحد هذه الانحيازات التي تسمّى "انحياز التفوّق Superiority Bias".نحن نضخّم قدراتنافي دراسة أجراها قسم علم النفس في جامعة ستوكهولم، تمّ سؤال مجموعة كبيرة من الأشخاص عن قدراتهم على قيادة السيارة ليصنفوها ضمن ضعيف، ومتوسط، وفوق المتوسط، فقام 69٪ من المستطلعين بتقدير قدراتهم في القيادة فوق المتوسط. تتحدث الدراسة عن أنّ نتائجها تتفق مع دراسة أخرى شبيهة أجريت في الولايات المتحدة، وكانت النتيجة قيام 93٪ من المستطلعين بتقدير قدراتهم أكثر من المتوسط.لا حدود لانحياز التفوّق الذي يشعر به البشر. في دراسة أخرى تمّ إجراؤها في جامعة نبراسكا، صنّف 68٪ من المدرسين في الجامعة أنفسهم على أنّهم من الربع الأفضل من حيث القدرة على التدريس. الأمر ذاته حدث مع استطلاع لطلاب ماجستير إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد، حيث رأى 87٪ منهم بأنّهم من النخبة في مجال الذكاء.هناك المئات من الاختبارات التي تظهر لنا بأنّ غالبية البشر يميلون لاعتبار أنفسهم "أذكى" أو "أفضل" أو "أفهم" ... لكن لماذا؟ليس سيئاً بالضرورةكما في جميع الانحيازات الإدراكية الأخرى (يمكن الحديث عن أهمها في مقالات قادمة) فليس بالضرورة أن يكون انحياز التفوّق سيئاً، رغم أننا لا نفهم فائدته المباشرة أحياناً.لنحاول أن نفهم الأمر عبر خطأ شائع نقع فيه جميعنا بلا استثناء: تذكر الأحداث الماضية بشكل خاطئ. فالذكريات الخاطئة هي أحداث حقيقية في دماغك، وأنت لا تكذب عندما تتذكرها بل تكون في قمّة الصدق. المشكلة إذاً في تذكرك للأشياء.ليس هناك سبب واحد لهذا الأمر، وقد يكون أحد الأسباب هو العواطف التي نحملها تجاه الحدث والذي يلعب دوراً بارزاً في تذكرنا. ولكن عموماً، يميل دماغنا لتحريف الأشياء عند تذكرها لأنّه ببساطة غير قادر على صنع قصّة ناقصة.باختصار: لديك حدث عشته منذ سنوات، ولكنّ دماغك ليس مهيئاً لحفظ جميع التفاصيل، لنفترض أنّ هذا التفصيل الذي سقط من الذاكرة هو لون الملابس التي كنتَ ترتديها. لن يقوم الدماغ بعرض الذكرى في مخيلتك بملابس "دون لون"، بل سيقوم ببساطة بابتكار لون وشكل لهذه الملابس بحيث يكون منطقياً بالنسبة لك.الآن، إن كان هناك صورة تثبت بأنّك كنت ترتدي ألواناً مختلفة، فستنظر باستغراب وربما تميل لإنكار حتّى الصورة. لكن ما عليك معرفته هو أنّ دماغك لا يمكن له أن يسمح بوجود "قصّة ناقصة"، ولهذا فهو يدافع عن "خيالك" بأن يتمم النقص.لهذا أنت الأفضللم تصل الدراسات بعد إلى سبب متفق عليه لانحياز التفوّق، ولكنّ البعض يقترح أنّ السبب فيها هو أنّ الإنسان يميل للتشكك بكلّ ما يفعله إن لم يكن مقتنعاً بأنّه على صواب، ولهذا فالقناعة بأنّك على صواب تعني ببساطة أن تشعر بالتفوق في الكثير من الأحيان.لا يعني هذا بالتأكيد أن نسمح لأنفسنا بالشعور بأننا متفوقون على هوانا، بل يعني بأن نقبل بأنّنا نميل بطبعنا كبشر بأن نشعر بأننا متفوقون على غيرنا، وأن نفكر مرتين قبل أن تدفع تصرفاتنا هذا الشعور بالتفوق.في النهاية، هذه هي طبيعة العقل البشري، وهو وسيلتنا لتمييز الصواب عن الخطأ، وليس علينا أن نسمح بأن تدفعنا طبيعته إلى الخطأ.اقرأ أيضاً في “أكتر”الكبد والتهاباته وتشمّعه