في هذه الأيام القاسية التي يعيشها من يحمل في قلبه وطنين: "فلسطين" و"السويد"، شاركتنا سارة سدر، الشهيرة بسبب مشروعها "سارة وأخواتها"، خاطرة أدبية ننشرها لكم دون تعديل بناء على رغبة الكاتبة. إليكم خاطرة سارة بعنوان: "أنا وليلى.. على طريق مبلول".أنا وليلى.. على طريق مبلولتجرأتُ ..واستطعت ُ أخيراً البوح لكم على الملأ بمعاناتي...فهل أجدُ من بينكم أذن صاغية تكترثٌ بي وتقرأُ كيفَ ..أنثُرُ وأُبعثِرُ كلماتي على سطورِ أيامي..فهلاَّ تسمعُون نزيفَ أقلامي.. ؟!!عندما أركبُ سيارتي صباحًا وأنا متأخرةٌ عن الدوام كالعادة..أَسرحُ في ألحانِ كلمات " حسن المرواني" ...بصوتِ " كاظم الساهر" الدافئ..وأَسمعُ أيضاً قطرات المطر تتراشقُ على زجاج السيارةِ حيثُ تطرقُ الأمطارُ الغزيرة الزجاج أمامي في مُحاولةٍ منها لجذبِ انتباهي..فيُخالِجُني شعورٌ غريب حين تلُّوح مسَّاحتي السَّيارة برفقٍ لتزيل الأمطار من أمامي..وترسم لي الطريق بوضوح..فأُحِسُ كأنها تمسحُ دموعي الجافة التي لم تنزل طيلة أعوام حياتي إلا ما ندر..فما الذي يستدعي البكاء أيها البشر؟!!أنصِتُ إلى كلمات الأغنيةواغربتاه..نُفيتُ واستوطن الأغراب في بلدي!! ودمروا كل شياء الحبيباتي..خانتك عيناكِ في زيفٍ وفي كذبٍ ؟! أم غَرَّكِ البُهرُجُ الخدَّاعُ مولاتي؟!!..عانيتُ عانيتْ..لا حُزني أبوحُ فيهِ ولستِ تدرين شيئا عن معاناتي..تمنيتُ أن اصرُخَ في وجهكِ..سامحيني..لكنهُكان أفدَحُ خطأ اقترفتِهِ في حقي.. معلمتي وقدوتي يوم كنتُ بين يديكِ.. طالبة صغيرة يافعةً في الصف العاشر.. وكُنتِ تقرئينَ مواضيع التعبير التي كنت أكتبها عن وطني المسلوب وأَسردُ فيها مواقفي السياسية وأشكو لك وللدفاتر وَهْنَ وضعفَ الأمتين العربية والإسلامية..أذكرُ حين جئتُكِ كالطفلِ أحملُ آمالي العريضاتِ..غرستِ كفكِ تجتثين أوردتي وتسحقين بلا رفقٍ مسرّاتي..وكيف أَنسى يوم غرست – بلا رفقٍ - في عقلي فكرةً أظلمت سنيناً طوالاً أوراقي و ظللت كتاباتي..وأتذكرُ جيداً ذلكَ اليومِ الذي كنتِ تُشيدينَ وتمدحين فيه عِباراتي القوية ..وحين أخبرتُكِ أني أطمحُ أن أصبحَ صِحافيّة حين أكبر.. لأكتب ما يصول و يجول في فكري بالصحف اليومية.. حينها ارتسمت على وجهك ملامحٌ لستُ أعرفها..وأتذكر.. كيفَ نظرتِ إليَ وكُنتِ قلقةً عليّ قلت لي :" سارة " : أنتِ بفكركِ هذا لن تصمدين كثيرا.. لن تسمح لكِ الصحافة بالتعبير على هذا النحو من الجُرأة..دعكِ من هذه المهنة.. ثم همستِ في أذني( يا ابنتي السياسة في وطننا العربي..." تياسة ")فراشةٌ جئتُ ألقي كُحلَ أجنحتي..لديكِ ، فاحترقت ظلما جناحاتي..يومها ماتت بمحرابِ عينيكِ ابتهالاتي ..