أظهر أحدث تصنيف عالمي أصدرته منظمة «مراسلون بلا حدود» اليوم الجمعة أن حرية الصحافة في العالم وصلت إلى أسوأ حالاتها على الإطلاق، في وقت لا تزال فيه أوروبا، وعلى رأسها السويد، المنطقة الأكثر حرية لممارسة الصحافة.ويأتي هذا التقرير عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف غداً السبت، ليسلط الضوء على تدهور الوضع الإعلامي في معظم دول العالم، فيما تحافظ السويد على موقعها الرائد في المركز الرابع عالمياً. ومن اللافت أن السويد كانت أول دولة في التاريخ تشرع قانون حرية الصحافة في عام 1766، كضمانة لحرية التعبير وكفالة حياة الصحفيين وتوفير الحماية لهم، حيث لا تتدخل الحكومة في حرية الصحافة إلا في ما يتعلق بالأمن القومي. وقالت المنظمة الحقوقية في تحليلها: «وضع حرية الصحافة العالمي في عام 2025 في أدنى مستوياته على الإطلاق... يعيش أكثر من نصف سكان العالم في دول ذات وضع خطير للغاية». وأضافت أن أوروبا لا تزال المنطقة الأكثر حرية للصحفيين، مع تصدر النرويج التصنيف العالمي، تليها إستونيا، هولندا، ثم السويد في المركز الرابع. في المقابل، جاء في أدنى القائمة كل من الصين وكوريا الشمالية وإريتريا في المراتب من 178 إلى 180، ما يعكس الفجوة العميقة بين مناطق العالم. وأشار التقرير إلى أن التصنيف صنّف الوضع بـ«الجيد» فقط في سبع دول، جميعها أوروبية. وأبرز التقرير أن ألمانيا، التي كانت تحتل المركز العاشر العام الماضي، خرجت من قائمة العشر الأوائل لتحتل المرتبة 11 بسبب «بيئة العمل العدائية المتزايدة» ضد الإعلام، لا سيما بسبب هجمات اليمين المتطرف. وسلط التقرير الضوء على الصعوبات التي واجهها الصحفيون في ألمانيا عام 2024 خلال تغطيتهم لأحزاب اليمين المتطرف مثل حزب «البديل من أجل ألمانيا»، حيث أبلغوا عن تهديدات وإهانات ومخاوف من العنف الجسدي، إلى جانب عقبات كبيرة عند تغطية الصراع في الشرق الأوسط وتدهور الوضع الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية. وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، أنيا أوسترهاوس: «يعيش أكثر من نصف سكان العالم الآن في دول نصنف فيها وضع حرية الصحافة بأنه خطير للغاية... الصحافة المستقلة شوكة في خاصرة الحكام المستبدين». وأضافت أن هذا الوضع له أثر مباشر على الجدوى الاقتصادية للصحافة، قائلة: «إذا جفّت الموارد المالية لوسائل الإعلام، فمن سيكشف المعلومات المضللة والدعاية الكاذبة؟». وسلط التقرير الضوء أيضاً على وضع الولايات المتحدة، التي تراجعت مرتبتين هذا العام لتحتل المركز 57 خلف سيراليون، مشيراً إلى أن الوضع هناك تدهور منذ تنصيب دونالد ترامب بسبب «هجماته اليومية» على الصحافة. ووفق المنظمة، فإن إدارة ترامب «سيّست المؤسسات وخفضت الدعم لوسائل الإعلام المستقلة وهمّشت الصحافيين»، ما أدى إلى عدائية متنامية تجاههم وانهيار الثقة بوسائل الإعلام، فضلاً عن تفكيك وسائل الإعلام العامة الأميركية في الخارج مثل «فويس أوف أميركا»، الأمر الذي حرم أكثر من 400 مليون شخص من الوصول إلى معلومات موثوقة. وعلى المستوى العالمي، حذّرت المنظمة من أن الضغوط الاقتصادية باتت عائقاً رئيسياً أمام حرية الصحافة، مع اختفاء العديد من وسائل الإعلام المحلية، وظهور ما يُعرف بـ«صحارى المعلومات» في الولايات المتحدة، فضلاً عن تزايد الانتهاكات الجسدية للصحفيين في مناطق مثل فلسطين وهايتي. وفي المقابل، أشار التقرير إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل «غافام» (غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت) تسهم في تقويض اقتصاد الإعلام عبر استحواذها على جزء متزايد من عائدات الإعلانات، بينما تساهم منصاتها في نشر المحتويات المضللة والمتلاعب بها. كما شمل التقرير انتقادات لبلدان مثل المجر، حيث «تعمد الحكومة إلى خنق وسائل الإعلام النقدية من خلال التوزيع غير العادل للإعلانات الحكومية»، وحتى في بلدان ذات تصنيف جيد مثل فنلندا أو أستراليا، فإن تركز وسائل الإعلام ضمن مجموعات محددة يشكل تهديداً للتعددية. وخلصت المنظمة إلى أن حرية الصحافة باتت في وضع «خطر للغاية» في 42 دولة حول العالم، منها الأردن وهونغ كونغ وأوغندا وإثيوبيا ورواندا وقيرغيزستان وكازاخستان، مع احتفاظ إريتريا بالمركز الأخير. أُعِدّ هذا التصنيف استناداً إلى «مسح كمي للانتهاكات المرتكبة ضد الصحافيين» ودراسة نوعية أجراها خبراء، ليكشف مرة أخرى الدور الريادي للسويد على الساحة العالمية، ليس فقط بتصدرها المراتب العليا بل بكونها أول بلد في العالم وضع حرية الصحافة في صلب تشريعاته منذ أكثر من قرنين ونصف.