مجتمع

معاداة السامية تنتشر بين عرب ومسلمي السويد.. فما هي الطريقة لمعالجتها؟

Aa

معاداة السامية السويد

معاداة السامية بين المسلمين في السويد

قبل البدء في المقال، علينا أن نخبركم، (نحن فريق تحرير أكتر)، أنّ إخفاء اسم كاتب المقال البحثي مقصود، وجاء بطلبٍ منه، وذلك وفقاً لتعبيره "توخيّاً للأمان". إنّ اضطرار البعض "لتوخي الأمان" بسبب الكتابة البحثية في بلدٍ مثل السويد، هو في الحقيقة أمرٌ يثير الحنق والانزعاج.. إليكم المقال كما ورد من الكاتب دون تعديل.

منذ عام 2019، أصدر المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة Brå تقريراً يثير القلق، حيث بيّن بأنّ جرائم الكراهية قد ازدادت بنسبة 50٪ خلال فترة عامين، ووصلت إلى نسبة قياسية في السويد (280 جريمة). 

يبدو أيضاً أنّ مشكلة معاداة السامية، التي كانت موجودة تاريخياً في السويد لدى الدوائر اليمينية المتطرفة، أصبحت اليوم متفشيّة بشكل أكبر بين المجتمع المسلم، وذلك وفقاً لتقرير صدر في 2022 بعنوان: "Med kippa på Möllan؟". ووفقاً لكاتبة التقرير، ميريام كاتزين، فأحد الأسباب التي جعلت "كراهية اليهود" متفشية في مالمو، هي تداخل الأمر مع الغضب من الأعمال الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

إنّ توصيف مشاكل ازدياد جرائم الكراهية ومعاداة السامية تجد طريقها بشكل كبير إلى الصحافة والإعلام السويدي، لكنّ الشيء الذي ينقصنا في الحقيقة هو: ما هي الطريقة لمعالجتها؟ ربّما أحد الأشياء البارزة التي جاءت في تقرير مجلس منع الجريمة، والتي يجب البناء عليها لإيجاد الحلول، هي أنّ المدرسة هي المؤسسة الأكثر قدرة على حلّ المشكلة، ولهذا ستكون هذه المؤسسة هي جوهر هذا المقال البحثي.

معاداة السامية ومعاداة الصهيونية

إنّ التعريف الدقيق لمعاداة السامية صعب، ولكن يمكننا أخذ ما كتبته لينا بيرغرين Lena Berggren في كتابها "Blodets renhet : en historisk studie av svensk" عن الأمر، لنفهم أنّه أمر معقد، وكيف أصبح "مفرغاً من المعنى" بسبب الاستخدامات التاريخية الكثيرة له. وأننا يمكن أن نختصره بكلمة "كراهية اليهود"، ولكن إذا قمنا بهذا الاختصار فسيعني هذا أننا نسقط الكثير من التفاصيل الهامة، وإذا قمنا بذكر كامل هذه التفاصيل الهامة، فسيصبح الموضوع أكثر اتساعاً ممّا يتحمله تعريف.

لهذا سنكتفي بالتعريف الذي اعتمدته الكاتبة بأنّه: "هيكل مكثّف للعدوانية ضدّ اليهود على جميع الأصعدة".

لكن من المهم في سياق حديثنا أن نعلم بأنّ معاداة السامية ليست هي ذاتها معاداة الصهيونية، ففي كتاب "Judehatets svarta bok : antisemitismens historia från antiken till i dag" يوضّح الباحثون السويديون بأنّ معاداة السامية ليست مقترنة بالضرورة بمعاداة الصهيونية، فأن تكون معادٍ للصهيونية لا يجعلك بالضرورة معادياً للسامية واليهود.

رئيس الوزراء يزور كنيس مالمو
Foto: Christine Olsson/TT

وقد صاغ الباحثون في هذا الكتاب مصطلح "فوبيا اليهود"، المنتشر وفقاً لهم بين المسلمين حول العالم عموماً، والمسلمون العرب خصوصاً، وقالوا بأنّه مزيج من معاداة السامية والصهيونية، التي سببها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي طويل الأمد، بالإضافة إلى التاريخ العربي الإسرائيلي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

يمكننا في العموم أن نأخذ تعريف مجلس التعليم السويدي skolverket لمعاداة السامية كمعيار لأيّ حديث، حيث يقول: "معاداة السامية هي وجهة نظر محددة عن اليهود يمكن التعبير عنها على أنها كراهية لليهود. إن التعبيرات اللغوية والجسدية لمعاداة السامية موجهة ضد الأشخاص الملتزمين كيهود أو غير الملتزمين كيهود و/أو ممتلكاتهم، وكذلك ضد المؤسسات اليهودية وأماكن التجمعات الدينية".

