الثقافة

عمرو الحسيني: بالكوميديا يسمع السويديون رسائلنا السياسية

عمرو الحسيني: بالكوميديا يسمع السويديون رسائلنا السياسية
 image

عروة درويش

أخر تحديث

Aa

عمرو الحسيني: بالكوميديا يسمع السويديون رسائلنا السياسية

عمرو الحسيني: بالكوميديا يسمع السويديون رسائلنا السياسية

ماذا لو قلتُ لكم أنّ السياسة والكوميديا قادران على التزاوج والتغيير؟ ماذا لو أخبرتكم بأنّ أحد المهاجرين العرب في السويد يتلذذ بالسخرية من العنصرية والعزل الثقافي ومشاكل المهاجرين بشكل كوميدي وبأنّ السويديين يحبون الاستماع إليه؟ لنتعرّف على الكوميديان (ستاند أب*) عمرو الحسيني.

جاء عمرو الحسيني إلى السويد من الإسكندرية في مصر منذ قرابة 6 أعوام ونصف. أنهى دراسة القانون في مصر، وعمل في مصر كمحامي وفي عدد من جهات المجتمع المدني والمنظمات الدولية. يعيش عمرو اليوم في يوتوبوري ويعمل مع وحدة الطوارئ المسؤولة عن مساعدة الإسعاف وخدمات الطوارئ الأخرى.

السويديون فاسدون بقدرنا!

عندما كنتُ أتحدث مع عمرو عن التدريب المهني (أوتبيلدنغ) قال: "أغلب الأوتبيلدنغ مجرّد حجة يتذرّع السويديون بها كي يغطوا على حقيقة أنّ الحصول على عمل في السويد هو مسألة علاقات فقط. فحصولك على عمل يتوقف على: من تعرف!".

أثارت إجابة عمرو اهتمامي، فحاولت الاستفسار عن رأيه: "هل ترى بأنّ العلاقات في السويد تشبه العلاقات في الدول العربية التي جئنا منها؟". كان عمرو صريحاً وواضحاً: "برأيي لديهم الفساد ذاته الذي كان لدينا في الدول العربية، ولكن بشكل أكثر تنظيماً ليس إلّا".

يضيف عمرو بسلاسة المتحدث القادر على أخذك أينما شاء دون أن يُشعرك بالثقل: "هناك أيضاً مسألة الاسم، فاسمك الأجنبي يعيق حصولك على عمل. كثيرون جربوا إرسال سيرتهم الذاتية نفسها باسمين مختلفين، ووجدوا الفرق".

عمرو الحسيني - خاص “أكتر”

الحياة في الشمال أجمل وأفضل

يحنّ عمرو إلى العيش في شمال السويد، فهو يرى بأنّ العنصرية في الشمال أقل، وقد يكون مردّ ذلك أنّ فرص العمل كثيرة مقارنة بالاحتياجات. اضطرّ عمرو للانتقال إلى الجنوب لأنّه تزوج العام الماضي، ومنذ ذلك الحين بدأ يشعر بمدى ترسّخ العنصرية في الجنوب.

بالنسبة لعمرو شمال السويد أفضل من جنوبها ليس فقط من ناحية العنصرية، بل من ناحية تكاليف المعيشة أيضاً، فهناك يمكنك الحصول على سكن أوسع وأفضل بكثير بالمبالغ ذاتها، ناهيك عن انخفاض تكاليف الخدمات أمثال الكهرباء. يختصر عمرو المسألة: "لو لم أجد عملاً هنا في الجنوب لما ترددت دقيقة في العودة إلى الشمال".

عندما سألنا عمرو عن الفرق بين الشمال والجنوب من الناحية الاجتماعية، كان ساخراً كما يمكن أن نتوقع من شخص كوميدي، حيث قال: "السويد بلد بائس، لا يمكنك أن تجلس فيه على القهوة خارجاً مع صحابك لنتساير ونتسامر في الليل، لا في الشمال ولا في الجنوب".

لماذا الستاند آب كوميدي؟

كلّ ما قلناه كان بالنسبة لي هو تمهيد للوصول إلى النقطة التي أشعر فيها بأنّ عمرو متميّز: "لماذا قررتَ أن تقوم بالستاند أب كوميدي*؟".

