صرّحت المدّعية العامة السابقة، ورئيسة مجلس الأمن وحماية الخصوصية، جونيل ليندبرج، أن اللجوء إلى استخدام وسائل القسر السرية، التي تتيح الاطلاع على بيانات الأفراد، يُعدّ أمراً مقلقاً، ومن الممكن أن يُحول البلاد إلى أرضٍ حاضنة لنظريات المؤامرة. كما أشارت إلى الرعب الذي يشعر به منتهكو القانون عند خضوعهم للمحاكمة خوفاً من كشف أية معلومات سرية عنهم قد لا يرغبون بالإفصاح عنها. ونوّهت إلى إمكانية إساءة كلّ من المدّعين العامّين والقضاة لهذه الوسائل، الأمر الذي لا يُمكن إدراجه إلا تحت مظلة سوء السلوك الجنائي. هذا وانتقد المجلس بدوره المقترحات المتعلقة بتوسيع استخدام السلطة لهذه الوسائل، خلال جلسة الرأي الاستشاري لمجلس الأمن والخصوصية. وفي هذا الصدد، تقول جونيل ليندبرج: «أستطيع تفهم حاجة السلطات إلى إنفاذ القانون عن طريق الاستعانة بأدوات فعّالة لمكافحة الجريمة المُنظّمة، وأعلم أن اللجوء لمثل هذه الوسائل يُعتبر جزءاً من تلك العملية، إلا أن اللجوء إلى استخدامها بكثرة يُعدّ أمراً مُقلقاً». مضيفةً أن الأمر ينطوي على خطر واضح يتمثل بالتأثير على تحليل وتقييم الدلائل المجمّعة في أي قضية، فضلاً عن تشكيله مخاطر مقلقةً على مجال التشريع نفسه.ما شكل هذه المخاطر؟تقول ليندبرج إنه يوجد عدة تحقيقات تتعلق باستخدام هذه الوسائل. فحين يتعلق الأمر بقراءة البيانات السرية للأفراد، يجب أن يتم، في نفس الوقت، اقتراح تغييرات مختلفة لإجراء تحقيق يقوم على التشريع الذي يتم تطبيقه في الوقت الحالي. وأشارت إلى أنه لا يمكن إدراج المقترحات التشريعية الجديدة في التقييم لأنها ستصبح ذات صلة فقط عند اكتمال تقييم القانون الحالي لها.تعارض مقترحات المشاورة مع قانون الاتحاد الأوروبيفي هذا الإطار، تشير ليندبرج إلى الشروط الواضحة التي قامت محكمة العدل الأوروبية بوضعها، والتي تنص على عدم الاطلاع على البيانات السرية للأفراد إلّا في حالات التحقيق في الجرائم الخطيرة. مشيرةً إلى أن المقترحات الجديدة التي تنص على التوسع باستخدام هذه الوسائل في كتالوجات الجريمة وإدخالها فيما يسمى بصمّامات القيمة الجزائية، قد تُمثل إشكاليةً كبيرة. وأشارت أيضاً إلى المقترح الذي ينص على استخدام التنصت السري في حالات الاشتباه بارتكاب جرائم مثل الابتزاز، والتي يكون الابتزاز فيها جريمةً خطيرةً بحد ذاتها. إلا أنه يُمكن اعتبارها، في نفس الوقت، جريمةً لا ينطوي عليها أية قيمة عقابية. وبهذا، فإن اللجوء إلى استخدام هذه الوسائل قد يخلق مجالاً كبيراً جداً للتقييمات.المشاكل التي تنطوي على استخدام هذه الوسائلتقول ليندبرج: «قد يقوم كلّ من الشرطة والمدّعين العامّين، في بداية التحقيق، بتصنيف فعلٍ معيّن على أنه جريمة خطيرة، ليتم فيما بعد، إدراك أنه أقل خطورةً بكثير. ولهذا، من المهم، من وجهة نظر عملياتية، عدم تضخيم الشكوك من البداية بشكل يُبرر اللجوء إلى استخدام مثل هذه الوسائل.وعند سؤالها عن وجود دلائل تشير إلى إمكانية إحداث هذه الوسائل خللاً في النظام، أجابت بأنها لا تملك أية دلائل في الوقت الحالي، لكن من السهل التنبؤ بما سيؤول إليه الأمر. فكلما تم دفع سلطات إنفاذ القانون للحصول على صورة أوضح في جريمة ما، زاد خطر اغتنام الفرصة لاستخدام هذه الوسائل. مضيفةً أنها لا تعترض على التشريع المتعلق بتوسيع الاطلاع على البيانات السريّة للأفراد في حالات التحقيق، لكن من الأفضل اتخاذ عدة خطوات صغيرة بدلاً من الخطوات الكبيرة التي قد تقف عائقاً أمام رؤية العواقب كاملةً.