أخبار-السويد

كشف الحقيقة والتضليل: هل حقاً ملح الطعام في السويد يحوي السيانيد السام؟

كشف الحقيقة والتضليل: هل حقاً ملح الطعام في السويد يحوي السيانيد السام؟  image

عروة درويش

أخر تحديث

Aa

سيانيد سام ملح

هل يحوي ملح الطعام سيانيد؟

لاقى منشور على فيس بوك باللغة السويدية رواجاً كبيراً مؤخراً، وقد أرسله لي بعض أصحابي مع رسالة مكتوب عليها: "هام.. احذروا ملح الطعام في السويد". يستنتج المنشور الطويل جداً في محصلته، والذي تمّ إعادة نشره مرة تلو أخرى، بأنّ ملح الطعام الذي نشتريه من المتاجر، ويتمّ إضافته لجميع أنواع الأطعمة في السويد يحوي سيانيد سام، يقتلنا ببطئ جميعنا. في الحقيقة هذا المنشور الذي يبدو أنّه يلاقي الصدى بشكل متزايد مضلل، والمعلومات الواردة فيه تدعي المعرفة الزائفة.

يقول المنشور بأنّ ملح الطعام الذي نستخدمه في السويد على المائدة، يحوي عنصراً ساماً هو المسؤول عن منع تكتله وجعله أخف وأكثر لمعاناً وبياضاً، وذلك حتّى تتمكن الشركات من بيعه بأثمانٍ أعلى.

جاء في المنشور حرفياً: "هذه إحدى منشوراتي التي تمت مشاركتها عدة آلاف من المرات، ولكنها تستحق المشاركة مراراً وتكراراً. هل تعرف ما يحتويه ملح الطعام العادي بالفعل؟ هذا هو ملحنا اليومي الذي نستخدمه عند غلي البطاطس والمعكرونة والملح الذي نضيفه لبيض الإفطار والطهي والسلمون والشوي والخبز والفشار. كلّ شيء مملح. حتّى العصيدة! لست متأكداً إذا كنتَ تريد حقاً أن تعرف؟ لأنّ الجواب صعب على السعيد بجهله. الشيء الذي لا يفكر فيه معظم الناس هو أن هذا الملح الأبيض الطباشيري، الذي لا يتكتل أبداً ويتكوّن فقط من الصوديوم والكلور، بالكاد يفي بالمعايير الكافية لبيعه كملح طعام.

صورة شاشة للمنشور

المنشور الذي نتحدّث عنه موجود على الفيس بوك منذ يونيو 2023، ولكنّ عدّة صفحات أعادت نشره مرة أخرى، والمخيف أنّ بعضاً منها هي صفحات تقدّم نفسها على أنّها مكانٌ لنشر المعلومات الصحيّة.


 

صورة شاشة لمشاركة المنشور

كشف التضليل

إنّ المادة (العنصر الوسيط) التي تتحدث عنها المرأة ليست ضارة لنا لسببين، أولاً أنّ جسمنا يأخذ منها كميات شديدة الضآلة، وثانياً أنّ الجسم يستهلك الجزء الأكبر منها ولا يتمّ تخزينه. وإليكم التفاصيل.

اعتمدت المرأة بشكل رئيسي في معلوماتها على الأرجح على أحد الموقعين التاليين: الموقع الأول ناطق بالألمانية، والموقع الثاني ناطق بالإنكليزية. يمكننا أن نتابع مدى التشابه، حيث جاء في الموقع الثاني: "الملح الخام الطبيعي له لون رمادي، لهذا قد يجده الكثيرون غير مرغوب و"قذر". مع إضافة E536، يصبح الملح أكثر سطوعاً وإشراقاً، ما يفيد الشركات المصنعة التي ترغب في بيع هذا المنتج غير المكلف نسبياً بأسعار مبالغ فيها". في الوقت ذاته تقول المرأة في منشورها: "نظراً لأن ملح البحر الطبيعي غير المعالج له لون رمادي فاتح، والذي يعتبره الكثيرون غير مرغوب فيه و"قذر"، تضيف الشركات المصنّعة E536 لجعل الملح أخف وزناً وأكثر إشراقاً بحيث يمكن بيعه بسعر أعلى".