شرح عمرو لنا بأنّ الأمر بدأ أثناء سكنه في شمال السويد. تعلّم عمرو اللغة السويدية بشكل رئيسي عبر الاستماع للأغاني وحضور الأفلام، الأمر الذي قال عنه بنفسه: "جعلني أتشرّب الثقافة السويدية رغم أنني لستُ من المتيمين بها". ثمّ تعرّف عمرو على فرقة مسرح وأحبّ أن يشترك معهم. بدأ يجري مع الفرقة مقاطع كوميدية قصيرة (سكيتشات)، هنا خطرت الفكرة ببال عمرو: "لماذا لا أقوم بنفسي بأداء مقاطع كوميدية؟". اتصل عمرو بعد ذلك بصديقه المصري، الكوميدي الشهير علي قنديل، وأخذ منه بعض النصائح المفيدة.

إذاً بعد 16 شهر في السويد، قام عمرو بأداء أوّل عرض كوميدي. جعلني هذا أتساءل: "إذاً أنتَ كوميديان بالصدفة... كيف أصبحت الكوميديا التي تؤديها مليئة بالرسائل السياسية إذاً؟".

الكوميديا تحمل الرسائل السياسية

عندما طرحت على عمرو ما أفكر قال: "مع الموجة اليمينية المتصاعدة في السويد كان لديّ شعور بأنّ عليّ أن أقوم بشيء. وعبر متابعة مشاهير في الكوميديا يمكن أن نفهم بأنّنا قادرون على استخدام الكوميديا لتوجيه رسائل سياسية ثقيلة".

من الأشخاص الذين يعتبر عمرو بأنّهم من ملهميه هو الكوميديان السويدي الذي توفي في 1999: Lasse Lindroth. كان لاسه قد واجه الكثير من التهديدات بالقتل والأذى من المجموعات اليمينية لأنّه كان يكشف الحقيقة ويسخر من تطرّفهم وعنصريتهم.

بالنسبة لعمرو، قضايا اللاجئين وتعرضهم للعنصرية، ومشاكل البيروقراطية والتشدد في الإقامات وقبول طلبات اللجوء...الخ هي أشياء تترك أثراً لدى مستمعيه. لكن بالنسبة له ربّما الأهم هو وضع السويديين في موقع يدركون فيه بأنّ الأجانب مظلومون، فهم يعملون وينجزون الكثير لصالح المجتمع السويدي، ورغم ذلك دوماً ما تظهر صورهم نمطية سيئة. ولهذا يحثّ عمرو من خلال رسالته السياسية التي تصل بالكوميديا، المستمع على القيام بشيء ما لتغيير ذلك، وعدم الاكتفاء بالوقوف ساكناً.

أوافق عمرو كلماته، فلطالما كانت الرسائل السياسية الثقيلة قادرة على الانتقال بخفة عبر الكوميديا. لكن خطر لي سؤالان: 1) هل يمكن للكوميدي أن يلتزم بالسياسة دون أن يفقد جزءً من متابعيه؟ 2) هل تترك الرسالة السياسية التي وصلت بطريقة كوميدية صدى يجعلها تغيّر؟

يقول عمرو بأنّ الكوميديا قادرة على حمل رسائل سياسية

قليل من هذا وقليل من ذاك

يعترف عمرو بحقيقة أنّ الكوميدي الذي يلتزم بالنكات السياسية سيحفر قبره الفني بيده ويفقد متابعيه بعد وقت قريب. لهذا يقول عمرو: "أنا مضطر لأعطي الجمهور ما يريده. فإن كان يريد الجنس، فعليّ التحدث أحياناً في الجنس حتّى أبقيه منجذباً بغضّ النظر عمّا إن كانت تسعدني أو لا".

لكن عمرو لا يرى بأنّ المشكلة فقط في السويديين، فهو كما يقول: "نعاني كعرب من مشكلة الوجه الواحد للحقيقة، فإن كنّا على حق، فالمقابل على خطأ بالضرورة. أريد أيضاً أن أتحدث عن هذه المشاكل في الكوميديا التي أقدمها".

حملنا كلام عمرو إلى سؤال آخر: "أنت اليوم توجه الكوميديا للسويديين، فهل تنوي أن توجّهها للعرب أيضاً؟". أجاب عمرو وهو يضحك: "أرغب بذلك، ولكن الجمهور يخيفني".

تابع عمرو ضاحكاً كمن يعتذر عن خوفه: "من الجيّد أن تعمل حساب الجمهور. أنا أرغب في أن أسخر من أحوالنا في هذه البلاد (الإفرنجية) باستخدام اللغة العربية... لدينا أزمة هوية يجب أن نتحدث عنها، فكما قال لي أحد أصدقائي الصوماليين: أنا في السويد صومالي، وعندما أذهب إلى الصومال أصبح سويدي...".

السويد بلد جميلة

بالنسبة لعمرو السويد بلد جميلة، وفيها بعض المشاكل، وخاصة العزلة الثقافية بين المهاجرين والسويديين، وهي التي عبّر ساخراً بالقول: "في التجمعات الصيفية في يوتوبوري هناك سويديون يتجمعون ويغنون أغانيهم، بينما نحن نتجمع ونغني حبيبي يا نور العين...".

