مقالات الرأي

ما هو اضطراب القلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي)؟

Aa

ما هو اضطراب القلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي)؟

حسام عامود/حاصل على شهادة في الإرشاد الاجتماعي الأسري

 يمرُّ الانسان خلال تنشئته الاجتماعية بعدة مراحل عمرية، وبغض النّظر عن اختلاف تعريفات التنشئة الاجتماعية التي حظيت باهتمام كبير من مختلف العلوم والدراسات الإنسانية (علم النفس، الأنثروبولوجيا، علم الاجتماع)، فهي تتفق بمجملها حول الهدف الأساسي منها، وهو تشكيل الكائن البيولوجي وتحويله إلى كائن اجتماعي، وتساهم فيها أطراف عديدة، كالأسرة والمدرسة، وتتأثر بعوامل عديدة أيضاً (اقتصادية، ثقافية، فيزيولوجية..) 

الجدير بالذكر أن عملية التنشئة الاجتماعية تقوم على أساس التفاعل الاجتماعي بين الفرد والفرد، أو بين الفرد المجموعة، أو بين المجموعة ومجموعة أخرى، فهي مستمرة ومتغيرة على امتداد الحياة وفي مختلف مراحل النمو (طفولة، مراهقة، رُشد، شيخوخة).

 تبدأ التنشئة الاجتماعية من الحلقة الصفر التي هي الأم والتي تنطلق من لحظة تشكُّل الجنين. وهذا ما يفسر لنا تعلق الطفل بأمه بمراحل عمره الأولى. اللافت للانتباه أن أولى الحواس التي تكتمل عند الطفل هي حاسة الشم التي تحدد لنا قيمة تعلق الطفل بصدر أمه. ثم ينتقل إلى الحلقة الأولى و هي الأسرة بحد ذاتها والتي يفسرها البعض أنها مترابطة ومتتالية إلى حد لا يمكن فصلها عن الحلقة الصفر، وكأن الأم أصبحت نواة الحلقة الأولى (الأسرة). أما الحلقة الثانية هي المدرسة، فالطفل في سن المدرسة يكون مختلفاً عن المراحل السابقة أو السنوات السابقة التي مر بها. فالمدرسة بالنسبة له تجربة جديدة ومختلفة عن  بيئة المنزل، حيث يمارس الطفل فيها العديد من الأنشطة المتقدمة ، التي تزيد من قدراته فيتطور نموه بشكل مختلف في النواحي الجسدية والإدراكية والمعرفية والنفسية.

وإذا تحدثنا عن هذه المرحلة، فالذهاب إلى المدرسة للمرة الأولى يكون الأصعب بالنسبة للطفل. لذلك يرفض العديد من الأطفال الذهاب إلى المدرسة مثلاً.

 وهنا قد يكون الطفل يعاني بما يُسمَّى  اضطراب القلق الاجتماعي {الرهاب الاجتماعي} .

حيث لا يتم اكتشاف مشكلة اضطراب الرهاب الاجتماعي إلاّ بعد دخول الطفل للروضة أو المدرسة.

ولأن اضطراب {الرهاب الاجتماعي} من أكثر الاضطرابات النفسية الشائعة عند الأطفال، وعلى الرغم من وضوح أعراضه المزعجة لبعض الأسر، إلاّ أن التفسيرات الخاطئة غالباً ما تساهم في ترسبه ونموه إلى مرحلة المراهقة والشباب، وللأسف أن هناك الكثير من العقد النفسية المؤثرة في شخصية الطفل ستستمر أيضاً وحينها ستزيد شكاوى الأسرة والمدرسة، فضلاً عن ما يعانيه المصاب من متاعب تعطل أهدافه الحياتية والمستقبلية. 

فالذهاب إلى المدرسة للمرة الأولى يكون الأصعب بالنسبة للطفل

Ø   تعريف القلق الاجتماعي أو الرهاب الاجتماعي(social phobia ):

 ذكر الكثير من الباحثون إلى أن الاهتمام بدراسة القلق الاجتماعي بدأ عندما نشر واطسون و فرند

 Watson et  Frinde استبيانهما  لقياس الضيق و التجنب الاجتماعي  

Socialavoidance  ress  anddist عام  1969 ، وبعد ذلك ظهر العديد من الاستبيانات الأخرى لقياس القلق الاجتماعي و المفاهيم المتصلة به كالخجل و التحفظ الاجتماعي و الارتباك وغيره .