معاداة السامية بين مسلمي وعرب السويد: متى بدأت، وأين تنتشر أكثر؟

طالما أنّ تركيزنا في إيجاد الحلول لمعاداة السامية سيكون في المدارس، تبعاً لأنّ مجلس منع الجريمة السويدي اعتبر بأنّ المدارس هي المكان الأنسب لمحاربة هذه الصيحة، كان علينا أن نجيب عن سؤالين: هل معاداة السامية موجودة بين المسلمين في السويد قبل موجات الهجرة الكبيرة الأخيرة في 2015؟، والسؤال الثاني: هل معاداة السامية منتشرة في مدارس مدينة كبرى أكثر من مدينة أخرى؟

يمكننا أن نجد الإجابة على السؤال الأول في بحثٍ منشور منذ عام 2003، بعنوان: "DET FÖRNEKADE HATET" للباحث ميكايل توسافاينين Mikael Tossavainen، والذي وجد فيه أنّ معاداة السامية في حالة تصاعد بين العرب والمسلمين في السويد. ورغم أنّ هذه الإجابة لا تعني أيّ شيء بما يخصّ المجتمعات التي تنتشر فيها معاداة السامية (ماقبل 2015 أو ما بعدها)، لكنّها تعني بلا شك بأنّ المشكلة كانت موجودة من قبل، وأنّ الحلول التي اتخذت لمعالجتها لم تكن كافية على أقلّ تقدير.

والآن إلى السؤال الثاني: هل معاداة السامية تنتشر في أماكن محددة في السويد أكثر من غيرها؟ لأكون صريحاً، هل يعتبر أمراً صحيحاً ما تحبّ وسائل الإعلام التلميح إليه من أنّ معاداة السامية في مالمو أعلى من غيرها، مستندة على بيانات مثل انخفاض عدد اليهود في مالمو بنسبة 50٪ في السنوات العشر الأخيرة، وفقاً لما ورد في jewishvirtuallibrary.

يحاول كاتب موقع "المكتبة الافتراضية اليهودية" الآنف الذكر أن يشرح سبب انتشار "كراهية اليهود" بين المسلمين في مالمو، فيقول: "جاءت معظم الحوادث المعادية للسامية من حي روسنغورد الفقير في مالمو، وهو موطن لنسبة كبيرة من السكان المسلمين في المدينة، والذين يشكلون 15٪ من إجمالي سكان البلاد. بلغ معدل البطالة في روسنغورد 80% في أكتوبر 2010، وهو ما قد يساهم أيضاً في القلق الذي يولد التحيز الأيديولوجي ضد السويديين اليهود".

كنيس ستوكهولم

بالعودة إلى السؤال ومحاولة الإجابة عنه، يمكننا أن نجد الإجابة في بحثٍ عن معاداة السامية في ستوكهولم بعنوان: "Antisemitismen i Stockholms skolor"، والذي يظهر أنّه خلافاً للاعتقاد السائد بأنّ معاداة السامية بين العرب والمسلمين في ستوكهولم أقلّ منها في مالمو، فهي ليست كذلك. ولكن الفارق هو أنّ معاداة السامية في المدارس في ستوكهولم تثير إرباك المعلمين بحيث لا يدركون أنّ ما يواجهونه هو نوعٌ من معاداة السامية.

إذاً الإجابة: مشكلة معاداة السامية بين العرب والمسلمين في السويد هي مشكلة كبيرة وعابرة للمدن، ولا تتركز في مدينة دون أخرى. يبدو الآن الوقت المناسب للانتقال إلى الحلول.

كيف يمكن معالجة معاداة السامية في السويد؟

يكذب من يدّعي أنّه يملك المعرفة كاملة، ويصيب من يحاول الوصول إلى هذه المعرفة مع الاعتراف بالنقص لديه. لهذا، لا يمكنني في هذا المقال البحثي أن أقدّم لكم "حلولاً كاملة"، لكن بعد دراسة المشكلة والنقاشات فيها، يمكنني أن أقترح بعض الحلول التي قد تكون هامة، والتي تقوم الحكومة السويدية بمحاولة تطبيق بعضها.