واستسلمت لرياحِ اليأسِ راياتي..جفَّت على بابكِ الموصود يا قدسُ أزمنتي ..أقصى ..وما أثمرت شيئا نداءاتي ..وإن كانت السياسة كما علمتِني سيدتي ..تساوي التياسة.. فمن لي بحذف اسمك الشفاف فلسطينَ من لغتي..؟!!.. إذاً ستُمسي بلا أقصى كتاباتي؟!!...آهٍ منكِ ومن ما نَقـشتِ في عقلي.. فبعدها..أعوامٌ ما رفَّ لي قلمٌ على ورقٍ..وما استفاقت على نورٍ كتاباتي..آهٍ لو تدرين يا ليلى كم يتعذبُ قلمي ليلد الكلماتفأنا لا أملكُ يا أقصى إلا عينيَّ وقلمي وأحزاني.. ويدٌ أطبقها على لساني حتى ينتقي كلماتٍ تسمحُ بها الصحافة وعُقلاؤها أن تنشرثم فجأة تَسْتوقِـفُني صفارةُ شرطيِّ المُرور..فأقفُ انحناءً لهُ.. يعمل بجدٍ تحت المطر..وأعود لأُطلق العنانَ لمُخيلتي..فأخلعُ نعليَّ وأركضُ حافيةَ القدمين..في صحراءِ أحلامي..أتخيلُ ذلكَ الحُلمَ الجميل الذي يراودني منذ نعومة أظافري..حيثُ أرى نفسي ساجدةَ في المسجدِ الأقصى قُربَ حائطِ البراق (حائط المبكى)وأنا أُصلِّي ركعتي شكر لله وأسجدُ .وبعد أن أنتهي أهرولُ مسرعةً لأُطهِّر وجهي وكفيَّ وأغتسلُ في نهر الأردن.. بماءٍ مُقدّسآهٍ يا فلسطين، يا وطني كم هو "شعور سخيف أن تشعرَ بأنك شخصٌ ضعيف، فإن كان الموت بلا شيءٍ فالموت على شيءٍ أفضللكن اليومَ فقط حينَ رأيتُ على شاشاتِ التلفاز شبابَ غزة يعيشون الكرامة .. ابتسمتُ وحدثُتُ نفسي بصوت خافت "..صباحُ الخير يا فلسطين..يا أم الشهداء..ثوري واقهري.. الذُلِ...والظلم .. والاستعباد... صباحُ النثر الراقي.. صباحُكِ يا غزة أشرقَ على قلمي وأوراقي..صباحٌ أيقظني على أنفاسِ سنابل الحُرية تهمسُ في أذني : سنُودِّعُ السبعَ العِجاف..أما أنت مُعلمتي الفاضلة فارحلي عني واخلعي ما زرعت في عقلي..فلابد للصمتِ أن ينجلي..ولابد للخوفِ أن ينكسر..وسرعان ما تَسكتُ الموسيقى وترحل الكلمات..حين أطفئُ محركَ السيارةِوأنزل منها.. وأدخل إلى المدرسة .. في عجلةٍ من أمري فألتقي أحد طلابي الصغار بابتسامته المعتادة ونظرة الحُبِ تملأُ عينيهِ البريئتين قائلاً لي : "صباحُ الخير " فتشرقُ روحي من جديد..وأردُ عليه بلهفةٍ : "صباح النور يا حبيبي".. وسرعان ما ترتسمُ ابتسامة عريضة على وجهي..لأتناسى همي..وأؤدي أمانتي..وواجبٌ كُـلِّفتُ بهِ..التعليم..أرقى الرسالات..فأَمشي في المدرسةِ وأضحكُ يا وطني مُكابرةً ..علّي أُخبي عن الناسِ احتضاراتي ..لا الناس تعرفُ ما همي فتعذرني ولا سبيلَ لديهم في مواساتي..هذه كانت ومازالت مُعاناتي ...فهكذا سِرنا معاً أنا وليلى.. وحسن المرواني.. وكاظم الساهر.. على طريقٍ مبلول...وكان كلٌ منا يُغني على ليلاهبقلم سارة سدر سيدة فلسطينية تحمل الجنسية السويدية