Aa
قانون الـ 24 شهر: أمان وظيفي أم عبء غير مبرر؟
بعد إقرار قانون «الـ 24 شهر»، الذي من المقرر أن يُطبّق بشكل كامل في الأول من أكتوبر، حيث يلزم الشركات إمّا بتوظيف المستشارين الذين عملوا معهم لمدة 24 شهراً خلال آخر 36 شهر، أو دفع تعويض لهم يعادل راتب شهرين. اعتبر البعض بأنّ هذا القانون خاطئ ولا يقدّم الهدف منه، ويبدو أنّ هيلينا كاسيرلوف-فيست Helena Kaserlöf-Kvist، المديرة التنفيذية لـ meritmind للاستشارات المالية، قد عبّرت في أكثر من مقال عن هذا الرأي. على الطرف المقابل، ردّ على مقالات هيلين كلّ من مالين فولكان Malin Wolkan ومارتن واشتفلت Martin Waschtfelt من نقابة موظفي الخدمة المدنية Unionen.
سأستعرض هنا في هذا المقال أبرز ما جاء في ردود وحجج الطرفين في مقالاتهم حول قانون «الـ 24 شهر»، بحيث يكون لدينا قطعة واحدة تجمع أبرز المنتقدين، مقابل أبرز المدافعين، لنصبح على دراية بشكل تام بهذا القانون وتأثيراته.
يضرّ بسوق العمل
انتقدت هيلينا بشكل لاذع قانون «الـ 24 شهر»اً، واصفة إياه بأنه "يضع عبئاً غير مبرر" على الشركات. من وجهة نظرها، يضع القانون تصوّراً غير واقعي حول وضع المستشارين في سوق العمل، حيث يفترض أن هؤلاء المستشارين يعانون من عدم الاستقرار أو الظروف السيئة، وهو أمر تعتبره هيلينا مغلوطاً تماماً.
تؤكد هيلينا في مقال رأي، أنّ المستشارين، في معظم الحالات، يتمتعون بشروط عمل ممتازة تفوق أحياناً تلك التي يحصل عليها الموظفون الدائمون في الشركات نفسها. تقول هيلينا: "في معظم الشركات التي تستعين بمستشارين، تكون ظروف العمل متساوية على الأقل، إن لم تكن أفضل، من تلك التي يتمتع بها الموظفون الدائمون". وتضرب مثلاً بالمستشارين في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات، الاقتصاد، والموارد البشرية، مشيرة إلى أنهم غالباً ما يتمّ الاستعانة بهم بسبب مشاريع مؤقتة أو احتياجات متغيرة للشركات، وبالتالي فإن إجبار الشركات على توظيفهم بشكل دائم لا يخدم مصلحة أحد.
كما تشير هيلينا إلى أن القانون الجديد يغفل تماماً عن الفرق بين المستشارين الذين يعملون في ظروف ثابتة ومحمية مع شركات استشارية، وبين أولئك الذين يعملون في قطاعات أخرى أقل استقراراً، مثل قطاعات النقل والخدمات اللوجستية. وتضيف أن هذا القانون يخلق انعدام المرونة للشركات، حيث ستضطر إلى التخلي عن المستشارين الذين يحملون مهارات أساسية بمجرد انتهاء فترة 24 شهراً، ما لم تكن بحاجة لتوظيفهم بشكل دائم.
تساءلت هيلينا أيضاً عن سبب إعفاء الجهات الحكومية من تطبيق هذا القانون. تقول: "إن الدولة نفسها قد تفاوضت لتجنب هذه القواعد بالنسبة للوكالات الحكومية والشركات المملوكة للدولة، حيث تم استحداث نظام بديل يسمح للشركات بإجراء عملية توظيف بعد مرور سنتين دون الحاجة إلى دفع تعويضات إذا لم يُمنح المستشار الوظيفة". وتضيف: "من المؤسف جداً أن الحكومة التي تدّعي دعمها للشركات لم تتخذ الخطوات اللازمة لإيقاف هذا القانون في الوقت المناسب".
قانون لتحقيق التوازن
في مقال رأي منفصل، ردّت مالين فولكان، رئيسة الشؤون القانونية في "Unionen"، ومارتن واشتفلت، رئيس المفاوضات في الاتحاد، على انتقادات هيلينا للقانون. دافع ممثلو الاتحاد عن «قانون 24 شهراً» مؤكدين أنّه جزء من سلسلة من التعديلات القانونية التي تمّ التوصل إليها بعد مفاوضات طويلة بين الأطراف المختلفة في سوق العمل السويدي خلال عام 2022.
