تجعلنا بعض نجاحات المهاجرين في السويد نشعر وكأنّها نجاحاتنا الخاصة، فيسعدنا أن نسمع قصصهم وأن نتخيّل أنفسنا مكانهم في كلّ مرحلة، وأن نتخيّل بأنّ أبنائنا هم من يتابعون درب الأمل الذي بنيناه. هذه قصّة حسن وابنته ألكسندرا: فتيان الكاراتيه الحقيقيون في السويد.جاء حسن علي عبد من العراق إلى السويد منذ قرابة 12 عام، حيث تخرّج في العراق من الجامعة اختصاص فيزياء، وكان لاعب كاراتيه محترف لعب لصالح المنتخب العراقي في جميع الفئات العمرية.يمكن أن نقول بأنّ حياة حسن والكاراتيه كانتا دوماً تسيران جنباً إلى جنب، فقد حقق العديد من البطولات في الكاراتيه أبرزها بطل جامعات العراق في 2002 وبطل العراق 1991 – 2004 في الكاتا والقتال، والميدالية الفضية في بطولة إيران الدولية بمشاركة 18 دولة. وتدرّج من لاعب إلى مدرّب وقائد الفريق الأول في نادي الأعظمية في بغداد.بعد قدومه إلى السويد، عمل حسن كمدرّس للرياضيات في المدرسة المتوسطة. لكنّه افتقد إلى "غذائه الروحي" كما يسميها: الكاراتيه. حصل على تصنيف مدرّب معتمد من قبل الاتحاد السويدي للكاراتيه، وعلى حزامه الأسود الرابع (دان 4). حاول حسن الاتصال مع الأندية الموجودة في اسكيلستونا حيث يعيش، لكن واجهته مشكلة اختلاف الأسلوب. فهو من أتباع مدرسة "شوتوكان" في الكاراتيه، بينما الأندية في مدينته تعتمد أساليب مدارس أخرى.دفع هذا بحسن إلى الإحباط والحزن لكونه مضطر للابتعاد عن لعبته المفضلة، لكنّ حسن لم يستسلم لليأس...حسن علي بقي يبحث عن “غذائه الروحي” حتّى وصل لغايتهأسلوبي ونادييقرر بعدها حسن أن يفتتح ناديه الخاص وفقاً لأسلوب "شوتوكان"، لكن لم يكن حسن يتمكن بعد من افتتاح نادٍ لوحده، فاتفق مع شخص سويدي وافتتحا نادياً باسم "نادي اسكيلستونا لكاراتيه الشوتوكان".نجح النادي وكان من ضمن أعضاءه الناجحين ابنتا حسن، والتي سنأتي على ذكر إحداهما" ألكسندرا" بعد قليل. لكن رغم النجاح، كان حسن يشعر بأنّه يريد الاستقلال بناديه دون أن يشاركه السويديون. كانت مشكلته الكبرى معهم أنّهم يهتمون بتدريبهم الشخصي أكثر من اهتمامهم بتدريب اللاعبين الأطفال، وكان هذا يسبب بعض التوتر، فأحلامه بالمشاركة بالبطولات وحصدها كانت أكبر من مجرّد افتتاح "عمل".لهذا أطلق حسن ناديه الخاص وسمّاه "كاراتيه كيدز – فتيان الكاراتيه". ولم يمضِ وقت طويل على افتتاحه النادي حتّى انضمّ إليه أكثر م 50 لاعب.حسن علي مع طلاب مدرستههذا الشبل من ذاك الأسدكما أنّ حسن بطل كاراتيه، فابنته ألكسندرا البالغة من العمر 13 عام تسير على خطاه. تحمل ألكسندرا حسن علي الحزام البني، وتستعد لنيل الحزام الأسود في العام القادم.لدى ألكسندرا عدّة مشاركات، ولكنّها حققت هذا العام 2022 بطولة السويد في الكاراتيه "الكاتا" في "Svenska KataPokalen 2022"، وهي أكبر بطولة كاراتيه في شمال أوروبا، حيث شارك فيها أكثر من 500 لاعب/ة.