مقالات الرأي

في مسألة انضمام السويد للناتو:"الحياد هو قوتنا المستدامة والاستراتيجية.."

Aa

في مسألة انضمام السويد للناتو:"الحياد هو قوتنا المستدامة والاستراتيجية.."

في مسألة انضمام السويد للناتو:"الحياد هو قوتنا المستدامة والاستراتيجية.."

مقال رأي بقلم محمد سعد خيرالله، ناشط من نشطاء السلام وكاتب رأي عضو برابطة القلم السويدية


 يبدو وبوضوح أن السويد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانضمام لحلف الناتو رسمياً خلال صيف ٢٠٢٢ وقبل الانتخابات العامة "البرلمان، المقاطعات، البلديات" المزمع إجراؤها سبتمبر القادم.

فرئيسة الوزراء السويدية "ماغدالينا أندرسون" أكدت في تصريحاتها بعد لقاء نظيرتها الفنلندية مؤخراً أن السويد ستتخذ قراراً حول الانضمام لحلف شمال الأطلسي فقط بعد تحليل جدي للوضع ودراسة ما يصب في مصلحة البلاد، وأضافت: "لقد تغيرت الخارطة الأمنية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع أخذ هذا الوضع بالاعتبار علينا أن نفكر بما هو أفضل للسويد ولأمننا وللسلام على أرضنا في هذا الوضع الجديد". وتابعت أندرسون قائلة: "هذه مرحلة مهمة جداً في التاريخ هناك ما قبل وما بعد ٢٤ فبراير ويجب أن نجد آلية داخليا للتفكير قدماً بهذا الأمر".

تصريحات أندرسون التي أشارت فيها إلى"تحليل جدي للوضع" قبل قرار الانضمام لم تهدئ من وتيرة الإعلام السويدي وسياقات التناول التي تشعر معها وكأن عبارة "تحليل جدي للوضع" هي مجرد عبارة للاستخدام والتناول البروتوكولي دون تأثير على القرار الذي يبدو كما لو أنه أتخذ مسبقاً. وقد لخّصت لنا هذا الموقف صحيفة "سفنسكا دوج بوجت" عندما قالت إن أندرسون اتخذت قراراً نهائياً مما يؤكد برتوكولية عبارة "التحليل الجدي للوضع" التي ذكرتها رئيسة الوزراء مجدالينا في لقائها مع "سانا مارين" رئيسة وزراء فنلندا. فيبدو أن الأخيرة حسمت بدورها القرار الفنلندي بالانضمام للناتو الذي قد يتحقق خلال أسابيع قليلة على أقصى تقدير، إن لم يكن أيام، ومن المهم أن ننوه إلى ضرورة التروي والدراسة المتأنية وعدم الانسياق وراء القرار الفنلندي لإصدار قرار مماثل.

في مقابل ذلك كانت روسيا تشن هجوماً على وزير الخارجية "آن ليندي" وتصفها "بالغبية" رداً على تصريحات ليندي التي اعتبرت  أن هناك تهديداً روسياً للسويد وفنلندا، فقبلها بعدة أيام قال المتحدث باسم الكرملين "ديمتري بيسكوف" إن عضوية السويد وفنلندا في حلف الأطلسي لن تجلب الاستقرار إلى أوروبا، وهذا تهديد مبطن يضاف إلى سجل التهديدات الحقيقية التي لا تخفى على أحد، فروسيا اخترقت في بداية الغزو الأجواء السويدية بعدد من الطائرات وشنت حرب تصريحات للتهديد والوعيد بمصطلحات ومفردات تنتمي إلى العصور والقرون الوسطى "فساكن الكرملين" الموهوم باستعادة الجمهورية السوفيتية القديمة والمتهم بارتكاب جرائم حرب كاملة ممنهجة ضد الإنسانية في أوكرانيا لن تسقط بالتقادم يعتبر كل دول الشمال الأوروبي مجرد  "فناء وحديقة خلفية" للدولة الروسية  ولكن هل هذا يعني أن الأصوب لنا الانضمام للناتو؟ هل "الأمان الاستراتيجي" يتحقق من خلال هذا الانضمام؟؟