 ولكن اهتمام علماء النفس بهذا النوع من القلق وفهمهم له تطور منذ أن تم إدراجه لأول مرة كفئة تشخيصية مستقلة ضمن الطبعة الثالثة من الدليل الإحصائي و التشخيصي الثالث  للاضطرابات العقلية الصادرة عن رابطة الطب النفسي الأمريكي، ومنذ ذلك التاريخ الصادر یُنظر إلى القلق الاجتماعي على أنه حالة من الرهاب البسيط  المصحوب بمخاوف تتصل بموقف اجتماعي واحد أو اثنين، وكشفت البحوث أن القلق یمثل مشكلة صحیة نفسية شدیدة، یمكن أن تسبب ضعفاً ووهناً  قاسیاً (1)

وهنا بدأت الدراسات عن القلق الاجتماعي والرهاب الاجتماعي تتزاید بشكل سریع .

یُعرّف القلق الاجتماعي تبعاً للدلیل التشخیصي و الإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية الصادر عن الرابطة الأمریكیة  للطب النفسي (1994ـAPA ) " على أنه خوف ملحوظ ومستمر یظهره الفرد في موقف واحد أو أكثر من المواقف الاجتماعیة أو مواقف الأداء و التي من خلالها یتعرض الفرد لأشخاص غیر مألوفین لدیه، ولا مانع النظر فیه و التدقیق فیه من الآخرین، و أن الأفراد الذین یعانون من القلق الاجتماعي یخافون التقییم السلبي من الآخرین، و یدركون أنهم لم یحفظوا بالرضا و الاستحسان منهم بل یعیشون الذل و الخزي و الإرباك في المواقف و نتیجة لذلك فإنهم یتجنبون المواقف الاجتماعیة(2)

وكثير من المقالات عرفته "بأنه الخوف من المجهول و تجنب المواقف التي یفترض فیها الفرد أن یتعامل أو یتفاعل فیها مع الآخرین، ویكون معرضاً نتیجة لذلك إلى نوع من أنواع التقییم، أما السمة الأساسیة الممیزة للقلق الاجتماعي تتمثل في الخوف غیر الواقعي من التقییم السلبي للسلوك من قبل الآخرین.

بدأت الدراسات عن القلق الاجتماعي والرهاب الاجتماعي تتزاید بشكل سریع

 مما سبق یمكن القول بأن القلق الاجتماعي هو خوف من المجهول وتجنب المواقف الاجتماعیة من التقییم السلبي لسلوك الفرد من قبل الآخرین و استجابة القلق عند مواجهة الآخرین مثل الأقران و الوالدین و المدرسین و الجیران.

و يجب أن نتفق على أن القلق حالة انفعالیة ناتجة عن الشعور بتوقع حدوث الخطر أو تهدید داخلي یترتب عنه تغییرات  فیزیولوجیة مثل سرعة ضربات القلب وضیق التنفس.

الرهاب الاجتماعي مشكلة سلوكية عند الطفل واضطراب نفسي يختلف كلياً عن الخجل الذي يُعد صفة نفسية ممكن أن تكون عند الأطفال أو البالغين، وقد يكون في الغالب سببه قلة الوعي والصعوبة في تشخيص المشكلة، مما جعل البعض من الأسر يعتقد أنه نوع من الخجل، لكن كلما زاد عمر الطفل واحتكاكه بالمجتمع متمثلاً بالأصحاب في بيئة المدرسة، والأقارب في محيط الأسرة كلما اتضحت الصورة أكثر في قصور أداء الطفل أثناء تفاعله مع مجتمعه، سواء كان باللعب أو عدم قدرته على التحدث أمام الآخرين بالفصل مثلاً، وعجزه عن تكوين العلاقات وقصور واضح في اللغة التعبيرية.

o      للتنويه أن مشكلة اضطراب الرهاب الاجتماعي لا تقتصر على تكوين علاقات مع الفئة العمرية نفسها، إنما المشكلة في أنه يتكون عند الطفل خوف شديد من أي موقف اجتماعي.

