تمتلك النرويج والسويد والدنمارك برامج اندماج واسعة النطاق فيما يتعلق باللاجئين، حيث تسعى الدول الثلاث إلى الشيء نفسه بشكل أساسي، وهو مساعدة اللاجئين على دخول سوق العمل حتى يصبحوا مستقلين مالياً. ومع ذلك، هناك اختلافات عندما يتعلق الأمر بما تريد هذه البلدان تحقيقه من خلال التكامل، والتدابير التي تستخدمها كلّ منها ونوع السياسات التي تنتهجها. ولهذه الأسباب، قام باحثون في جامعة أوسلو ميتروبوليتان OsloMet بعمل مقارنة بين الدول الثلاث لمعرفة الأفضل بينها. البطل الاسكندنافيشهدت البلدان الثلاثة زيادات كبيرة في عدد اللاجئين فيها خلال العقد الماضي، حيث زادت الأعداد بشكل كبير بعد أزمة اللاجئين في عام 2015، عندما عبر اللاجئون والمهاجرون البحر الأبيض المتوسط من شمال إفريقيا والشرق الأوسط بسبب الحرب في سوريا، ثم أكمل العديد منهم الطريق نحو الشمال إلى الدنمارك والسويد والنرويج.وفي هذا الصدد، قالت فيلدي هيرنس Vilde Hernes، من المعهد النرويجي للبحوث الحضرية والإقليمية (NIBR) في OsloMet ، وأحد الباحثين الذين عملوا على التقرير الجديد: "إننا بحاجة إلى معرفة حال اللاجئين في البلدان التي تستقبلهم، باعتبار أن أزمات اللاجئين لن تختفي في أي وقت قريب". وأشارت إلى أن الباحثين نظروا فقط إلى الاندماج في سوق العمل، وليس إلى الجوانب الاجتماعية أو السياسية للاندماج لتحديد من سيفوز بالبطولة الاسكندنافية لتكامل سوق العمل. النرويج والسويد والدنماركوجد الكثير من اللاجئين عملاً، بعد مجيئهم إلى النرويج. وهذا الأمر ينطبق على كل من الرجال والنساء، وبشكل خاص على السنوات الأولى من وصولهم البلاد، كما تمتلك البلاد أعلى نسبة لوظائف النساء مقارنة بكل من السويد والدنمارك. هذا وتُعتبر السويد متأخرة قليلاً، إذ وصل اللاجئون فيها إلى نفس مستويات التوظيف في النرويج بعد بضع سنوات من وصولهم إليها. في حين تأتي الدنمارك، ذات المشاركة الأقل في القوى العاملة والتعليم، على المدى القصير والطويل، في المرتبة الأسوأ من هذه الناحية. في هذا السياق، تقول هيرنس: "إن النرويج جيدة جداً بالتعامل مع اللاجئين ذوي التحصيل العلمي المنخفض، إذ من الأسهل بالنسبة لهم دخول سوق العمل مقارنة بالبلدين الآخرين. ومن الناحية الأخرى، تُعتبر السويد جيدة جداً في إدخال الأشخاص الحاصلين على تعليم عالٍ إلى سوق العمل. كما يمكن اعتبار السويديون الأفضل في فحص الشهادات التعليمية والموافقة عليها". هذا وتعتقد هيرنس أنه يمكن للنرويج الاستفادة من السويد عندما يتعلق الأمر باللاجئين ذوي التحصيل العلمي العالي، وخاصةً القادمين من أوكرانيا، مشيرةً إلى أنه يمكن اعتبار الدنمارك الأسوأ في هذا المجال مقارنةً بالسويد والنرويج.كاظم من العراقوائل كاظم هو أحد اللاجئين القادمين من العراق إلى النرويج والحاصلين على مستوىً تعليمي عالٍ. وقد قرأ التقرير الخالص عن الدراسة ويقول إنه يصف بدقة تجربته في النرويج. فهو على دراية تامة بالإجراءات التي تتخذها النرويج والسويد فيما يتعلق بقبول اللاجئين الحاصلين على شهادات علمية فيهما. كما أنه يوافق هيرنس الرأي في أن النرويج بإمكانها أن تتعلم الكثير من السويد عندما يتعلق الأمر بالموافقة على التعليم من الخارج."ذهبتُ للعمل على الفور"يقول كاظم: "عندما جئت إلى النرويج لأول مرة كلاجئ من العراق، سارت الأمور بسرعة كبيرة، حيث تعلّمتٌ اللغة بسرعة كبيرة، وانتهيت من البرنامج التمهيدي بعد أربعة إلى خمسة أشهر". هذا وكان كاظم قد تلقّى تدريبه كمحام في العراق بدرجة البكالوريوس وأراد أن يبدأ درجة الماجستير في النرويج.