لكن يصرّ عمرو على أنّ السويد لا تزال واحدة من أقلّ البلدان في أوروبا عنصرية. يقول: "أنا لفيت أكتر من 24 بلد، وليّ أصدقاء في كلّ حتّة، فالسويد ما وصلتش لمرحلة الدنمارك وألمانيا والنرويج وفنلندا. لو قارنا بس بشوية الدول اللي حوالينا، فالسويد معقولة جداً".

الخطوة التالية

عندما سألتُ عمرو: "لماذا لا تعتمد التكنولوجيا في عرض كوميدياك لتخاطب بها جمهور أوسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي". كان ردّ عمرو غريباً: "في الحقيقة لستُ مهتماً بأن يكون لديّ جمهور أوسع، فالجهد والتفرّغ الذي يحتاجه مثل هذا العمل أكبر من الذي أعتقد بأنني جاهز اليوم له".

كنت مستغرباً وأنا أرد: "ماذا عن رسالتك السياسية، ألا تريدها أن تصل أسرع؟"، فأجاب عمرو: "في النهاية ستصل، ولو بعد وقت. المشكلة هنا في ثقافة الاستعجال لدينا وليس في الوقت الذي يستغرقه وصول الرسالة... ينطبق هذا على حلمي بأن يكون لي جمهور يملأ ملعباً رياضياً، والذي سأحققه عندما يحين الوقت ".

بدا جواب عمرو بالنسبة لي أكثر "سويدية" ممّا يحتمل مزاجي المستعجل دوماً. يبدو لي أنّ السويد وشمالها وما يمكن أن يسموه: التأني والتمهّل، قد صبغوا عمرو بصبغتهم سريعاً.

تخلصوا من النمطية

ربّما استفزيت عمرو عندما سألته: "هل تعتبر نفسك كما يقولون في الثقافة العربية: مهرّج الملك، أو مجنون الملك، الذي يقول الحقيقة دوماً ولو بطابع كوميدي؟"، فعمرو يرفض النمطيات ويرفض وضعه في أيّ قالب جاهز.

يشرح عمرو بأنّ القوالب الجاهز سامّة والنمطيات تفرض علينا جميعاً مشكلة. ويذهب أبعد من ذلك بالقول: "أجهزة الأمن العربية تحبّ وضعنا في قوالب: شيوعيين، ويساريين، وإسلاميين... لأنّ ذلك أسهل لها، ولكنّه ليس حقيقي".

يتابع عمرو وهو يهزأ من النمطيات المبتذلة: "هنا لا يمكنني أن أصوّت لليمين لهذا فأنا شمال، وإن قلت في مصر بأنني شمال فهذا ليس بالشيء الجيّد أبداً...".

ينهي عمرو كلامه بالقول: "نِفسي السويديين يعترفوا، واحنا نعترف، بأنّ في حاجات كويسة بثقافتنا، وحاجات كويسة بثقافتهم. احنا لازم نتعلم من بعض لأننا بنكمل بعض في النهاية. الخناقات غير المبررة أحياناً بتستمر، زي أنو السويديين بيشوفو الستات العرب دايماً في حرب مع الرجالة، أو أن الرجالة في البلاد العربية ضدّ الستات. مافيش شيء من دا صحيح. الأجانب والعرب مش في حالة حرب ولا حاجة... مصلحتنا كلنا بأنو البلد دي تتقدم وتتحسن بدل من الانهيار اللي بنشوفو النهارده. لو اليمين قدر يحسّن الأوضاع الاقتصادية بدون ما يؤثر على حد فالناس كلها حتبقى مبسوطة... عايزين نبقى منفتحين أكتر من كدا".

ليس بالضرورة أن أوافق عمرو على جميع آراءه، لكنني أرى بأنّ كوميدياه تسمح له بإيصال رسائل تحاكي لبّ المشكلة، وأن يرأب صدعاً مستمرّ التوسع بين المهاجرين والسويديين. أتمنى لعمرو النجاح، وأن يستجيب لطلبنا بأن يخصص لنا فيديوهات نعرضها له على "أكتر" يخاطب فيها العرب بكوميدياه.


*ستاند أب كوميدي Stand-up Comedy (نوع من الأداء الكوميدي الذي يقف فيه المؤدي – الكوميديان – أمام جمهور حي يلقي النكات. قد تكون نكات المؤدي سياسية، وقد تكون اجتماعية، وقد تكون خاوية من المعنى ببساطة".

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - الثقافة

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©