عندما غادر سورية قبل سنوات بسبب الحرب الدائرة فيها، لم يعتقد الشاب عامر فادو أن كوريا الجنوبية ستكون مكاناً سيتعرض فيه لسوء المعاملة لعدة أشهر في أحد مركز احتجاز.وروى فادو (42 سنة)، في حديثٍ لوسائل إعلام، بشكلٍ مفصل ظروف احتجازه الذي دام 22 شهراً في مركز للمهاجرين: لقد قُيدت بسلاسل مربوطة بالأصفاد. لم أستطع تحريك ذراعيّ ويديّ على الإطلاق، تركوني مقيداً بالسلاسل طوال النهار والليل، ولم يطلقوا سراحي إلا لمدة 30 دقيقة أثناء تناول الطعام. كانوا يرمونني في غرفة الحبس الانفرادي لأيام وشهوروغادر فادو سورية بعد الاحتجاجات التي انطلقت في البلاد عام 2011، والتي اندلع بعدها صراع دام 10 سنوات، وطلب اللجوء في كوريا الجنوبية، على بعد حوالي 7700 كيلومتر من وطنه، وبعد سنوات من الانتظار، مُنح وضع إقامة محدود.أنا لست مجرماً ولم أتسبب في أي ضرر لأي شخص. لكنهم عاملوني كحيوانوبعد سنوات، أدى خلاف مع مواطن كوري إلى احتجازه في منشأة للمهاجرين المقرر ترحيلهم. وقضى ما يقرب عامين في السجن متعرضاً للحبس الانفرادي والإساءة الجسدية والعذاب النفسي.قصة عامر منذ خروجه من سوريةوصل فادو إلى كوريا الجنوبية في عام 2012 لطلب الحماية من ملاحقة الحكومة السورية، التي وضعته على قائمة المطلوبين لديها. وتقدم بطلب للحصول على وضع لاجئ عند وصوله، لكن تم رفض طلبه في عام 2014.السبب الذي قالوه لي هو أن سوريا آمنة بالنسبة لي. كيف تكون سوريا آمنة؟ ألا يشاهدون الأخبار حتى؟وبعد مرور عام، مُنح وضع الإقامة الإنسانية، الذي كان لا بد من تجديده سنوياً.وخلافاً لوضعهم كلاجئين دائمين، لا يمكن توظيف أولئك الذين يحصلون على إقامة إنسانية في كوريا الجنوبية إلا في وظائف تحتاج مجهوداً عضلياً - مثل التصنيع أو البناء أو الزراعة - ولا يتلقون أي دعم مالي من الحكومة.ووفقاً لمركز حقوق اللاجئين الكوري الجنوبي NANCEN، هنالك ما يقارب 1,200 طالب لجوء سوري و800 يمني في كوريا الجنوبية، معظمهم يعيشون بتأشيرة إقامة إنسانية، والتي يجبرون بموجبها على العمل في وظائف محفوفة بالمخاطر وغالباً ما تكون خطرة.وبعد نزاع مع مديره الكوري في عام 2019، ألقي القبض على فادو في مدينة تشيلجوك حيث كان يعمل وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر بتهم تتعلق بمدفوعات الإيجار المتأخرة، وهو ما ينفيه.“أنا لستُ مجرماً”وبعد أن أمضى ثمانية أشهر في السجن في انتظار المحاكمة، كان يتوقع إطلاق سراحه بعد أن أيدت محكمة الاستئناف الحكم الصادر ضده بالسجن لمدة ستة أشهر.ومع ذلك، أصدرت هيئة الهجرة الكورية أمراً بالترحيل ضده في يوليو/ تموز 2020 على أساس أنه ارتكب عملاً إجرامياً، وتم نقله إلى مركز احتجاز المهاجرين سيئ السمعة في مدينة هواسيونغ، والذي يشار إليه أحيانا باسم “مأوى الأجانب".ويحتجز المهاجرون الذين تقرر السلطات الكورية ترحيلهم في مراكز احتجاز شبيهة بالسجون - مثل مركز هواسيونغ - حتى تاريخ ترحيلهم.وقال فادو في حديث مع موقع ميدل إيست آي:أنا لست مجرماً ولم أتسبب في أي ضرر لأي شخص. لكنهم عاملوني كحيوانوعن احتجازه الذي دام 22 شهراً، يقول إنه أمضى ما مجموعه ستة أشهر في الحبس الانفرادي دون إمكانية الوصول إلى أشعة الشمس، وواجه إهانات جسدية وإهمالاً طبياً.