Ø  سبب تفاقم هذه الاضطرابات وتفاديها :

إن هذه الاضطرابات قد تستمر بسبب طريقة تعاطي الوالدين معها في مرحلة الطفولة، وأيضاً انخفاض الوعي في البيئة المدرسية بشكل خاص وفي المجتمع بشكل عام وأسلوب تعاطيهم مع هذه المشكلة.

لذا يجب على الوالدين  عدم السخرية من حالته أبداً، فهذا يؤدي إلى زيادة في حدة الرهاب، إضافةً إلى تفهم حالته وإعطائه جرعات كبيرة من الحب والحنان عن طريق الضم والاحتكاك واستخدام الألفاظ الإيجابية.(3)

 وقد ذكرت في مقال سابق أنه الحوار والاستماع لمشاعر الطفل من أهم الخطوات التي تنمي ثقته بنفسه وتقديره لذاته بمحاولة في إشراكه بأنشطة اجتماعية بسيطة، وتنمية مواهبه، وتشجيعه على حديث النفس الإيجابي.

Ø   أنواع القـلق:

1. اضطراب القلق العام: إذا كان الطفل يعانى من قلق مفرط يؤدى إلى الشعور بالتعب أو التهيج أو توتر العضلات أو صعوبة التركيز أو اضطرابات النوم.

2. اضطراب القلق الانفصالي: خاصة بالنسبة للأطفال بين 1-3 سنوات من العمر، يقوم الأطفال بالبكاء والتوسل إلى الشخص الذي يغادر غالبًا، ومن بعد يغادر، يتركز تفكيرهم على اللقاء بهم فقط، ولكن بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، إذا كان لديهم خوف زائد أو قلق مفرط من الانفصال عن الآباء ومقدمي الرعاية، فقد يكونوا مؤهلين للتشخيص باضطراب قلق الانفصال، وعادة ما يصيب الأطفال عند موت الآباء أو الانفصال عنهم، وقد يرفضون الخروج أو الذهاب إلى المدرسة ويتعرضون للكوابيس أو مواجهة أعراض جسدية مثل الصداع أو الغثيان بسبب هذا القلق.

3. الصمت الانتقائي أو الخرس الاختياري : نوع من القلق عندما يرفض الأطفال التحدث في مواقف اجتماعية معينة، على الرغم من أنهم يتحدثون كثيراً في المنزل أو في أي مكان يشعرون فيه بالراحة، وقد يرفضون التحدث في المدرسة والانسحاب من الآخرين أو تجنب الاتصال بالعين، وعادة ما يتم تشخيص الأطفال الذين يبلغون من العمر حوالى 5 سنوات بهذا الاضطراب.

4. الرهاب "الفوبيا :  قد يظهر بعض الأطفال الخوف أو القلق حول كائن أو وضع معين، وإذا كان هذا الخوف يدوم لفترات طويلة ولا يتناسب مع الخطر الواقعي، يمكن تصنيف هذا الخوف على أنه رهاب، وسوف يبكى الأطفال أو يتجمدون أو يتشبثون بشخص بالغ عندما يكون خوفهم موجودًا.

5. اضطراب الهلع: الأطفال الذين يعانون من نوبات هلع متكررة ويقلقون يكونون مصابون بنوبة ذعر، ومن أعراضها: ضيق التنفس، أو ألم فى الصدر، أو إحساس بالاختناق، أو الغثيان، أو الدوخة، أو الشعور بالبرودة، أو الإحساس بالحرارة، أو الخوف من "الجنون"، أو الخوف من الموت.

6. اضطراب القلق الاجتماعي: إذا كان طفلك يعانى من خوف شديد من الاضطرار إلى المشاركة فى الفصل أو التفاعل مع أقرانه، فقد يكون لديه اضطراب قلق اجتماعي، وقد يظهر الأطفال هذا الخوف من خلال نوبات الغضب أو البكاء أو التشبث بالبالغين أو التجميد أو رفض الكلام.(4)

 قد يظهر بعض الأطفال الخوف أو القلق حول كائن أو وضع معين، وإذا كان هذا الخوف يدوم لفترات طويلة ولا يتناسب مع الخطر الواقعي

Ø   أسباب القلق الرئيسية:

·   الافتقار إلى الأمن: وهو انعدام الشعور الداخلي بالأمن عند الطفل، وكما أن الشكوك تعتبر مصدر خطر لديه.

