اكتر-مقال رأي : على خلفية إحراق المصحف من قبل يميني متطرف مهووس يعتقد بهذا الفعل أنه استطاع النيل من ديانة عمرها 1400 سنة، اندلعت احتجاجات في مدينة مالمو يوم أمس، قادها شبّان غالبيتهم في بداية العشرينات. المثير للاهتمام بالنسبة للنقاش العام بين المهاجرين حول الأحداث هو أن النقاش تحوّل إلى إما مؤيد مبجّل للمشاركين أو معارض مشيطن لهم، تقريباً لا أحد حاول التفكير بالدوافع، ومن فكّر بالدوافع أرجعها إلى انغلاق العقلية الدينية بطريقة الليبرالي المتعرّف على الليبرالية حديثاً. المتابع للحدث على الأرض يعلم أن الاحتجاجات التي تخللها إغلاقات طرق وحرق إطارات ومواجهات مع الشرطة، بحجّة الانتفاض انتصاراً للقرآن، قادها شبّان ليسوا متدينين وقد تكون معرفتهم بالقرآن أقل من سطحية حتّى، فلماذا هذا الثوران العنيف غير المفهوم من قبل فئات هي في الغالب غير متدينة؟ الإسلام كهوية اجتماعية وثقافية: تواجد الفرد في مجتمع متضارب مع هويته الأصلية يجعله يعود لمربّع الهوية الأول بالنسبة له حتى وإن كان غير متقبّل لهويته في بلاده، ويصبح الارتباط بالدين كهوية ثقافية أمر مهم جداً. يرى استاذ علم الاجتماع في جامعة إلينوي في شيكاغو وارنر ستيفنز وفي إحدى اطروحاته أن "حاجة الأشخاص في مجتمع متنقل غير متجانس لربط أنفسهم بالآخرين من نفس النوع الخاص بهم من شأنه أن يجعل الدين أكثر بروزاً بالنسبة للمهاجرين". في مدينة مثل مالمو، يمكن ملاحظة هذا الأمر بالعين المجرّدة ففي بعض أحياء المدينة ذات الأغلبية المهاجرة ترى أشخاص من مختلف مناطق العالم ومختلف الأعراق يعيشون معاً بدون أي تضارب هوياتي، ما يميز أغلبهم هو الانتماء الى الإسلام سواء كانوا من البوسنة أو الصومال أو سوريا. عدم الثقة بالـ "ـSystem" النظام منذ اللحظة الأولى من الاحتجاج ظهرت رغبة المحتجين بمواجهة الشرطة، وتم توجيه العديد من الاتهامات لها بالتواطئ مع المتطرفين، وتقديم الحماية لهم للقيام بحرق القرآن، واتهام الجمعيات الإسلامية التي دعت لعدم التظاهر بأنه تم استغفالها من قبل السويديين، وهذا ببساطة يشير إلى عدم ثقة الناس بالنظام وأجهزته الاجتماعية أو الأمنية، وهذه فجوة ضخمة وستبقى طويلاً. عدم الثقة هذا يأتي من تجارب سابقة وواسعة بين الطرفين، وكثيرة هي الأحداث العنصرية التي تغذّي التخوّف والانغلاق بين الطرفين وقناعة المهاجرين بأن هويتهم مهددة من قبل النظام العام السويدي، وتتجلى بنظرية المؤامرة التي تروّج إلى رغبة النظام بتجريد المهاجرين من أطفالهم ليتم تربيتهم من قبل عائلات سويدية أخرى. أحد أسباب عدم الثقة هو أن غالبية المهاجرين قادمين من دول الحكومة فيها هي مجرّد جابي ضرائب قاسي والشرطة جهاز قمع سلطوي موجود لخدمة فئة معينة وليس المجتمع، والنظام القضائي غير عادل، تبقى رواسب هذه النظرة مع المهاجرين حتى وإن تغيّرت الأنظمة. https://www.youtube.com/watch?v=USoNfPkh3Mk&feature=emb_title صرخة ضد التهميش لا يتعلم المهاجرين كيف يمكنهم اختراق المجتمع السويدي على مستوى العمل أو التعليم أو النشاط الاجتماعي، بالعكس يعلّمهم نظام الرفاه الاجتماعي كيف يبقون بلا أي نجاح يذكر حيث من الأسهل الحصول على دخل من خلال التلاعب بالنظام بدلاً من خلق فرص حقيقية لهؤلاء القادمين الجدد. بهذا يبقى المهاجر في قاع الترتيب الاجتماعي، ويترتب على ذلك البقاء في قاع الطبقة الاقتصادية، وهنا تنشأ التوترات الاقتصادية التي تظهر على شكل الجريمة المنظمة أحياناً أو استحداث نظام اقتصادي متكامل خاص بالمهاجرين معزول عن نظام الدولة المراقب ضريبياً. من يدفع ثمن هذا الخلل هم صغار الشباب الذين لا يرغبون العيش بطريقة مهمّشة ولديهم الكثير من الأحلام ويسعون إلى تحقيق الذات ويريدون الشعور بقيمة وجودهم، هاهم يصرخون الآن في الشوارع. بالمحصلة، السبب لا علاقة له بشكل مباشر بالايديولوجيا الدينية مع احتمالية وجود أطراف أيديولوجية محرّضة لعبت دور بتأجيج الوضع، وهناك أسباب أخرى أعمق وتحتاج للتفكيك، والقضية بحاجة للبحث بشكل أوسع من قبل الدولة نفسها ومؤسساتها الأكاديمية والبحثية، فكل ما طال أمد عدم التعامل مع مشاكل الاندماج بجدّية، كل ما دفعت السويد ثمناً أكبر في المستقبل. بقلم الصحفي : أحمد أبو حمد