تعرضت للضرب أيضاً، وصعقت بالكهرباء عدة مرات بضربات قوية بدت وكأنها هراوات. أعصاب يدي مصابة أيضاً بعد قضاء أشهر في الأصفاد، ولدي الآن أربعة أسنان مفقودة بسبب الإجهاد العقلي والبدنيوقال إن سوء المعاملة التي واجهها توقفت بعد تسريب لقطات كاميرات المراقبة التي التقطت داخل مركز احتجاز في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وهي تظهر طالب لجوء مغربي مقيداً بالحبال في الحبس الانفرادي لساعات، ما تسبب في رد فعل عنيف في وسائل الإعلام.وكانت منظمة غير حكومية لدعم اللاجئين تدعى "قانون المدافعين عن المصلحة العامة"، قد رفعت قضيته إلى المحكمة قبل شهر.وبعد معركة قضائية استمرت سبعة أشهر، قضت المحكمة بأن احتجازه غير قانوني وأمرت بالإفراج عنه في أبريل/نيسان.ويطالب فادو الآن بالعدالة:كيف سيتم تعويضي عن 22 شهراً؟ أنا محطم عقلياً وجسدياً. ألا ينبغي معاقبة أولئك الذين أخطأوا معي؟عامر ليس حالة فريدة في كوريا الجنوبيةوأظهرت اللقطات المسربة للرجل المغربي ظروفاً مشابهة لتلك التي وصفها فادو.وكان الرجل، البالغ من العمر 30 عاماً، قد ربطت أطرافه الأربعة خلف ظهره بالحبال وأجبر على ارتداء معدات "حماية" الرأس.وأمضى 10 أشهر في هذه الظروف في ما وصفه سابقاً بأنه "غوانتانامو" الكوري، في إشارة إلى المعتقل الأمريكي سيء السمعة.وبعد أن تصدرت قضيته عناوين الصحف المحلية والدولية، اعترفت وزارة العدل الكورية الجنوبية بانتهاكات حقوق الإنسان ضده، لكن شهادات من طالبي لجوء آخرين تشير إلى أن الكثير لم يتغير.حالة مشابهة في مصر أيضاًووصف محمد المكاوي، وهو طالب لجوء مصري محتجز حالياً في مركز احتجاز آخر - مركز احتجاز يوسو - ظروفاً مماثلة.واحتجز الشاب البالغ من العمر 26 عاماً لتجاوزه مدة تأشيرته بعد أن رفضت سلطات الهجرة طلبات متكررة لتجديد لجوئه. وهو محتجز منذ ستة أشهر دون أن تلوح في الأفق نهاية له.إنهم [ضباط الهجرة] يعاملون العرب بهذه الطريقة فقط. هنالك ليبيون ومصريون آخرون معي في هذا المركز يعاملون بشكل رهيبومثل فادو، يقول إن طالبي اللجوء داخل هذه المراكز محرومون من الخدمات الطبية.عيني تؤلمني بشدة، ولكن لا يتم تقديم أي خدمة طبية لأنني لا أملك أي مال. لذلك، أضربت عن الطعام لمدة ثمانية أيام احتجاجاً على هذه الظروف السيئة. لكن ضابط الهجرة سخر مني وقال لي إنه سيعد صندوقاً لوضعي فيه وإعادته إلى مصر بعد وفاتي.واقع كوريا الجنوبية لا يوافق صورتها الدوليةعلى الرغم من أن كوريا الجنوبية وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين في عام 1992 وكانت أول دولة آسيوية تقدم قانوناً للاجئين في عام 2013، إلا أن العدد الإجمالي للاجئين المعترف بهم منخفض بشكل مذهل.وتظهر الأرقام التي نشرتها وزارة العدل أنه في عام 2020، تم منح 52 طالب لجوء فقط من أصل 11,892 متقدماً ينتظرون وضع اللاجئ، وهو معدل قبول قدره 0.4% فقط. من عام 1994 إلى عام 2020، تم قبول 1,084 طالب لجوء فقط من أصل 71,042 شخصاً.وفي نهاية المطاف، تم الفوز بالعديد من قضايا اللجوء الناجحة في المحاكم، بعد سنوات من الانتظار والاستئناف، مع دعم حكومي ضئيل أو معدوم.