تدّعي المرأة، وهو الأمر الذي أخذته على الأرجح من المقال أيضاً، بأنّ العنصر ممنوع في السويد وفي أغلب الدول الأوروبية، فتقول: "العنصر رقم E536 هو عامل مضاد للتكتل يسمى فيروسيانيد البوتاسيوم. تحتوي جميع الأملاح المنزلية تقريباً - أملاح الطعام - التي يتم شراؤها من Konsum وICA وHemköp وWillys وما إلى ذلك على هذا العامل المضاد للتخثر وهو محظور تماماً في بعض البلدان، ولكن يمكن استخدامه في الملح وإعطائه للأطفال في السويد".

أحد الموقعين اللذين
يتشابه ما ورد فيهما مع المنشور

عند البحث عن البلدان التي منعت استخدام العنصر الوسيط فيروسيانيد البوتاسيوم، لم أتمكن من إيجاد هذه البلدان التي تحدّثت عنها المرأة. في الحقيقة العنصر مسموح الاستخدام في بلدان الاتحاد الأوروبي، وفي المملكة المتحدة، وفي الولايات المتحدة، وفي الصين.

لكنّ الشيء المهم الذي لاقيته في بحثي، أنّ جميع البلدان التي تسمح باستخدام هذا العنصر، تضع حدوداً قصوى لهذا الاستخدام. وفقاً لرابطة مصنّعي الملح في الاتحاد الأوروبي، يجب أن يكون ملح الطعام مكوناً بنسبة 97٪ من كلورايد الصوديوم دون إضافات. وهو ما يتفق مع ما تنص عليه معايير منظمة الأغذية العالمية (الفاو).

ضرر الملح

رغم أنّ الملح (الصوديوم) هام للجسم، ويحتاج كلّ 40 كيلوغرام إلى 100 غرام ملح، وفقاً لـ (رابطة مصنعي الملح)، فالملح يمكن أن يكون ضار لصحتنا في حال الإفراط في استخدامه، وأخذ جرعات أكثر من الطبيعي.

في الحقيقة تظهر مؤسسة القلب والرئتين السويدية أنّ استهلاك الملح الزائد هو المسبب في واحد من كلّ عشرة سكتات قلبية في السويد.

ووفقاً لوكالة الأغذية السويدية، فلا يجب على البالغ أن يتجاوز استهلاكه من الملح يومياً: مقدار ملعقة شاي.

السيانيد والسموم

يدعي المنشور المضلل بأنّ العنصر الوسيط الذي يتمّ إضافته إلى الملح (الفيروسيانيد) يتم تفكيكه وتخزينه في الجسم لفترات طويلة، ليتحرر منه السيانيد ويصبح ساماً وقاتلاً. لكنّ الدكتورة إنغريد لارسون Ingrid Larsson، الباحثة من جامعة يوتوبوري، تشرح الأمر بأنّ الأمعاء تمتص 0.25 إلى 0.42٪ فقط من العنصر المانع للتكتل. إضافة إلى أنّ كميّة هذا العنصر منخفضة منذ البداية. كما أكدت الباحثة بأنّ التجارب تؤكد أنّ المادة لا يتمّ تخزينها في الجسم وفقاً للتجارب التي تمّ إجراؤها.

يصرّ المنشور على أنّ هذه المادة خطرة على الجسم، وكي أفهم فكرة امتصاص الجسم للمادة بشكل أفضل، تواصلت مع الصيدلانية رشا العزام لأسألها عن الموضوع، فشرحت لي أنّ "آليات الامتصاص  شيء متشعب، لا يمكن حصرها بشرح بسيط وهي متداخلة أصلاً في بعض الأحيان، فليست مقتصرة على المعدة والأمعاء، فمثلاً تقوم الحركة الميكانيكية المعدية والمفرزات المعدية والمعوية  بتفكيك الطعام، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن تعبر هذه المواد جدار الأمعاء أو أن تعبر المعدة  لأسباب عديدة، ولهذا يتم طرحها خارج الجسم عبر البراز. هناك مثال سهل هو السيللوز الموجود في الجزر، فأمعائنا لا تهضمه، خلافاً لأمعاء الحيوانات، ويتمّ طرحه كما دخل .. هناك أدوية قائمة فعاليتها على عدم امتصاصها كالفحم الفعّال الذي يستخدم لأسباب طبية عديدة منها منع امتصاص السموم في حال التعرض لها بالشكل الهضمي حيث يدمص (Adsorb) على جدار الأمعاء بحيث لا يمتص ويمنع امتصاص المواد الأخرى".