أولاً، إطلاق مبادرات لتعزيز الديمقراطية لمكافحة العنصرية في المدارس، حيث عملت الوكالة الوطنية للتعليم في عامي 2022 و2023، بالتعاون مع منتدى التاريخ الحي، على تطوير أداة للعمل المنهجي بشأن المبادرات الرامية إلى تعزيز الديمقراطية في النظام المدرسي وخارجه، لمكافحة معاداة السامية وغيرها من أشكال العنصرية.

ثانياً، يقوم أمين المظالم المعني بالأطفال بتنفيذ مبادرات لرفع مستوى الوعي حول العنصرية بناءً على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، لتعزيز قدرة الأطفال والشباب على ممارسة حقوقهم. تتضمن المهمة تحسين الموقع الإلكتروني Mina Rättigheter (حقوقي).

ثالثاً، الالتفات لمحاولة تقليص الفوارق الطبقية والاجتماعية، وذلك بناء على ما جاء في تقدير “المكتبة الافتراضية اليهودية” لأسباب انتشار إيديولوجيا الكراهية ومعاداة السامية. يبدو لي هذا أمراً شديد الأهمية، ولو أنّه يحتاج إلى أكثر من التركيز على المدرسة.

كنيس مالمو
 Foto: Johan Nilsson/TT

رابعاً، قد يكون هذا المقترح هو الأكثر تفصيلية، حيث يستند إلى دراسة أجراها باحثٌ في جامعة مالمو عن دور أساتذة الديانة في التقليل من المشكلة، حيث قام من خلال الدراسة بمقابلة عدد من مدرسي الديانة في المدارس السويدية، وسألهم عن المصاعب التي تواجههم عند الحديث عن قضايا يبدو أنّها تعتبر جزءاً من أسباب معادة السامية، مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والصور النمطية…الخ.

إنّ النتائج التي خرج بها الباحث متنوعة، ولكن إذا ما أردنا استخلاص مقترحات بناء عليها، يجب أن يكون هناك وسيلة لتوحيد ردود المدرسين حول المشكلة، وتعميق فهمهم لتصرفات التلاميذ المتعطشين للمعرفة، وذلك دون الحدّ من قدرتهم على التفكير المنطقي. تظهر مشكلة لدى المدرسين في فهم ما تعنيه "معاداة السامية"، وفهم السياق التاريخي للصراعات السياسية التي أدّت إلى الهولوكوست وغيرها. فليس هناك اتفاق بين المدرسين على التصرفات أو الكلمات التي تعدّ من قبيل الكراهية ومعاداة السامية، ولهذا ربّما توحيد ذلك مطلوب من قبل مجلس التعليم السويدي أو سلطة مختصّة أخرى.

الأمر الآخر أنّ بعض المدرسين يتجنبون الحديث عن بعض الأحداث السياسية والتاريخية ذات الصلة بالموضوع، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ترك فجوة في الفهم لدى التلاميذ، والذي قد يعوضوه في البحث عن مصادر تزيد من الطين بلّة. في الحقيقة، يجب توفير الأدوات الملائمة للمدرّسين كي يتمكنوا من التعامل مع الأمر.

في الختام..

يمكن اعتبار هذا المقال البحثي بمثابة حجر أساس لطروحات إعلامية تجاوز توصيف المشكلة أو نقلها. ففي الوقت الذي قد نجد فيه الكثير من التغطية الإعلامية لمسألة معاداة السامية بين العرب والمسلمين في السويد، والتي يريد بعضها التحريض ليس إلّا، قلّة من المقالات البحثية التي تحاول طرح حلول للمشكلة بعد فهمها بشكله الخاص.

الهدف من هذا المقال البحثي هو إثراء المحتوى العربي في السويد، وكذلك المحتوى السويدي السويدي في حال ترجمته إلى السويدية. فمن المهم أن يبقى الإعلام صلة وصل بين الباحثين من جهة، وصانعي القرار والقرّاء من جهة أخرى.

قد لا توافقون على كلّ ما جاء في المقال، ولكن بالتأكيد عليكم أن تنظروا إلى الأبحاث والنتائج الواردة فيه بعينِ من يريد فهم المشكلة من أصلها، كي يصل إلى حلّها. وما المقترحات في النهاية إلّا ثمرة الاطلاع على هذه الأبحاث من أجل تثبيت الدفّة في الاتجاه الصحيح.

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مجتمع

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©