يتطلب تشجيع السكان على استخدام وسائل النقل العام في الصباح البارد والقاتم بعض الإقناع في مدينة يوميا Umeå الجامعية في شمال السويد التي تكون مظلمةً تماماً تقريباً في الشتاء. تقول مديرة المشروع كارينا أشان Carina Aschan عن المحطة التي تستخدم أصواتاً مميزةً وأضواءً ملونةً للإعلان عن وصول الحافلات الكهربائية: «كان من المفترض أن يكون حلاً للطاقة ولكنه أصبح حلاً اجتماعياً أيضاً، وأثار نقاشاً أوسع حول كون يوميا Umeå أصبحت مبتكرةً، وما إذا كان يجب على المدينة أن تفعل ذلك».في هذا الصدد تم إطلاق العشرات من الحلول الذكية في إطار مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي يسمى RUGGEDISED بهدف إزالة الكربون من ثلاث مدن وإلهام المزيد من المدن أيضاً، ومع اقتراب نهايته بعد ست سنوات أصبحت مسألة ما يمكن أن تفعله مدننا لنا من حيث الطاقة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وفيما يلي بعض من ألمع النتائج من مدن "المنارة" في يوميا وروتردام وغلاسكو.ما هي المدن الذكية؟تبدو المدن الذكية مستقبليةً ولكنها مبنية على بعض الأفكار البسيطة حول رقمنة وسائل النقل والمباني والبنية التحتية الأخرى لدينا، وتتمثل إحدى طرق التفكير في الحلول الذكية في العمل بشكل أفضل مع ما هو موجود بالفعل، ففي منطقة روتردام سيتم استرداد الدفء من مياه الصرف الصحي (التي تصل إلى 19 درجة مئوية) عبر مبادل حراري وتخزينه في الشبكة الحرارية، كما تم وضع أنابيب تحت الرصيف لاستخراج حرارتها (تصل الخرسانة إلى 65 درجة مئوية في الصيف)، وفي فصل الشتاء سيتم ضخ الماء الدافئ بدلاً من البارد من خلالها لإذابة الممشى الجليدي. إعادة تحويل روتردام إلى مدينة ذكيةقالت مديرة مشروع RUGGEDISED كاتلين فان دن بيرج Katelien van den Berge في روتردام: «حلمي هو ربط البيئة المبنية بمصادر الطاقة المستدامة». وبما أن القاذفات الألمانية دمرت ثاني مدينة في هولندا خلال الحرب العالمية الثانية، لذلك فإن هندستها المعمارية الانتقائية لها جذور حديثة نسبياً، وتوضح كاتلين في قولها: «ميزتنا أن لدينا مساحةً عامةً واسعة جداً، مما يسهل نسج بنية تحتية أكثر ذكاءً أسفل الطرق». وأضافت: «عند إعادة بناء روتردام بعد الحرب العالمية الثانية، كان لدينا مدينة داخلية فارغة، وقد تم بناء نظام تدفئة في المنطقة، وتم توصيل حوالي 11 ألف منزل بالفعل».كيف تقلل الحلول الذكية من الطلب على الطاقة؟كما تتيح لنا معرفة المزيد عن الطريقة التي تتدفق بها الطاقة عبر مدننا، نستطيع أن نكون أكثر كفاءةً في استخدامنا لها، حيث تم تركيب مجموعة ذكية من أجهزة الاستشعار في مباني جامعة يوميا Umeå لجمع البيانات عن الوجود البشري ودرجة الحرارة والضوء ومستويات ثاني أكسيد الكربون، كما تم اتباع نظام تدفئة وتبريد أكثر ذكاءً حقق انخفاضاً بنسبة 23% في استخدام الطاقة خلال أوقات الذروة في جميع أنحاء الحرم الجامعي.الجدير بالذكر أن الجامعة تقع بجانب المستشفى التي أدركت أنه بدلاً من بناء جناح جديد بالإمكان استخدام بعض مرافق الجامعة الفارغة ليلاً، وقد يبدو الأمر بسيطاً ولكن استخدام ما هو موجود بالفعل بطريقة أكثر ذكاءً هو المطلوب في معظم الحالات.طرقاً أكثر ذكاءً لاستخدام الطاقة في المنزلالمكان الرئيسي الذي يحتاجه العديد من سكان المدن بشدة لتوفير الطاقة هذا الشتاء هو المنزل، ولكن هذا ليس صحيحاً بنفس القدر في جميع أنحاء القارة، ففي السويد يحق للمستأجرين الحصول على منزل مُدفّأ وليس هنالك مجال للقول "شح الوقود". وفي المملكة المتحدة رغم قيام رئيس الوزراء بتجميد فواتير بمتوسط 2890 يورو سنوياً لا تزال 7 ملايين أسرة في طريقها لإنفاق أكثر من 10% من دخلها على الوقود.