يعني هذا بأنّ ما كتبته المرأة في منشورها، من أنّنا "نبني قنبلة ببطئ في أجسامنا عندما ندخل إليها السيانيد" هو محض هراء غير علمي وغير مبرر. يمكن فهم أنّ كلمة (سيانيد) تخيف، ولكن هذه المادة موجودة في بعض الفواكه والأغذية بشكل طبيعي. ومحاولة التخويف منها هو نوع من التضليل الناجم إمّا عن جهل، أو عن علم وبقصد التضليل.

الإعلان عن الإضافات

خلافاً لما يدّعيه منشور المرأة من أنّ هناك نوعاً من "المؤامرة" في عدم التصريح عن الإضافات في الملح كمنتج نهائي، يمكننا أن نرى في kontrollwiki التي تنشرها وكالة الأغذية السويدية، أنّ هناك بعض الاستثناءات من التصريح عن جميع المواد الداخلة في المنتج النهائي، وذلك بشكل قانوني ضمن آلية "الترحيل" كما شرحت وكالة الأغذية، وكما وضعت الحدود والشروط لذلك. فالقانون ينص على عدم ضرورة إيراد العناصر التي ليس لها "وظيفة تقنية" في المنتج النهائي في الوصف، خلافاً للمواد التي تسبب الحساسية مثل الحليب، أو ملونات السكر من نوع خاص.

المايكروبلاستيك

تدّعي المرأة في منشورها بأنّ الملح يحوي على مايكروبلاستيك. في الحقيقة هي لا تكذب في هذه الجزئية من منشورها، ولكنّها تحرّف الحقيقة، فالمايكروبلاستيك كما ذكرت مؤسسة EarthDay موجود في الكثير من الأغذية التي نستهلكها بمقادير متنوعة، وليس فقط في الملح. على سبيل المثال لا الحصر: في الشاي، وفي بعض الفواكه مثل التفاح والجزر، وفي بعض أنواع الأسماك. وبعض هذه المقادير أعلى منها في الملح بكثير.

والشي بالشيء يذكر، هناك دراسة منشورة في ACS تقول بأنّ هناك ثلاثة أنواع من الملح لا تحوي المايكروبلاستيك. 

في الختام…

في الحقيقة، موضوع الإضافات الغذائية ليس بالموضوع الهيّن، وما تدعيه المرأة له صدى في الكثير من أنحاء العالم، وهناك دوماً من يظهر ليدّعي بأنّ هذه المادة وغيرها ضارّة. المشكلة أنّهم يدّعون بأنّ كلامهم ناجم عن علم، وهو بحدّ ذاته تضليل يجب ألّا يمر. نتمنى أن نكون قد أظهرنا الحقيقة بأبسط طريقة ممكنة، فهذا جزء من عمل "أكتر" لكشف الحقيقة ومنع التضليل.

ملاحظة: لا يمكننا وضع اسم صاحبة المنشور أو الجهات الأخرى التي قامت بإعادة نشره لأسباب قانونية، ولهذا اكتفينا بوضع صور شاشة من صفحاتهم على فيسبوك دون ذكر الأسماء.


تمّ إنتاج هذا المقال برعاية وتكليف من منصّة “أكتر”، لكنّ كاتب المقال هو من يتحمّل مسؤولية الدقّة الأكاديمية للمعلومات، والمسؤولية القانونية للآراء الواردة فيه، وفقاً لما هو وارد في القوانين السويدية.

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©