وبهذا، قام بإرسال طلبٍ للحصول على اعتماد تعليمي من الوكالة النرويجية لضمان الجودة في التعليم NOKUT، وبدأ في الوقت نفسه البحث عن وظائف، ليحصل على منصب مساعد مدير في متجر، ما يتيح له العمل أثناء متابعة دراسته. وقام بعدها بإرسال أوراقه التعليمية إلى NOKUT، التي من المفترض أن توافق على التعليم الذي يجلبه الأشخاص معهم من الخارج إلى البلاد. "الأوراق من العراق ليست جيدة بما فيه الكفاية"تم رفض كاظم بعد مرور عام على إرسال طلبه الأول لـ NOKUT، حيث تم إخباره أنهم لم يقوموا بتقييم الطبيعة المهنية لتعليمه، وأن الأوراق من العراق لم تكن جيدة بما فيه الكفاية. الأمر الذي دفعه لإرسال الشكاوى لسنوات عديدة، حتى عام 2019، حين استلم إدارة المتجر الذي كان يعمل فيه لمدة طويلة. وعندما لم يجد كاظم نتيجة من إرساله الشكاوى إلى NOKUT، قام بإرسال طلبٍ إلى السويد للموافقة على إكمال تعليمه فيها، ليصله الرد بالموافقة بعد أربعة أشهر فقط. وفي هذه المرحلة، أيقن كاظم أن السويد ستكون موطنه الجديد. فبعد قضاء عدة سنوات في الرفض في النرويج، حصل على الموافقة من السويد على الفور، فضلاً عن تزويد السويديين له بنصائح حول كيفية المضي قدماً في استكمال تعليمه كمحام.استبدال القانون بالعلوم السياسيةفي عام 2019، استقال كاظم من منصبه كمدير للمتجر وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية، وأصبح مشرفاً في إدارة العمل والرفاهية النرويجية، NAV، حيث لا يزال يعمل حتى اليوم. كما يسعى الآن للحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية. وفي هذا الصدد، يقول: "إن تجربتي في إكمال تعليمي في السويد كانت مثالية، لا سيما للأشخاص في مثل وضعي، الحاصلين على شهادات علمية من بلدهم الأم".صعوبة في الاتصالقام موقع Sciencenorway بالاستفسار عما إذا كان من الشائع عدم تقييم الأوراق، أو تقييمها على أنها ضعيفة أو غير كافية، إلا أن NOKUT لا تُدلي بتصريحات خاصة بالحالات الفردية، لكنها قالت إنها لا تُجري تقييمات مهنية لمحتوى التعليم في مخطط الموافقة العامة للتعليم العالي الأجنبي. فما يفعلونه هو إجراء مقارنة بين أنظمة التعليم، وتقييم نظام التعليم الأجنبي مقابل نظام التعليم النرويجي. وفي بعض الحالات، لا يمكنهم الموافقة على التعليم العالي الأجنبي بناءً على إدارة الحالة العادية.وفي هذا الصدد، كتبت مديرة NOKUT للتعليم الأجنبي، هيلين صوفي هاوجين Helén Sophie Haugen، لموقع Sciencenorway، "إن هناك عدة أسباب للقيام بذلك، فعلى سبيل المثال، قد لا يرغب بعض الأشخاص الذين فرّوا من بلادهم في أن تتصل NOKUT بالمؤسسة التعليمية أو السلطات التعليمية في بلدهم الأم للتحقق من كفاية ومصداقية وثائق التعليم الخاصة بهم. أو قد يرغبون في ذلك، لكنهم لا يملكون حق الوصول إلى تلك الوثائق. وعندما يتعلق الأمر بالعراق، تجد NOKUT أن مصداقية وثائق التعليم العراقية منخفضة جداً بحيث لا يمكن الموافقة عليها. وفي مثل هذه الحالات، يتم تقديم خطة موافقة قائمة على المقابلة، ضمن مخطط UVD، كبديل عن الوثائق". طرق مختلفة للتكاملتقول فيلدي هيرنس من OsloMet: "إن لكلٍّ من النرويج والسويد والدنمارك اهتمامات مختلفة تماماً عندما يتعلق الأمر بالتكامل. فالدنمارك، على سبيل المثال، ركّزت على اتخاذ تدابير لإدخال الناس إلى القوى العاملة، ضمن ما يمكن تسميته بالتدريب غير المأجور على العمل. وفيما يتعلق بالنرويج، قمنا بزيادة التركيز على تعليم اللاجئين في السنوات الأخيرة، لا سيما لأولئك الذين حصلوا على القليل من التعليم السابق. وبدورها، كانت السويد حريصة على الموافقة على التعليم من البلد الأصلي ومساعدة المزيد من الناس على الدخول في القوى العاملة، حيث تعتمد السويد مبدأ دعم العمل، الذي يعني دفع الدولة راتب الموظف الجديد، وليس صاحب العمل لفترة من الزمن". هذا ويتضمن التقرير الصادر عن OsloMet، اللاجئين الذين قدموا إلى النرويج والسويد والدنمارك بين عامي 2008 و2019، والذي بلغ عددهم ما يقرب الـ 280،000 لاجئ بالغ.قلّة من النساء العاملات ودخل جيديُعتبر وضع النرويج جيداً بالمقارنة مع السويد والدنمارك. ومع ذلك، تعتقد هيرنس أن هناك مجالاً واحداً على النرويج قطع شوطٍ طويل فيه. وفي هذا السياق، تقول: "لا تزال هناك اختلافات كبيرة بين النساء والرجال رغم الوضع الجيد للبلاد. فعلى سبيل المثال، تتمكن فقط من 10% إلى 20% من النساء من تحقيق متوسط الدخل في النرويج بعد عشر سنوات من وصولهن إليها. الأمر الذي يغير الصورة العامة للبلاد إلى حدّ ما".