وهنا لابد من الإشارة لما كشفت عنه صحيفة أفتونبلادت حول عقد اجتماعٍ حاسمٍ لقيادات حزب الاشتراكيين الديمقراطيين يوم ٢٤ مايو المقبل لاتخاذ قرار بشأن عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي مما يؤكد أن الأمر به الكثير من الارتباك والتباين فيما هو معلن وما لم يتم بحثه إلى الآن، أفتونبلادت تشير وتؤكد عودة الحزب إلى القواعد الشعبية لاستطلاع الآراء قبل اجتماع ٢٤ مايو

"عظيم جداً" إذن لماذا الترويج لسردية توحي باقتراب إصدار القرار قبل استطلاع للرأي على مستوى القواعد الحزبية؟ 

وقبل المناقشة داخل البرلمان؟ وهل البرلمان كافٍ أم يتعين علينا إجراء استفتاء شعبي تجاه وضع استثناني تتعرض له السويد لأول مرة في تاريخها الحديث منذ نحو "200 عاماً" لكي يكون الكل مشاركاً في القرار ومتحملاً للمسؤولية بصورة مباشرة؟ 

من الجدير بالذكر أن ننوه للقرار الذي اتخذه الحزب الاشتراكي بإلغاء التقييم السابق الذي رفض العضوية في مؤتمر الحزب الماضي.

وفي زخم الأحداث المتلاحقة والمتسارعة بوتيرة تفوق الوصف، نظمت صحيفة أفتونبلادت مناظرة هامة جداً وفيها إجابة وافية على الكثير من الأسئلة التي تجول بخاطر الكثيرين. طرفا المناظرة اللذان يمثلان وجهتي النظر "الرافضة والمؤيدة" هما غونيلا هيرولف، الدكتورة في العلوم السياسية من المعهد السويدي للشؤون الدولية، وهي تؤيد بشدة انضمام السويد للحلف. وأغنيس هيلستروم رئيسة الجمعية السويدية للسلام والتحكيم. وهي تعارض بشدة انضمام السويد. استوقفتني ثلاثة أسئلة من أصل عشر سنستعرضهم مع أجوبة المتناظرتين عليهما، علماً أن المناظرة متاحة كلها على الإنترنت.

الأول/ كيف سيكون رد فعل بوتين على الطلب السويدي بالانضمام لحلف شمال الأطلسي؟

هيرولف: أعتقد بأنه سيكون مستاءً جداً ويعتبر أن هذا بمثابة اتخاذ خطوة قاسية تجاه روسيا. وكما ذكر القائد الأعلى للقوات المسلحة، يجب أن نكون مستعدين لاستهداف روسي، مثل عمليات تخريب أو غيرها، لكن من شبه المؤكد أن بوتين لن يستخدم وسائل عسكرية ضد السويد، لأنه يعلم أن أي هجوم على السويد سينظر إليه باعتباره خطيراً إلى الحد الذي قد يدفع كثيراً من الدول إلى الرد. (لا أعلم من أين جاءت هيرولف بكل هذا التأكد وهي تتحدث عن بوتين ؟؟ 

 الثاني / ماذا يعني الضمان الدفاعي في الممارسة العملية؟ هل من المضمون أن يساعدنا الناتو إذا تعرضنا للهجوم بعد الانضمام؟

وكانت إجابة هيرولف: إذا كنا أعضاء وتعرضنا لهجوم عسكري، فستطبق المادة الخامسة من ميثاق الحلف ويجب أن نحصل على المساعدة. 

أما هيلستروم فجاءت إجابتها على هذا النحو: إذا تعرضت السويد لهجوم وكنا جزءاً من حلف شمال الأطلسي، فمن المحتمل أن يرسل الناتو قوات إلى السويد للدفاع عنا عسكرياً، لكن لا يزال من المحتمل أن يموت 10 آلاف مدني. الحرب دائماً سيئة وهذا ما نحتاج إلى العمل على تجنبه. نحن نتحدث كثيراً عن كيف ستساعدنا القوات إذا كانت هناك حرب. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن تركز السياسة على ما يمكننا القيام به للحد من التوترات وخطر الحرب. (من جهتي شعرت كما لو أنها بهذا الرد تتحدث بلساني) 

السؤال الثالث والأخير/ما مدى نجاح الردع؟ هل يخشى بوتين من حلف شمال الأطلسي؟

هيرولف: يعمل الردع بشكل جيد عندما يتعلق الأمر بالهجمات على أراضي الناتو. يعرف بوتين أن دول الناتو معاً لديها دفاع قوي جداً، وخاصة من الولايات المتحدة.

