كارل جربر: الرجل السويدي وراء المعالم البارزة في مدينة الإسكندرية
 image

لجين الحفار

null دقائق قراءة|

أخر تحديث

كارل جربر: الرجل السويدي وراء المعالم البارزة في مدينة الإسكندرية

منوعات

Aa

كارل جربر: الرجل السويدي وراء المعالم البارزة في مدينة الإسكندرية

كارل جربر: الرجل السويدي وراء المعالم البارزة في مدينة الإسكندرية

مع بداية القرن العشرين، وتحديداً في الإسكندرية، المدينة العريقة، كان يوجد كنز مدفون منذ عقود. هذا الكنز ليس من الذهب ولا الألماس، بل هو مجموعة مقتنيات تاريخية نادرة كانت تعود إلى القنصل السويدي بمصر، كارل فيلهلم فون جربر Carl Wilhelm Von Gerber، تعود للفترة الزمنية الممتدة من أوائل إلى منتصف القرن العشرين. ولأول مرة في التاريخ، يتم الآن عرض هذه المقتنيات في معرض متحف الإسكندرية القومي، مسطراً بذلك فصلاً جديداً في سجل تاريخ المدينة.

لم يكن كارل فيلهلم فون جربر مجرد دبلوماسياً يعمل في مصر، بل كان شخصاً محباً لهذا البلد وأمضى فيه نصف قرن من حياته، ودفن فيها بعد وفاته. وقد تم العثور على هذه المقتنيات الثمينة عام 2018 في قبو منزل جربر الذي أصبح لاحقاً مقراً للسفارة السويدية في الإسكندرية، ومن ثم أصبح مقر مؤسسة آنا ليند للحوار بين الثقافات. هذا المنزل يعتبر من بين أكثر المباني شهرةً وتاريخاً في الإسكندرية، حيث تم بناؤه في العشرينيات من القرن الماضي.

ومن بين المقتنيات التي تم العثور عليها توجد أوراق خاصة ومذكرات كتبها جربر بخط يده تم تسليمها إلى وزارة الخارجية السويدية. كما توجد نسخة من هذه المذكرات في مصر وسيتم ترجمتها من اللغة السويدية إلى اللغة العربية لتكشف لنا الكثير عن الأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدتها الإسكندرية في بداية القرن العشرين.

ويضم المعرض الحالي 16 قطعةً أثرية من مقتنيات جربر بعضها يعرض لأول مرة، ومن بينها أوسمة من عهد أسرة محمد علي، ودبوس نادر يحمل صورة الملك فاروق والملكة فريدة، وجواز سفر تذكاري من عهد المملكة المصرية، إلى جانب مجموعة من المقتنيات الشخصية الأخرى التي تعود إلى القنصل السويدي.

يتحدث إسلام عاصم، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، عن حياة كارل جربر قائلاً: "جربر كان من عائلة سويدية تنحدر من أصول ألمانية، حيث عاش بداية حياته في السويد وحصل على شهادة في التجارة من ألمانيا... وفي بحثه عن فرص تجارية، اتجه إلى مصر للعمل في تجارة الأخشاب، فقد كانت هذه التجارة شائعةً في السويد في ذلك الوقت، ولذا قرر الاستقرار في الإسكندرية، وهي المدينة التي كانت تعتبر في ذلك الوقت مركزاً تجارياً مهماً... كما أنه حصل على توكيل لأول بوتاجاز يعمل بالغاز في مصر، وكان له علامة تجارية تدعى 'برايموس'، وكان له متجر شهير في القاهرة".

أغنى رجال الإسكندرية وشخصية استثنائية

يعتبر إبراز الجانب الإستثنائي لشخصية كارل جربر أمراً حتمياً، فهو لم يكن مجرد تاجر ناجح وإنما أصبح أحد أغنى رجال الإسكندرية التي اختارها مقراً دائماً له. إن ثقله السياسي بدأ يتكون في ظل الحرب العالمية الأولى، بفضل العديد من الروابط الإيجابية التي كان يحافظ عليها. حيث أنه كان من رعايا دولة محايدة - السويد، أغتنم هذا المركز لتقديم الدعم للألمان ورعاية الدول المتحالفة مع ألمانيا في مصر، ما أكسبه موقع نائب القنصل. 