·   عدم الثبات:  إن عدم الثبات في معاملة الطفل سواء أكان المعلم في المدرسة أو الأم والأب في البيت واللذان يتصفان بعدم الثبات في المعاملة يكونان سبباَ أخر في القلق عنده.

·        الكمال/ المثالية:  وهي توقعات الآباء للإنجازات الكاملة لأطفالهم وغير الناقصة تشكل مصدر من مصادر القلق عندهم، وذلك بسبب عدم استطاعتهم القيام بالعمل المطلوب منهم بشكل تام.

·        الإهمال:  يشعر الأطفال بأنهم غير آمنين عندما لا تكون هناك حدود واضحة ومحدودة فهم يفتقرون إلى توجيه سلوكياتهم.

·        النقـد: إن النقد الموجه من الكبار والراشدين للأطفال يجعلهم يشعرون بالقلق والتوتر، وإن التحدث عنهم وعن سيرتهم يقودهم إلى القلق الشديد، خاصة إذا عرف الأطفال أن الآخرين يقومون بعملية نقد لهم أو محاكمتهم بطريقة ما.

·   ثقة الكبار الزائدة: بعض الكبار يثقون بالأطفال كما لو كانوا كباراً، غير حاسبين أن نضج الأطفال قبل الأوان يكون سبباً في زيادة القلق عندهم.

·        الذنب:  يشعر الأطفال أنهم قد أخطئوا عندما يعتقدون أنهم قد ارتكبوا أخطاء أو تصرفوا تصرفاً غير لائق.

·       تقليد الآباء: غالباً ما يكون الأطفال قلقين كآبائهم، لأنهم يراقبون آبائهم وهم يتعاملون مع المواقف بكل توتر واهتمام.

·   الإحباط المتزايد: إن الإحباط الكثير يسبب الغضب والقلق، إذ أن الأطفال لا يستطيعون التعبير عن الغضب بسبب اعتمادهم على الراشدين، ولذلك فإنهم يعانون من قلق مرتفع، وينبع الإحباط كذلك من شعورهم بأنهم غير قادرين على الوصول إلى أهدافهم أو أنهم لم يعملوا جيداً في المدرسة، بالإضافة إلى لوم الأطفال وانتقادهم على تصرفاتهم الغبية قد يزيد من الإحباط  لديهم.(5)

ü إذا نظرنا لمرحلة الطفولة من زاوية مختلفة عن البراءة التي تملأها، ورأينا الجانب المقلق بشأنها الذي قد يثير مخاوف الأطفال وتوترهم، سنجد تكليف الأطفال بتعلم مهارات جديدة، والتعرف على التحديات الجديدة، والتغلب على المخاوف، والتنقل في عالم ليس له معنى دائماً بالنسبة لهم أمر مرهق جدا. وفى بعض الأحيان، تثبت هذه المخاوف أو الضغوطات أنه لا يمكن التعامل معها بشكل كاف، وأن وسائل الراحة العادية التي يوفرها الكبار لا تبدو كافية، وفى هذه الحالات، قد يعانى الطفل من اضطراب قلق من الاضطرابات المختلفة التي تحدث في هذه المرحلة. 

------------------------------------------------------------------------

1)     هوب دبیرا وهیمبورج ریتشارد الرهاب و القلق الاجتماعي (مترجم).

2)     تقدير الذات و القلق الاجتماعي للأطفال دراسة الدكتور وحيد مصطفى كامل.

3)     الرهاب الاجتماعي عند الاطفال جريدة الرياض2018.

4)     مجلة اليوم السابع القاهرة أميرة شحاتة 2018.

5)     اسباب القلق عند الاطفال (التربية والثقافة) http:/al3loom.com.


(هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعكس بالضرورة رأي منصة أكتر الإخبارية)

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مقالات الرأي

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©