عندما تحدثنا مع ألكسندرا، وسألناها عن شعورها بعد كسبها للقب البطلة، كانت كأيّ طفلة نشيطة وسعيدة تحمل أحلاماً بمتابعة الكاراتيه. لكنّها أخبرتنا بنوع من المزاح بأنّ أكثر ما تغيّر معها بعد كسبها لقب البطلة أنّ رفاقها في المدرسة باتوا ينظرون إليها ببعض الخشية.ألكسندرا حسن علي بطلة السويد وشمال أوروبالأنّها ابنتك أم عضوة في ناديك؟سألنا حسن عمّا إن كان سعيداً بفوز ألكسندرا بالبطولة لكونها ابنته أكثر، أم لكونها عضوة في ناديه الجديد الذي يعتبر فوزها باسمه دعاية ممتازة له؟ ضحك حسن وقال دون تردد: يسعدني أنّها فازت نيابة عن النادي، لكنّ مشاعر الأبوة هي من تنتصر هنا. عندما أتابع ألكسندرا وهي تلعب أشعر بالتوتر والعصبية أكثر من متابعتي للاعبين الآخرين، فالأبوة هي من تفرض نفسها.ويؤكد حسن أنّ فوزها باسم نادي "كاراتيه كيدز أكاديمي" أعطى دفعة للنادي، فبات لديه علاقات أكثر مع بقيّة الأندية ومع الاتحاد السويدي. خاصة أنّ هذه هي المشاركة الأولى في البطولات.تحبّ ألكسندرا مسلسل تدور قصته عن الكاراتيه يسمّى "كوبرا كاي". مازحناها بالقول: أنتِ بطلة، فإن تقابلتِ في مباراة كاراتيه مع أحد الأبطال من سيفوز؟ فأجبت ألكسندرا بنوع من الخجل: هم، فهم أطول مني.ألكسندرا ستشارك في الفترة المقبلة في عدد من البطولات الدولية المفتوحة، وكذلك المحلية السويدية. لدى حسن ابنتان أخريتان تلعبان الكاراتيه، إحداهما أكبر من ألكسندرا وتحمل الحزام البني، وواحدة بعمر 9 سنوات بدأت مسيرتها في الكاراتيه للتو.يشعر حسن بالمسؤولية تجاه طلابه من المهاجرين لأنّهم وثقوا فيهكيف تغلّب حسن على الصعاب؟تحدّث حسن عن أنّ معظم أعضاء ناديه من المهاجرين، وهذا أمر يجعله يشعر بالمسؤولية تجاههم أكثر. فكما يقول: هؤلاء جاؤوا لأنّهم يعرفوني ويعرفون ابنتي، ولهذا أريد ألا أخذلهم وأن أدربهم وأعطيهم أقصى فائدة ومتعة يمكنهم الحصول عليها.فاز من نادي "كاراتيه كيدز" عدد من الأطفال من خلفيات عربية غير ألكسندرا (عبدالله ويوسف)، وهم كما يقول حسن يجعلونه يأمل بنجاح النادي أكثر وبأنّه يقدّم شيئاً لجاليته المهاجرة العربية.سألنا حسن عمّا إذا واجه عنصرية من أي نوع، فأخبرنا بأنّه لم يلمس عنصريّة واضحة، ولكنّ اللغة كانت في البداية تشكّل صعوبة له. لكنّه اليوم بعد أن تخرّج من الجامعة في السويد في 2014، وبعد العيش والتحدّث بالسويدية أثناء العمل، لم تعد اللغة مشكلة له. لكن يضيف حسن: "عندما كنّا نجمع التراخيص والأوراق المطلوبة لبدء نادي "كاراتيه كيدز" لم نتعرّض لعنصرية واضحة، ولكنّهم يدققون ويشددون بشكل أكبر وأحدّ بكثير ممّا لو كنّا غير مهاجرين".تقول ألكسندرا: لا تيأسوا وحاولوا دائماً تحقيق هدفكم. يوافق والدها ومدربها حسن على ذلك، ويشدد بأنّه نجح في ناديه وفي التأقلم بسبب الدعم الذي حظي به من عائلته. نتمنّى التوفيق لألكسندرا ولحسن المزيد من النجاح وألا يواجها ما يدعوهما لليأس.