كيف سيتم استخدام هذه الوسائل؟ في هذا الصدد، تشير ليندبرج إلى أنه لا يُمكن التنبؤ بالحالات التي قد يتم اللجوء فيها إلى استخدام الوسائل القسرية والاطلاع على بيانات الأفراد. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على التنصت السرّي وقراءة البيانات في حال كان سيتم استخدامها لغرض التحقيق في إحدى الجرائم المرتكبة. وتضيف بأن هذا الأمر يفتح الطريق أمام تطبيق قانونيّ ينصّ على الاطلاع على بيانات الأفراد لمجرد وجودهم في مكان معين أثناء ارتكاب الجريمة. السماح باستخدام الوسائل القسرية دون وجود شك ملموس وفرديتقول ليندبرج إن استخدام هذه الوسائل قد يُحدث تغييراً كبيراً، إذ سيتم تطبيقها على أشخاص غير مشتبه بهم، الأمر الذي سيؤدي إلى اعتراض واسعٍ جداً. وبدوره، ينتقد مجلس حماية الأمن والخصوصية الاقتراح المتعلق باستخدام هذه الوسائل في مكافحة الجرائم المُنظّمة من قبل العصابات، إذ سيكون من الصعب إثبات تورّط شخص معيّن بحدّ ذاته، أو الوصول إلى المُنظّمة التي تقف وراء الجرائم. ماذا تعني الجريمة المُنظّمة في القانون؟تقول ليندبرج: «لا يملك مجلس الأمن تعريفاً قانونياً للجريمة المُنظّمة، فهناك علامات استفهام حول كيفية تقييم مثل هذه الجرائم. إلا أن الأمر متروك برمته لكل قاضٍ ومدّعٍ عام في تقرير ما يمكن اعتباره جريمة مُنظّمة. فالأمر يحتاج إلى تحليلٍ وتوضيحٍ في التشريع، ويجب على الأقل أن يكون هناك توجيه واضح في الأعمال التحضيرية». هذا وأعربت ليندبرج عن قلقها من إساءة استخدام الوسائل القسرية، وانحرافها عن غرضها الأصلي، لاسيما فيما يتعلق بإعطاء السياسيين الضوء الأخضر للشرطة لاستخدام جميع الأدوات اللازمة أثناء التحقيق. مشيرةً إلى أنها تحترم بشدة حاجة الشرطة لأساليب جديدة وفعالة، لكن مهمة السياسيين تتمثل برسم حدود واضحة لكيفية استخدام هذه الأساليب. كما أعربت عن استعدادها للدفاع عن نهج مدروس لاستخدام هذه الوسائل. ونوّهت إلى أن العواقب قد تعود وخيمةً على كلٍّ من الأفراد والمجتمع في حال حدوث أي خطأ في استخدامها. كما سيفقد الأفراد ثقتهم التامة في النظام في حال لم تقم الدولة بتطبيق الإجراءات القسرية بشكل صحيح. المخاطر العائدة على الأفرادتقول ليندبرج إن المحققين الجنائيين يملكون صلاحية الاطلاع على حياة الأفراد الخاصة عن طريق مراقبة هواتفهم المحمولة، وتدوين كل شيء في الوثائق العامة. وقد يُشكل الكشف عن المعلومات السريّة للأفراد مأساةً للعديد من الأشخاص. وعند سؤالها عن تشجيع الأفراد السلطة لاستخدام هذه الوسائل، أجابت أنها لا تعرف السبب الذي قد يدفع الناس لتشجيع مثل هذا الأمر، لكن من الجيد أن يكون لدى الأفراد ثقة قوية بالدولة. استخدام الوسائل القسرية في السويدتعتقد ليندبرج أن استخدام هذه الوسائل في السويد سيُحدث جلبةً كبيرة، ولا سيما فيما يتعلق بمراقبة التكنولوجيا التي يستخدمها الأفراد في حياتهم اليومية، إذ ستتمكن الشرطة من الحصول على معلومات خاصة جداً لتوظيفها في عمليات التحقيق. وغالباً ما يتم الاطلاع على معلومات قديمة جداً، وتخزينها، ليتم العودة