بين حينٍ وآخر، يذكّرنا بعض الناجحين في السويد بأنّ الحياة تستمر رغم الصعوبات، وأنّ بعضنا يمكنهم أن يعيدوا إحياء الأمل في مستقبلٍ أفضل وسط المخاوف التي نعيشها في هذا العالم. وهذا اليوم، كان الشخص الذي أدخل الأمل إلى عقولنا وقلوبنا هو بشار العساني، طبيب الأسنان السوري الذي تخرّج من جامعة أوميو Umeå هذا الفصل مع الكثير من رفاقه من السوريين والعرب.جاء بشار العساني من سورية في أواخر عام 2015، بالطريقة ذاتها، يرافقه الخوف ذاته الذي رافع جميع السوريين الذي جاءوا إلى السويد في تلك الفترة. لم يُطل الراحة في السويد، فبعد قرابة الشهر من وصوله إلى السويد بدأ بدراسة اللغة السويدية، باذلاً جهداً مضاعفاً لإتقانها وهو بانتظار قرار الإقامة. ولم يكتفِ بدارسة اللغة السويدية، بل كان يدرس معها اللغة الإنكليزية، لينتهي من الاثنتين في الوقت ذاته.في الوقت ذاته كان قد قدّم شهادته الثانوية السورية للتعديل، وخلال عامين ونصف أنهى التعديل، وأعاد دراسة بعض المواد التي لم تكن موجودة لديه من قبل، مثل مواد Fysik2, Kemi2 samhälle1.في عامين ونصف من وقت وصوله، كان بشّار قادراً على توسيع خطواته للأمام بشكل يمنع أيّ إحباطٍ أو خوف أو عنصرية من إيقافه. كان بشّار "يقفز" من أجل الوصول أسرع.رحلة جديدة إلى شمالٍ جديدبعد ذلك، تقدّم بشار بطلب الانضمام إلى جامعة أوميو من أجل دراسة طبّ الأسنان، وفي 2019 جاءه القبول ليعلن من خلاله بأنّ رحلة جديدة قد بدأت من جنوب السويد في مالمو، إلى شماله الأكثر برداً.ومنذ 2019 وحتّى اليوم، وبعد مضي خمسة أعوام، تمكّن بشّار من إنهاء سنوات الدراسة الخمسة دون الرسوب بأيّ صف، وهو الشيء الذي يعتبر إنجازاً كبيراً بالنسبة لمهاجر، رغم أنّ الكثير من المهاجرين يتحدون الزمن ويحققونه.يتحدّث بشار عن المتعة التي وجدها مع رفاقه في الدراسة رغم صعوبتها، ففي صفّه كان معه طلابٌ من سوريا العراق وفلسطين والصومال والبحرين، وهو ما هوّن عليه الكثير من الوحشة.صعوبات ولكن!ربّما أكبر الصعوبات التي واجهت بشّار ورفاقه هي ضغط الدراسة الهائل، وصعوبة تنظيم الوقت بحيث يمكنهم الجمع بين الانتهاء من دراسة المواد النظرية والتحضير لها، والذهاب أيضاً إلى القسم العملي الذي كان عليهم قصده بشكل شبه يومي.لكنّ صعوبات الدراسة تهون أمام صعوبات الحياة في شمال السويد، فكما شرح بشّار: "إضافة للطقس شديد البرودة في أوميو، فالشعور بالوحدة قاتل وينخر العظام مثله مثل البرد. فالعديد من الطلاب جاؤوا إلى السويد بدون أهاليهم. كما أنّ اختلاف الثقافات تلعب دورها هنا أيضاً".المشكلة الكبيرة التي ذكرها بشار، والتي نتمنى أن لا يعاني من تغيّر القوانين بسببها في المستقبل، أنّ طول مدّة الدراسة تترك أثرها على تشكيل الحياة، وعلى الحياة بشكل قانوني في السويد. فحتّى اليوم، لا يملك بشّار هو وأغلب رفاقه إلّا إقامات مؤقتة.في المقابل، تقزمت هذه المشاكل في وجه بشار ورفاقه لأنّ هناك الكثير من الأشياء التي قال عنها: "لولاها لما تمكنا من النجاح.. مثل القدرة على اللقاء بأبناء بلدي من السوريين، وبقيّة العرب في الجامعة، والمساعدة التي قدمناها لبعضنا البعض".الأمر الآخر الذي يدرك من سكن في الشمال مدى أهميته هو وجود سكن طلابي قريب من الجامعة بأسعار زهيدة. كما أنّ المساعدة المالية والقرض التعليمي الذي يحصل عليه الطلاب من المجلس السويدي لتمويل الطلاب CSN تجعل الأحلام قابلة للإدراك.من الأشياء التي يشعر بشّار ورفاقه بأنّها استحقّت التعب والجهد الذي بذلوه، هو توفّر فرص العمل بكثر بعد التخرّج. بل إنّ بشار يقول: "من السهل إيجاد عمل، بل إنّ جميع الطلاب قد حصلوا على عمل قبل انتهاء آخر فصل في الجامعة".في الختام…نقول لبشّار الذي أرسل لنا: "شكرا جزيلاً لكم منصة Aktarr"، بأننا نشكرك بدورنا على أنّك أحد المهاجرين - الذين لا يُستهان بعددهم - ممّن يستمرون هم ورفاقهم بإدخال الأمل إلى قلوبنا، أو ربّما علينا أن نقول: الدفء إلى قلوبنا، وسط البرد.هذه قصّة نجاحٍ أخرى، وهذا شخصٌ نتمنى له التوفيق...