مقالات الرأي

في الحرب مع السوسيال ..أين مصلحة الأطفال من كل ما يحصل؟

Aa

في الحرب مع السوسيال ..أين مصلحة الأطفال من كل ما يحصل؟

في الحرب مع السوسيال ..أين مصلحة الأطفال من كل ما يحصل؟

مقال رأي: بقلم الصحفية نور أبو فرج


في المعركة الخفية الدائرة اليوم بين دائرة الخدمات الاجتماعية (السوسيال) وجموع المحتجين على سياساتها وممارساتها، يكاد يغيب الحديث عن مصلحة الأطفال الحقيقية. فالصراع الذي يجري اليوم هو صراع بين الكبار؛ الأهالي، المحققين، الموظفين الحكوميين، الإعلاميين، ورجال الدين وغيرهم. لكن أين صوت الأطفال في كل ما يحصل وأين تصب مصلحتهم الحقيقية؟ 

يبدو اليوم أن الحديث عن الأطفال نفسهم يكاد يكون معدوماً، حيث يتم تصوير الأمر كصراع أيدولوجيات (غرب\ شرق)، أو صراع ديني (إسلامي\ مسيحي)، أو حقوقي أو حتى صراع اقتصادي حينما يتم رفع تهم تتعلق بالاتجار بالأطفال أو المنفعة المادية من حضانة طفل في عائلة بديلة. لكن الصراع في جوهره يتعلق بأساليب التربية، وجميع الأطراف تدّعي في السويد اليوم أنها الأقدر على معرفة مصلحة الأطفال الحقيقة، رغم أنه وكما يبدو الجميع لا يصيبون الهدف تماماً. 

ما لا تراه دائرة الخدمات الاجتماعية: 

يُعد ما يُعرف ب اضطراب قلق الانفصال اضطراباً محورياً في حياة الأطفال، ويقصد به شعور الطفل بقلقٍ مستمر وشديد نتيجة الابتعاد عن المنزل أو الانفصال عن شخص يتعلق به كالأم. وعلى الرغم من أن هذا النوع من الاضطرابات شائع وطبيعي عند الكثير من الأطفال ومرتبط بفترة زمنية محددة من نموهم، لكن إهماله أو تعزيزه قد يؤثر على الطفل ليجعله يكبر وهو يعاني من اضطرابات وأنواع قلق مختلفة قد يحملها معه طوال حياته. فعند غياب أو اختفاء الأهل نتيجة السفر أو الموت مثلاً قد يتولد عند الأطفال مشاعر ذنب حينما يشعرون أن أهلهم قد اختفوا لأنهم ارتكبوا خطأ أو كانوا أطفالاً غير مطيعين. أو يحس الأطفال بأن غياب أهلهم يعني بأنهم غير محبوبين ويمكن التخلي عنهم بسهولة. إلى جانب ذلك قد تجعلهم خبرات من هذا النوع يظنون بأنه من الأفضل لهم عدم التعلق بالآخرين خوفاً من خسارتهم. 

لكن وكما يبدو لا تعير دائرة الخدمات الاجتماعية بالاً لهذا النوع من التجارب الصادمة الذي ستترتب على سحب الأطفال من عائلتهم. فهي تطلق لقب (الآباء البيولوجيين) على أهالي الأطفال كما لو أنها تحد مهمتهم بفعل الإنجاب، وتقلل من أهمية الرابطة العاطفية مع أطفالهم أو دورهم في عملية التنشئة. بحيث يبدو أن أي شخص كفؤ ومتوافق مع معايير السوسيال قد يستبدل مكان الأهل، كما لو أن الأطفال لا يمتلكون ذاكرة ويمكن اقناعهم بسهولة باستبدال آبائهم بآباء آخرين. 