يهدف القانون، من وجهة نظر اتحاد "Unionen"،إلى منح المستشارين الذين يعملون لفترات طويلة لدى نفس الشركة مزيداً من الأمان الوظيفي. يوضح مالين ومارتن أن هذا القانون لا يمنع الشركات من استمرار التعاون مع المستشارين بعد مرور 24 شهراً، ولكنه يطلب فقط أن يتم عرض وظيفة دائمة على المستشار إذا كان قد أمضى تلك الفترة الطويلة في الشركة نفسها، أو أن يتم دفع تعويض مالي له إذا لم يتمكن من الحصول على الوظيفة.
يقولان: "يحقق القانون توازناً جيداً بين مصالح العمال الذين يبحثون عن الأمان الوظيفي، وبين الشركات التي تحتاج إلى مرونة في التوظيف". ويضيفان أن القانون ليس مصمماً لحماية فئة معينة من العمال أو للتأثير على قطاع محدد، بل إنه يُعزز الحقوق العمالية دون التأثير السلبي على حرية الشركات في التعاقد مع المستشارين.
كما يؤكد ممثلو "Unionen" أن القواعد الجديدة جاءت كجزء من إصلاحات أوسع تهدف إلى تحسين وضع العمال ذوي العقود المؤقتة، مشيرين إلى أن هذه التعديلات ستُعزز من فرص هؤلاء العمال في الحصول على عقود دائمة.
لا فائزون في هذا القانون
عادت هيلينا، في مقال رأي منفصل، لترد على ممثلي "Unionen"، حيث شددت على أن القانون سيضر بسوق العمل السويدي من خلال تقليل المرونة ورفع العوائق أمام توظيف المستشارين. وتؤكد أن تبرير اتحاد العمال للقانون باعتباره "متوازناً" لا يغير من حقيقة أنه سيؤدي إلى آثار سلبية على الشركات والمستشارين على حد سواء.
تقول هيلينا: "القانون وُضع في الأساس لحماية العمال في القطاعات ذات الظروف السيئة، مثل النقل، لكنه الآن يُطبق على الجميع، بما في ذلك المستشارين الذين يعملون في وظائف ثابتة وآمنة". وتضيف أن المستشارين الذين اختاروا هذا النوع من الوظائف يبحثون عن التنوع والمرونة، وأنهم لا يرغبون بالضرورة في الحصول على وظيفة دائمة لدى الشركات التي يعملون معها بشكل مؤقت.
كما تطرح هيلينا عدة نقاط للتحسين، مشيرة إلى ضرورة إعادة النظر في القانون ليشمل فقط الفئات الأكثر عرضة للخطر في سوق العمل، مثل أولئك الذين يعملون دون عقود ثابتة. تقول: "يجب أن يُستثنى من هذا القانون المستشارون الذين يتمتعون بوظائف مستقرة في شركاتهم الاستشارية". وتضيف أن الغموض الذي يكتنف بعض جوانب القانون سيؤدي إلى صعوبات في تفسيره وتطبيقه، مشيرة إلى أن ذلك قد يستغرق سنوات قبل أن يتم توضيح هذه الجوانب عبر السوابق القانونية.
في الختام، كررت هيلينا تساؤلها حول سبب إعفاء الجهات الحكومية من تطبيق القانون، حيث ترى أن هذا يعكس عدم الاتساق في تطبيق القوانين بين القطاعين العام والخاص. وتقول: "إذا كانت الحكومة جادة في تحسين سوق العمل، فعليها أن تبدأ فوراً في تقييم آثار هذا القانون وعدم تأجيل ذلك إلى أجل غير مسمى".
في الختام…
يتناول النقاش حول «قانون 24 شهراً» قضايا جوهرية تتعلق بتنظيم سوق العمل في السويد. من جهة، وكما لخّصت لكم، يرى المدافعون عن القانون، مثل ممثلي اتحاد "Unionen"، أنه يوفر توازناً بين حقوق المستشارين ومرونة الشركات،
ومن جهة أخرى، كما لخّصت لكم أيضاً، ترى هيلينا أن القانون يفرض قيوداً غير ضرورية على الشركات، ويستهدف فئات من العمال لا تحتاج إلى الحماية التي يوفرها القانون.
بالنسبة لي، ومن موقعي الصحفي، أميل إلى وجهة نظر ممثلي الاتحاد. فرغم أنّ بعض النقاط التي أثارتها هيلينا تستحق التوقف عندها وملاحظتها ومعالجتها، إلّا أنّ ممثلي الاتحاد كانوا واضحين في أنّ إلزامية القانون لا تعني بالضرورة إلزام التوظيف، بل فتحت خيارات أخرى.