في هذا السياق لتخفيف العبء على بعض أفقر السكان، دخل مجلس مدينة غلاسكو في شراكة مع ويتلي Wheatley، أكبر مجموعة إسكان اجتماعي في اسكتلندا، ومن خلال RUGGEDISED تم تركيب أجهزة جديدة على أنظمة تدفئة التخزين الكهربائية للمستأجرين، مما يمنحهم تحكماً أكبر في درجة الحرارة في شققهم، ونتيجة لذلك يستخدم الناس حوالي 20% من الكهرباء أقل، كما يوضح مدير الحد من الكربون والاستدامة في ويتلي كولن ريد Colin Reid، ويقول: «إنها تتيح لنا التفاعل مع الأسر، فهي توفر لهم لأول مرة القدرة على التحكم في التدفئة في منازلهم، وإنه لمن الجيد للأشخاص أن يروا بأنفسهم كيف تعمل منازلهم».شارع غلاسكو الذكييعتبر امتداد شارع جورج وشارع ديوك في غلاسكو شارعاً ذكياً، حيث قام مجلس المدينة بتجربة مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك الإضاءة التي يتم تشغيلها عند مرور الناس، ومظلة شمسية جديدة على سطح موقف السيارات لشحن المركبات الكهربائية. بالإضافة إلى تخزين الطاقة وتدفئة المنطقة، وكما يقول رئيس قسم الاستدامة في مجلس مدينة غلاسكو جافين سلاتر Gavin Slater: «تعتبر المدينة مكاناً أفضل بشكل أساسي بسبب مشاركتها في مشروع RUGGEDISED». كما كشف أيضاً أن غلاسكو أحرزت تقدماً كبيراً نحو تحقيق هدفها الصافي بحلول عام 2030، فقد تم بالفعل خفض انبعاثات الكربون بنسبة 50% منذ عام 2006.إلى أي مدى يمكن أن تساعد بيانات نماذج المدن في أن تصبح أكثر اخضراراً؟تعمل البيانات على تغيير طريقة رؤيتنا لمنازلنا وشوارعنا بسرعة من وجهة نظر موفرة للطاقة، حيث كانت هنالك نقطة بيانات واحدة في العام (شخص يأتي لفحص الغاز والكهرباء)، وأصبحت منازلنا الآن خليةً من الأرقام، كما يشير الدكتور مارسيل فان أوسترهوت Marcel van Oosterhout من مركز إيراسموس لتحليلات البيانات.من المفهوم أن القلق العام بشأن كيفية استخدام هذه البيانات يؤدي إلى إبطاء إمكاناتها، حيث تأتي المخاطر من كيفية وقوعها في الأيدي الخطأ، كما يمكن دمج البيانات المتعلقة باستخدام الطاقة مع العناوين، مما يعطي مؤشراً واضحاً جداً عن وقت قضاء الناس في العطلة. ولكن ممثلين من المدن الثلاث تحدثوا حول ما يمكن أن تفعله "التوائم الرقمية" للتخطيط المستدام، فهي تُشرك السكان في عملية التخطيط أيضاً، وتصرّ رائدة الحلول في فريق Geo لعملاقة التكنولوجيا آنا ويليامز Anna Williams على أن مساعدة المدن على خفض انبعاثاتها هو هدفهم الرئيسي.ما هي حدود المدن الذكية؟يتمثل التحدي الرئيسي في أن هذه الحلول الذكية يجب أن تُنفّذ في المناطق الحضرية الحالية مع شبكاتها الفوضوية الخاصة، ففي قلب الجنوب لم يتمكن فريق كاتلين من الحصول على شبكتهم الكهربائية الذكية من الأرض، ورغم وجود جميع عناصر الإضاءة الذكية والمركبات الكهربائية ونقاط الشحن، لم تحصل المدينة على الحالة التجريبية التي احتاجتها. كما تم منح عرض عقد رئيسي من قبل شريك الطاقة Eneco في مكان آخر، وتوضح كاتلين في قولها: «لم يكن هنالك تنسيق بين المناقصة على نطاق المدينة والتنفيذ على مستوى المشروع».لا يزال مشروع RUGGEDISED يقدّم بعض المخططات اللافتة للنظر، ولكن من الواضح أن الاتصال الأكثر ذكاءً مطلوب على مستوى تشريعي أعلى أيضاً، أما بالنسبة لأزمة الطاقة التي تطغى على حياة المواطنين في غلاسكو وروتردام على الأقل تعتقد كاتلين أنه "لا يمكن إلا أن يكون هنالك طريق، وسنبدأ العمل على كيفية التعامل معه".