هيلستروم: حقيقة أن بوتين هدد بالأسلحة النووية تظهر أن الردع أداة هشة لتحقيق السلام والأمن. الردع يستند إلى وضع متوتر تستعد فيه جميع الأطراف لترهيب خصمها. إذا انضمت السويد إلى حلف الأطلسي، فإن التوتر وخطر نشوب صراع مسلح سيزدادا.

ومع أشد تقديري لهيرولف إلا أن الكثير من أجوبتها على الأسئلة تم بناؤها على الضمان التام لرد فعل بوتين وهو ما استخدمت معه عبارات مثل "من المؤكد"، فهي تتحدث بدرجة كبيرة من الثقة واليقين عن رد فعل "رجل موهوم باستعادة الجمهورية السوفيتية القديمة" وهو يستخدم كل الحجج والذرائع الواهية لشرعنة غزوه لأوكرانيا وإصباغه شرعية لا وجود لها إلا في مخيلته ومخيلة المنظّر الروسي"ألكسندر دوجين" الرجل الذي يسكن بداخل عقله أو بمعنى أدق المحرك الرئيسي للكثير والكثير من الأحداث.في حين أن أداء هيلستروم كان موضوعياً ملماً بكافة وأدق التفاصيل، منحازاً إلى السلام كقيمة نبيلة وسمة من سمات الدولة السويدية.

في الختام أنا أقدر وأتفهم بشدة حالة أدرينالين التوتر والقلق والتخوفات في الوعي الجمعي للمجتمع السويدي النبيل، والناتجة عما يتم بحق دولة في الجوار من قوات غازية ترتكب بدم بارد كل الجرائم الكبرى بدءاً من استخدام القنابل الفراغية مروراً بقصف المدارس والمستشفيات وإعاقة عمليات نقل المدنيين إلى أماكن آمنة وانتهاءً بعمل مجازر جماعية يندى لها الجبين وتبقى عاراً على الشرف العسكري "كمجزرة بوتشا". كما أتوقع بدرجة كبيرة استخدام الأسلحة الكيمائية في الأيام القادمة للرد على إغراق القوات الأوكرانية للطراد "موسكوفا " بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية رسمياً.

ولكن كل ذلك لا يجب أبداً أن يدفعنا إلى اتخاذ قرار بفعل تأثير حمم الأدرينالين التي يتم أثارتها بدون قصد، إن كان لي أن أصف نفسي فأنا "ابن الصراع" أتيت إلى السويد من مصر، إحدى دول الشرق الأوسط، المنطقة التي تموج بالصراعات والحروب والمشاكل والنزاعات والانقلابات. كما أن أعز الأصدقاء والأستاذة المقربين مني تعرضوا للاغتيالات السياسية، ولو لم أخرج إلى السويد لكان مصيري مشابهاً لمصيرهم. 

 

 وبالتالي تعودت أن أفكر "بعقل بارد" فالسويد بالنسبة لي تعني الكثير؛ فهي الدولة التي استقبلتني أفضل استقبال، لم أر منها ومن أهلها إلا كل ما يمثل النبل والسمو الإنساني، لذلك أشعر بأنني مدين لها وسأظل. وبالتالي ما أطرحه في مقالي يأتي من هذا المنطلق، فهو بمثابة تفكير بصوت عالٍ، وقد أكون على خطأ لكنني أرى أن: "القوة المستدامة والاستراتيجية للسويد تكمن في حيادها "ويجب أن تظل كذلك وهناك الكثير من الإجراءات التي من الممكن استخدامها لتطوير الجيش السويدي وتسليحه وتوسيع دائرة "قوات للدفاع الشعبي "وهذا موضوع يستحق مقالاً آخر.

ولكن لو قررت الحكومة السويدية الانضمام فيجب أن يكون ذلك بعد عمل استفتاء شعبي مباشر يشارك فيه الجميع، وأقترح أن يتزامن مع الانتخابات القادمة لكي يتحمل الجميع مسؤولية التبعات بصورة مباشرة.

تبقى نقطة أخيرة يجب عليّ أن أسجلها حال تعرض السويد لأي خطر فسأكون أول من يذهب لحمل السلاح للدفاع عن بلد عظيم لم أر منه ومن شعبه النبيل سوى الخير.

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©