أن تعيش مراهقتك في السويد عام 2022، أمرٌ مختلفٌ تماماً عن أن تعيشها في 1970 في بلدٍ عربي مثل سوريا أو العراق أو لبنان. وهذا أمر يدركه على حد سواء المراهقون وآباءهم من أبناء الجالية العربية المقيمين في السويد اليوم، فالطرفان كما يبدو، يصارعان كي يفهم كل منهما الآخر، في ظروف الهجرة واللجوء التي تجعل الهوة بين الآباء والأبناء تكبر وتتسع.إهمال الدراسة أول باب للشجار بين الجيلينتتعدد المشكلات التي تسبب اليوم الخلافات بين الآباء والأبناء العرب في السويد، والتي تتضمن اختلافات حول الجدية في الدراسة والتفكير في المستقبل، أو خلافات حول نمط الحياة الغربية والثياب وشكل العلاقات الجديد بين المراهقين. ضمن سياق التعرّف على المشكلات التي يعاني منها الشباب العرب، التقينا الشابة سلمى (عاماً 19) الشابة الفلسطينية السورية المقيمة في مالمو. أكدت مورة بأنها لا تواجه العديد من المشكلات مع أسرتها، فهي ترى أن أسرتها منفتحة نوعاً ما وأن هناك حدوداً متفق عليها من الطرفين وهي لا تتجاوزها مثل الامتناع عن شرب المشروبات الكحولية. لكنها مع ذلك تحضر سهرات مختلطة مع أصدقاءها، وتعيش حياتها بشكل طبيعي إلى درجة كبيرة. مع ذلك تقول سلمى بأنها قد تسمع من عائلتها بعض التعليقات على ثيابها، أو قد يحدث أن يستنكر أهلها طريقتها في معانقة رفاقها والسلام عليهم، وتحديداً إذا ما كانوا عرباً، رغم أنهم قد لا يستغربون الأمر حينما تسّلم بذات الطريقة على أصدقائها السويديين. في حين يقول آدم (14 عاماً) من العراق، أن الخلاف الأساسي بين أبناء جيله وذويهم يتعلق بطول الوقت الذي يمضيه الشباب على ألعاب الكومبيوتر مما قد يؤثر سلباً على مستواهم الدراسي، ومن جهتها تقدم سلمى ملاحظة شبيهة حين تؤكد بأن الجيل الشاب من أبناء الجالية العربية لا يفكر بمستقبله بجدية كافية، والكثير منهم لا يفكر أساساً بإكمال الدراسة الجامعية فالبعض منهم يذهب إلى المدرسة كنوع من التسلية. تضيف سلمى: "أصدقائي السويديين ورغم حضورهم للحفلات يستطيعون مواكبة دروسهم والحفاظ على درجاتهم عالية، لكن الشبان العرب عندما يحتفلون أو يسهرون ينالون علامات منخفضة ولا يستطيعون مواكبة دروسهم". إدمان ألعاب الكومبيوتر عند المراهقين (المصدر TT) كيف يعبر الشباب العرب عن غضبهم؟ هناك ملحوظة استوقفت آدم الذي ولد وعاش في الدنمارك قبل قدومه إلى السويد، فوفق قوله الطلاب والمراهقين في السويد أكثر استخداماً للشتائم والكلمات النابية وهي كلمات لم يكن يسمعها في الدنمارك. ورغم أن العنف الجسدي ليس شائعاً بين المراهقين من وجهة نظره، يبقى العنف اللفظي حاضراً. في المقابل تقول سلمى أن الشباب العرب ورثوا عن عائلاتهم "الدم الحامي" وقد يسارعون للضرب أو الانخراط في "علقة" (شجار)، في المقابل هذا الأمر ليس شائعاً بين الشبان السويديين الذين عادة ما يلجؤون للمشرفين أو المدرسين في حال تعرضوا لأي مشكلة مع أقرانهم. جيل جديد "يستوعب" الجيل القديمعند مشاركتنا تجاربها ومشاعرها، تقول الشابة الفلسطينية رهام عطالله (19 عاماً)، المتفوقة دراسياً والمهتمة بالنشاط السياسي، بأنها تلقت صفعات من الثقافتين العربية والسويدية في رحلتها للاندماج ضمن مجتمع جديد، وخاصة في فترة المراهقة. تصف رهام نفسها، باعتبارها الابنة الأكبر في عائلتها، بـ"الوسيط" بين والديها وأخوتها الأصغر سناً، لأنها وكما تقول قادرة على فهم مخاوف والدها وفي الوقت نفسه استيعاب الضغوط التي يواجهها أخوها. ومن جانب آخر تشير رهام إلى قضية شديدة الأهمية حينما تقول: "الأخطر والأهم من صراع الأجيال هو الصراع بين المرء وذاته"، فمن وجهة نظرها تواجه المراهقة أسئلتها الخاصة حول الدين والمجتمع والمعتقدات. المصدر TTترى رهام أيضاً، أن الضغوط التي يواجهها المراهقون من الجنسين تختلف في السويد. فبتصورها، وعلى عكس المتوقع، تعتبر أن المراهقين الشباب يواجهون ضغوطاً خاصة حيث تقول: "الشاب العربي هنا تعرض عليه المخدرات طوال الوقت كي يبيعها أو يستخدمها، وفي المقابل لا يعرف الأب وضع حدود تتعلق بالساعة التي يجب على ابنه أن يرجع فيها إلى البيت". من زاوية أخرى تشير رهام إلى قضية أساسية في الصراع بين الأجيال في السويد عند العائلات العربية، فوفق وجهة نظرها: "الأبناء هنا أكثر مقدرة على التعلم السريع والاندماج من آبائهم، وهذا ما يفقد الآباء شعورهم بكونهم قدوة أو مربيّن لأنهم أحياناً يشعرون بالاعتماد على أبناءهم بدلاً من أن يكون الأمر معكوساً". ترى رهام أن هذا الأمر يُفقد بعض المراهقين احترامهم لآبائهم، لكنها ترى بأن هذا لا يجب أن يكون واقع الحال، فتقول: "يجب على الآباء أن يبذلوا كامل جهدهم كي يظلوا قدوة في نظر أبناءهم حتى لو احتاجوا المساعدة في اللغة أو الاندماج، فمن الصعب جداً على الأبناء أن يشعروا بأنهم فقدوا القدوة".في الختام قد لا تمتلك جميع العائلات العربية شخصاً قادراً على لعب دور الوسيط بين الأجيال المختلفة، وفي ظل غياب الحوار والانفتاح بين الأبناء والآباء تمسي الأسرة العربية بما تحمله من قيم مهددة بالزوال إن لم يجد أفرادها طريقة للاندماج في المجتمع السويدي من جهة، والحفاظ على هوية العائلة والعلاقة الصحية بين أفرادها من جهة أخرى.