وبعد انتهاء الحرب، ازدهر شأنه السياسي إلى جانب مشروعاته التجارية الناجحة، ولم تتأخر الاعترافات والتكريمات من داخل مصر وخارجها بالدور البارز الذي لعبه خلال فترة الحرب.

تألق جربر بنجاحات مستمرة، ففي عام 1925 أصبح القنصل السويدي في الإسكندرية - وهو موقع مرموق وهام. كما كان ينعم بثروة هائلة من التجارة التي كانت تجلب له أموالاً كبيرة، ما مكنه من بناء مبنى القنصلية السويدية في العام نفسه. كان المبنى يتكون من طابقين، الطابق السفلي للقنصلية والطابق العلوي للمنزل الخاص بجربر. 

وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية، أصبحت ازداد نفوذه، وكان له دور فعال في دعم ألمانيا، حتى أنه رفع العلم الألماني بجانب العلم السويدي على القنصلية. في ذلك الوقت، كان على علاقة قوية بالسلطة المصرية والملك فاروق، بالإضافة إلى علاقاته العميقة مع سكان الإسكندرية والناس العاديين في المدينة. كان لدوره الاجتماعي أهمية لا تقل عن السياسية.

 

وفوق كل ذلك، كان جربر شغوفاً بالآثار وعمل في مجال التنقيب، كما كان عضواً في الجمعية الملكية للآثار، ونُشرت له بحوث في الحوليات التي تصدرها الجمعية.

خلال هذه الفترة، تم منح جربر مجموعة من الأوسمة العالية التي تظهر مكانته خلال هذا الوقت. إذ حصل على أحد أعلى الأوسمة المصرية، وهو وسام النيل في عهد الملك فؤاد. كما حصل على وسام الاستحقاق من الرئيس جمال عبد الناصر قبل وفاته ببضعة أشهر في عام 1959. وقد حصل أيضاً على ميدالية من البطريركية اليونانية ووساماً بمناسبة الذكرى الأربعين لتنصيب بطريرك الأرثوذكس في الإسكندرية، رغم أن جربر كان ينتمي إلى الطائفة البروتستانتية.

ومن بين مقتنياته الخاصة، يوجد ميدالية خاصة بسباق الخيل في الإسكندرية تعود لعام 1905، والتي تعتبر من أجمل القطع في المجموعة، صنعت بواسطة واحد من أبرز الحرفيين خلال ذلك الزمان.

أثره ما يزال موجوداً حتى الآن في الإسكندرية

كانت التجارة تجلب لجربر أموالاً طائلة ما ساعده على بناء عدد من المباني التي تعتبر الآن معالم بارزةً في الإسكندرية. من أبرز هذه المباني هو المبنى الذي كان مقراً للقنصلية السويدية، والذي تم بناؤه في منطقة المنشية عام 1925 ويعتبر من المعالم الهامة في المنطقة. وقد اشتهر المبنى بين أهل الإسكندرية باسم قصر السويد (le palais de suede)، وهو من أجمل مباني المنطقة وأشهرها، ثم تبرع جربر قبيل وفاته بجزء منه ليكون كنيسة للبحارة السويديين.

أما المبنى الثاني لجربر، بحسب عاصم، فهو "المبنى الذي يحمل الرقم (264) وهو واحد من أجمل مباني منطقة المكس غرب الإسكندرية، ويعود إنشاؤه لعام 1933 يعلوه برج عليه ساعة سمي على اسمها الميدان الواقع بالمنطقة، إذ أصبح يطلق عليه ميدان الساعة، وكان هذا هو المبنى الخاص بتجاره الأخشاب لأنه بجوار الميناء". 

ويضيف عاصم: "عند وفاة كارل جربر آلت أملاكه إلى شقيقه لأنه لم ينجب، فباعها لتاجر شهير هو أسعد باسيلي، ومن المفارقات أن الأخير هو خال الفنان عمر الشريف، وكان مقيماً هو الآخر في الإسكندرية، وتحول قصره الذي تم تأميمه لاحقاً إلى مقر المتحف القومي للإسكندرية، وبسبب أهمية هذا المبنى زاره ولي عهد السويد عام 1934 قبل أن يصير ملكاً في ما بعد، وهناك كتابات تؤرخ لهذه الزيارة بالفعل".

شارك المقال

أخبار ذات صلة

لم يتم العثور على أي مقالات

المزيد

ستوكهولم
مالمو
يوتوبوري
اوبسالا
لوند
لم يتم العثور على أي مقالات