إليها لاحقاً واستخدامها في عمليات التحقيق. وأضافت أنه يُمكن تضييق نطاق الاطلاع والحصول على مثل هذه البيانات عن طريق تقديم المدّعي العام طلباً بالحصول على تصريح خاص إلى المحكمة. مشيرةً إلى أهمية وضع حدود واضحة فيما يتعلق بالاطلاع على البيانات الشخصية، بحيث لا تعتبر تطفّلاً. طلب الإذن من محكمة المقاطعة تقول ليندبرج: «تقوم محكمة المقاطعة بمنح المدّعين العامّين ووكالات إنفاذ القانون الأخرى الإذن باستخدام هذه الوسائل. إلا أن الفكرة هي أن تمثّل المحاكم ضماناً نهائياً لليقين القانوني، إذ سيكون في بعض الحالات من الصعب توجيه نقدٍ للمدعي العام بعد حصوله على إذن من المحكمة». وعند الإشارة إلى ما إذا كانت التصاريح قد أُصدرت دونما دراسة حثيثة، قالت بأنها لا تملك أدنى فكرة عن الأمر، إذ يتم تشكيل هذه التصاريح في المحاكم، ويقوم أعضاء النيابة العامة بالنظر إليها قبل الموافقة على إصدارها. هذا وترى ليندبرج أن التعقيد الكبير الذي ينطوي على استخدام مثل هذه الوسائل يفرض متطلبات عالية جداً في التعامل معها من قبل المدّعين العامّين. ففي السابق، كان يُسمح فقط لعدد قليل من القضاة والمدّعين العامّين بالاطلاع على البيانات السريّة للأفراد، وتمكنوا من التعامل مع الأمر بشكل صحيح تماماً. إلا أن التشريعات التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، تتطلب امتلاك كلٍّ من المدّعين العامين والقضاة الشباب خبرةً خاصةً في استخدامها. ما الذي يتوجب فعله حيال مثل هذه التشريعات المعقدة؟ صرّحت ليندبرج أن المجلس يرى التشريع معقد للغاية وانه يجب إعادة كتابة الفصل الـ 27 من قانون الإجراءات الخاص باستخدام التدابير القسرية بالكامل، إذ يواجه الكثير من المحامين المتمرسين صعوبةً في استيعاب النص القانوني، ولا سيما مع وجود العديد من المراجع والفقرات الجديدة التي تمت إضافتها تدريجياً. هذا وتوافق ليندبرج سَلَفها، المحامي سيغورد هيومان، الرأي في قلقه من إحالة المجلس لقضايا سوء السلوك إلى المدّعين العامّين. مشيرةً إلى أنها عملت مع محاكمات سوء السلوك لعدة سنوات عندما كانت رئيسة الوحدة الإشرافية في مكتب النائب العام. ووجدت أن الكثير من المُدّعين العامّين لا يرغبون باستلام مثل هذه القضايا خوفاً من التصادم مع المحاكم. وأضافت أنه يجب النظر إلى مسألة سوء السلوك بموضوعية أكبر، مشيرةُ إلى ضرورة الدفاع عن المواطنين المتضررين من سوء استخدام بياناتهم السريّة، وأخذ المسألة بجدية أكبر، فهي تتعلق بالثقة والحقوق العامة.مستقبل الوسائل القسرية على المدى البعيدتقول ليندبرج: «إن الحفاظ على خصوصية الأفراد والحاجة إلى الاطلاع على بياناتهم السرية، هما مبدآن يتعارضان مع بعضهما البعض، لا سيما مع ازدياد المطالبة باستخدام الوسائل القسرية في ظل مستوى الجريمة الآخذ بالارتفاع. وبهذا لا يُمكنني التنبؤ بما سيكون عليه الحال على المدى البعيد». مستقبل مجلس الأمن والخصوصيةتشير ليندبرج إلى أن استخدام الوسائل القسرية من قبل شرطة الأمن آخذٌ بالازدياد، الأمر الذي سيؤدي إلى اعتماد السلطة الكبير عليها أيضاً. ولهذا تعتقد أن على الإشراف أن يكون جزءاً مهماً من النظام القانوني، بحيث يتم تحقيق التوازن فيما يتعلق بانتهاك خصوصية الأفراد، استخدام هذه الوسائل على النحو المنشود.