من جانب آخر، أحياناً ما تنطوي إجراءات السوسيال على تعريض الطفل لسلسلة من التجارب الصادمة وخبرات الانفصال، حينما يتم مثلاً إخراجه من عائلتهم ليتم وضعه في عائلة انتقالية تمهيداً لإيجاد عائلة بديلة دائمة، ما يعني أنه يبدّل عدة أسر ويعاني من كرب الانفصال مرة بعد أخرى. وعلى اعتبار أن ملف الطفل يخضع للتقييم كل ستة أشهر فقد تجد دائرة الشؤون الاجتماعية مثلاً أنه يستطيع العودة إلى أهله "البيولوجيين" بحيث يجب هنا إعادة دمجه بالعائلة بعد أن بدأ يتقبل فكرة انسلاخه عنها. 

بالطبع قد يكون قرار السحب مبرراً وضرورياً في الحالات القصوى حينما تكون سلامة الطفل مهددة، لكن في حالات كثيرة أخرى قد يترتب على انتزاع الطفل من أسرته ضررٌ لا يقل خطورة عن بقاءه فيها، حتى وإن كانت الأسرة تعاني من المشكلات. فالأجدر هنا ربما اعتماد إجراء سحب الأطفال فقط في الحالات القصوى حينما يتم التأكد أن هذا الحل الوحيد لإنقاذه، وعدا ذلك يجب على السوسيال تركيز جهودها لتحسين نوعية حياة الطفل داخل أسرته ومساعدة الأهل ليكونوا آباءً أفضل. 

ما لا يراه المحتجون على انتهاكات السوسيال

على المقلب الآخر، يتجاهل الرأي العام الغاضب بدوره أيضاً مصلحة الأطفال حينما يتم تبني نظريات المؤامرة التي ترى في كل ما يحصل استهدافاً للمسلمين والدين الإسلامي. في تجاهل لحقيقة أن الأطفال الذين يتم سحبهم من الأسر السويدية ليسوا بأقل عدداً. لكن ربما تختلف دواعي السحب بين عائلات من خلفيات اجتماعية متنوعة؛ ففي حين قد يُسحب طفل سويدي من ذويه لأنهم يتعاطون المخدرات أو يدمنون الكحول أو يمارسون العنف الأسري مثلاً، قد نجد أن سحب الأطفال ضمن الأسر العربية يتم لأسباب إضافية أخرى كالشك بأن الطفل يتم إجباره على التدين، أو التضييق على حريته الفردية، أو تعنيفه ومنعه من التعبير عن رأيه. 

من اللافت للانتباه هنا أنه وفي الأسابيع القليلة الماضية تم تداول الكثير من اللقاءات الصحفية مع أهالي عرب يحتجون على سحب أطفالهم، لكن البعض منهم يقول صراحة بأن الأطفال سحبوا لأن الأب مقامر واعتاد تعنيف الأم أمام الأطفال، وهي بدورها ترفض هجره، أو يتضح أن الطفل تتم معاقبته بالضرب أو العقاب الذي يؤثر على صحته النفسية. أو نجد مثلاً طفلة تم سحبها من عائلتها لأنها تفرض على أصدقائها في المدرسة قناعات أسرتها الدينية وتضييق على رفاقها حينما يتناولون مثلاً "أطعمة غير حلال". أو نرى أماً تحتج على سحب أطفالها رغم أنها تعاني من أزمات نفسية واضحة قد تهدد سلامة أطفالها. وبالتالي يبدو أن الرأي العام المنفعل والغاضب يتجاهل كل الأخطاء السابقة التي ارتكبها الآباء ويركز فقط على فكرة أنهم مظلومين ومستهدفين.  

في الحقيقة، تذكّر كل تلك الحوادث بأهمية وجود جهة محايدة ومستقلة تتدخل في حياة الأطفال وترعى مصالحهم إن فشل آباؤهم في هذه المهمة. لأنه وكما قلنا، المهم في كل ما يحصل الآن هو الأطفال وسلامتهم. وبالتالي ربما يكون الأجدر اليوم توجيه الجهود للضغط على السوسيال لتعديل مسار عملها، وتقديم الضمانات اللازمة للمجتمع حتى يستعيد ثقته بها، دون الانجرار إلى التجييش والشائعات والتضخيم الإعلامي الذي يركز على أبعاد دينية أو عرقية ويزيد الشحن ويعزز الكراهية ويجعل العالم مكاناً أكثر خطراً ووحشة على الأطفال.  

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مقالات الرأي

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©